هل انت مستعد يا مصطفى الكاظمي لدفع فاتورة تصرفك كرجل دولة ؟

بغداد- العراق اليوم:

يكسر الكاظمي رتابة المنصب، ويخترق أفق التوقعات، وهو يخرج بالعراق من قوقعته التي حُبس فيها طويلاً، ويغامر الرجل بصراحة، بمستقبله السياسي، أذ يقترب من خطوط حمراء ومقتربات كانت محرمة على غيره، لا يأبه الكاظمي بهذا كله، حيث يمضي وكأنه يردد مع  نفسه قول الشاعر :  " وحسبُ الفتى إِن لمْ ينلْ ما يريدُه … مع الصبرِ أن يُلفى مقيماً على الصبر"، فالرجل لا يريد ان يبقى اسير مخاوف من سبقوه، ولا يمكنه ان يقتنع أن يبقي بلاده تعيش عزلة دولية وعربية خانقة، وتظل كالطير كسير الجناح، لذا فأنهُ يمضي بلا تردد، وفي حساباته الواضحة (عراق واحد قوي ومستقل)، وكل ما دون ذلك يمكن ان يستقبله المرء برحابة صدر، فالحياة مواقف، والمواقف تصنع التأريخ، ولأن التأريخ محكمة، فأن من الصعب ان لا يكون المرء على الاقل شاهداً بشجاعة، فكيف إذا استطاع ان يكون هو حاكماً، ويكتب حكمه بيده في محكمة التاريخ.

لذا فأن الكاظمي بهذا الحراك وهذا الأفق الواسع من البحث عن مشتركات مع الجميع، يمنح العراق فرصته في أستعادة ما ضُيع، وترميم ما هُدم، ووصل ما قُطع، فالعالم لم يعد ذلك المتصارع، ولم تعد القطعية جائزة في ظل تشابك عظيم  للمصالح، وتقارب ملفت للشعوب، فكيف اذا كانت هذه الشعوب ذات هوية واحدة، وتتأثر بمد السياسة وجزر الاقتصاد؟.

ندرك تمام الادراك، ونعرف تمام المعرفة، أن الداخل الملتهب، وأن عدم النضج السياسي وعدم القدرة على تقدير المواقف، وعدم فهم معنى تشبيك المصالح في عالم السياسة، فضلاً عن " الجهل في الخصومة السياسية" قد تسبب للكاظمي احراجات في ظل فهم متصلب ومتحجر للسياسة من البعض، فبعض الضاغطين في الداخل، مصابون بعمى الألوان، ولا يريدون أن يفهموا أن الدولة التي لا تستطيع تجاوز مخاوفها دولة فاشلة وميتة، ولا يكتب لها النجاح.

أكثر ما يعانيه العراق اليوم هو غياب النضج الكافي لتحويل الفاعل السياسي الى رجل دولة، وأن تجتاز كل القوى المؤثرة في الشأن العام، عقدة التأزم الداخلي، وأن تخطو نحو البحث عن المصالح المشتركة، وترك الأنغلاق المفضي الى تدميرها ذاتيًا.

أيضاً، يواجه الكاظمي معضلة الملكين اكثر من الملك ذاته!، وهولاء لا يمكن ان يفهموا أن السياسة فن الممكن، وأن الثابت الوحيد فيها هو المصالح، وان الخاسر فيها هو ذاك المتجمد في عالم سائل كهذا العالم الذي نعيشه.

نعرف أن الكاظمي نجح وتقدم بلا جعجعة ولا خطابات ولا بروبغندا بائسة، وأستطاع ان يقتحم ما عجز الاخرون عنه، ونعرف ان ذلك كله في مصلحة العراق، ولكن الذي يهمنا التأكيد على أن الجميع مطالب أن يتحرك بفهم المسؤولية الوطنية، ولعلنا لا نبتعد عن فهم تحرك الكاظمي في هذا المسار، وأيضاً لنضرب مثلاً أخر بمستشار الأمن الوطني العراقي، قاسم الاعرجي الذي مثل  بتجلي عقلية النضج السياسي، والعمل بمسؤولية وطنية واضحة، ولا احد يستطيع ان يزايد على تاريخه الجهادي الطويل ضد الدكتاتورية، لكنه ما ان وصل الى الحكم مارس العمل المسؤول بأرقى صوره.

علق هنا