في التاسع من نيسان.. لم يسقط صدام حسين وحده بل سقطت معه فكرة الدكتاتورية برمتها، وانكسرت اسطوانة الأنظمة الفاشية العربية

بغداد- العراق اليوم:

كتب المحرر السياسي في (العراق اليوم) :

‏في الذكرى السنوية الثامنة عشر لإسقاط النظام الدكتاتوري البعثي الصدامي في العراق، لا تزال الطبقة السياسية التي خلفت هذا النظام عاجزة عن بلورة نظام سياسي قادر على ‏بناء تجربة ديمقراطية حقيقية، قائمة على المواطنة، واحترام حقوق الإنسان، و حفظ التعددية السياسية، ولكن هذا التعثر لا يمنع من المواصلة في مسيرة البناء الشاقة.

عملياً، واجه النظام السياسي بعد 2003  أزمات بنيوية في تركيبته السياسية التي اعتمدها التحالف الدولي، حيث اعتمد بناءً ‏اثنياً ومذهبياً للسلطة، واظهر عجزه الواضح في التوجه نحو  بناء مؤسسات قانونية، و تنظيم الحياة السياسية كما ينبغي في العراق الجديد.

لكن مع هذا، يتفق العراقيون اليوم على  صواب فكرة الخلاص من الدكتاتورية فلا تجد في شمال او وسط او غرب او جنوب العراق من يهوى الدكتاتورية،  والموت، ‏وسلطة المقابر الجماعية، أو  تجد من يختلف على أهمية الخلاص من نظام فاشي قمعي قاتل ومستبد كنظام صدام.

 لذا فقد مثل التاسع من نيسان 2003 لحظة فارقة فعلاً في تاريخ العراق والمنطقة العربية برمتها،  و منه بدأت ‏الأنظمة ‏الدكتاتورية المجرمة بالسقوط كأحجار الدومينو وانهارت منظمة الاستبداد العربي المتضامنة سراً رغم تقاطعها المُعلن، تحت قاعدة ( اتفق العرب على أن لا يتفقوا) !.

‏ نعم، فقد مثل التاسع من نيسان هزة وتسونامي غير متوقع لكل العالم، وظهرت ابشع صور الاستبداد والقتل الجماعي المخفية تحت صورة الميديا البراقة المخادعة، و ظهر التمييز العراقي و التغيير النوعي بأبشع صوره، ليُصدم العالم الحديث برمته فقد كان نظام صدام حسين النموذج الأسود والأسوأ من انظمة الدكتاتورية، ومثل التعاطف الدولي معه فيما سبق كارثة، و فضيحة أخلاقية وأزمة لكل الأنظمة ‏الغربية التي تعاملت معه وزودته بالأسلحة والمعدات و حتى السلاح البيولوجي الذي استخدمه لإبادة الكرد ‏في شمال العراق، والشيعة في الجنوب.وغضت الدول العظمي  النظر  عن تنكيل النظام البعثي بالقوى الوطنية المماضلة كالحزب الشيوعي العراقي والاحزاب الديمقراطية أو التيارات الإسلامية على تنوع مشاربها الفكرية.

إن سقوط صدام حسين‏ ونظامه العشائري المتخلف إنما يمثل لحظه لمراجعة حقيقية وشاملة، لكل أوجه الحياة في العالم العربي لا في العراق فحسب!.

لكن ماذا حصل؟.

‏لقد  كرس ‏الإعلام العربي الذي ‏لا يزال يرتبط ببعض الأنظمة الرجعية صحافته وقنواته، و الأقلام المأجورة  لمهاجمة العراق ومحاولة‏ ‏وصم التجربة الجديدة في العراق بالفشل والطائفية والقتل والتخريب،  وهذا في سياق حملة منظمة تقودها هذه الأنظمة منذ اكثر من 18 عام على العراق الجديد، ومحاولة تخريب ‏جهد القوى السياسية والفعاليات المجتمعية لإنتاج سلطة وطنية تؤسس لبناء دولة ديمقراطية حديثة ومستقرة.

لا شك أن النظام الحالي ليس مثالياً  البتة، وعليه الكثير من التحفظات

والملاحظات وحتى ‏الإشكاليات الكبيرة، لكن التجربة في تطور مستمر وتحاول أن تصلح الديمقراطية نفسها كما يقول المفكر والكاتب الإنجليزي برنارد شو.

‏نعم، بسقوط نظام صدام حسين كانت رصاصة الرحمة تنطلق من العراق بإتجاه كل الديكتاتوريات العربية مرة واحدة، وما تفجر الربيع العربي إلا واحدة من أبرز تجليات ارتدادات ‏البركان العراقي الهائل.

‏كما أن هذا التاريخ المحوري يمثل ‏بوابة دخول عصر الحقوق والديمقراطية و الممارسة السياسية الحديثة التي طال إنتظارها من قبل  الشعوب العربية، فقد لاحظنا انطلاق حركات سياسية حديثة في كذا دولة عربية، تطالب بأنظمة دستورية قائمة على مبدأ المواطنة ‏والسماح بحرية التعبير والتفكير والإرادة السياسية الحرة.

وهذا هو خلاصة ما تحقق  في سنوات الجمر والدم في عراق ما بعد الدكتاتورية.

الأمل كل الأمل في أن يقطع العراقيون ما تبقى‏ من أشواط قليلة للوصول إلى دولة ناجزة حقيقية قائمة على السيادة و الاستقلال والحرية وحفظ تنوع الشعب العراقي، وأيضا تكون بلادنا منارة إشعاع للديمقراطية.

علق هنا