الكاظمي في الرياض هذه المرة.. زيارة قد تصنع تأريخاً فارقاً في ملف علاقات ملتبسة !

بغداد- العراق اليوم:

أستعدت الرياض منذ أمسِ الثلاثاء، احتفاءً بضيفها القادم من بغداد، فرُفعت الأعلام العراقية، ورفرفت البيارق عاليةً في سماء العاصمة التي كانت تحجبها عن العراق الجديد كتل من الشك واللا يقين واللا إطمئنان، ولكن هذه المرة ترحبُ بزائرها كما يرحبُ السعوديون في العادة بزوارهم فائقي الأهمية، فهذا مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق بكل ما يعنيه العراق للملكة، وبكل ما يحمل تأريخ العلاقات بين الجارين النفطيين العملاقين من معنى.

يحط الكاظمي في الرياض قادماً اليها في زيارة هي الأولى منذ توليه منصبه في العراق، لكن ملفات واوراق عمل واجندة كثيرة وصلت قبله، حيثُ كان الرجل يدير عجلة الدبلوماسية الناعمة مع الرياض ويدفع بالعجلة المتعثرة منذ عقود الى الامام بعد أن نجح أخيراً في سحب العصي التي وضعت فيها.

يدفع الكاظمي الآن بأهم أوراق حكومتهِ في إنجاز واحدة من أصعب مهامها الخارجية، فكسب الجيران الكبار، والعمل على انجاز التقارب المطلوب مع الرياض يعني أن الخليج برمته سيكون متقارباً معك، وبالتالي يمكن أن تُحلحل الكثير من الملفات الساخنة مع دول الخليج، أو على الأقل تفتح عواصم دول الاتحاد الخليجي ابوابها مشرعةً بوجه العراق بلا توجس كما كانت تفعل دائماً.

الكاظمي الذي دفع بقوة نحو تطبيع العلاقات مع الرياض، لا يريد لها ان تتوقف عند هذا الحد، بل يدفع ايضاً لتوطيدها وطرد مخاوف السعوديين وظنونهم، فالوقت لم يعد يسمح بأن تسيطر لغة الشكوك، والسجال والتنافس والتصارع، بين كتلتين نفطيتين بإمكانهما ان تشعلا الكثير من الحرائق، لكنهما يمكن أن تساهما في اطفاء ما يلتهم مصالح الجميع.

يرى الكاظمي، أن الحلول المطروحة على الطاولة هي الأمثل، فعلاقات طبيعية، والاتجاه بالعلاقة من شعارتية معنوية الى علاقة عملية، وتشبيك مصالح يمكن أن يكون ضامناً وصمام أمان للطرفين، فالرياض تريد من بغداد أن تفتح لها بوابات استثمار وتعاون، وبغداد تبحث عن صفقة النهوض الشامل.

يقدر السعوديون بذكاء مميز أهمية جارهم ودوره وقدراته في فرض معادلات الشرق الأوسط الذي يحاولون رسم معالمه، يعرفون أن العراق ليس مجرد دولة جارة تخضع لهذا او ذاك، ولا يمكنها أن تُركن كورقة على طاولة أي مفاوضات كبرى، فالعراق اكبر من أن يُبتلع، وأعظم من أن يُعزل، وأقوى من يُهمش، فما صيغة التعامل معه؟.

يجيب على هذا التساؤل، لغة الود والتقارب التي اتسمت بها إدارة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، التي قابلا بها العراق خلال الفترة الماضية، والسعي الواضح من الرياض بطرق أبواب العراق ليعيد معهم رسم ملامح شرق أوسط مزدهر وآمن ومشجع على خطط الغد الواعد.

لم يتأخر الكاظمي من جانبه بالتقاط اشارة الترحيب السعودية وهذه اللغة التصالحية، فبادر هو ايضاً الى أن يبعث الدفء في العلاقة الباردة، ويخرجها من محبسها الطويل الى النور دون تردد أو وجل، فليس لدى الرجل ما يخشاه.

العراق يريد ان يحلق في فضائه، ولا يريد ان يعلق بشباك طرف، أو يحول نفسه لكماشة تطبق على عنق محور، ولن يمارس بعد اليوم دور شرطي المنطقة، ولا يرغب ان يتحول لحراس هذا الطرف او ذاك.

اليوم يمكن القول باطمئنان أن الزيارة ستمثل عهداً مختلفاً في بناء علاقات عراقية – سعودية قائمة على اساسات ومرتكزات العلاقة المتوقعة بين بلدين بينهما من الروابط المشتركة الكثير، وبينهما أيضاً للأسف الكثير مما صنعته الجغرافية والتنافس والتاريخ ايضاً.

علق هنا