في حوار مع جريدة الأهرام المصرية .. الكاظمي: العراقيون نزفوا كثيراً من الدماء، ولن نسمح بأن تتحول البلاد إلى يمن جديد

بغداد- العراق اليوم:



( العراق اليوم) ينشر  نص المقابلة الصحافية التي اجرتها جريدة الأهرام المصرية الشهيرة مع رئيس الوزراء  مصطفى الكاظمي..

اجرى الزميل علاء ثابت رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية الشهيرة، مقابلة صحافية مطولة مع رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تناول فيها مختلف القضايا الداخلية او الخارجية أو ما يتعلق بالعلاقات المشتركة بين العراق ومصر، ويعيد (العراق اليوم) نشر المقابلة لأهميتها السياسية والتاريخية:

مصطفى الكاظمى رئيس الوزراء العراقى فى حوار مع «الأهرام» من بغداد: نستلهم التجربة المصرية فى الإصلاح ومكافحة الفساد

حاوره فى بغداد عـــلاء ثــابــت

•    المشرق الجديد مشروع للتنمية والتكامل الاقتصادى ونواة تأسيسية لتحالف كبير

•    العراق ليس بحاجة لقوات أجنبية وما يحتاجه هو الدعم الدولى

•    البعض حاول أن يجر العراق ليصبح ساحة للخلافات الإقليمية والدولية

•    «الورقة البيضاء» مشروع متكامل للإصلاح الاقتصادى والإدارى

•    نعمل لإطلاق حوار وطنى شامل ولن نسمح بأن تتحول البلاد إلى يمن جديد

•    العراقيون نزفوا كثيرا من الدماء ونبحث عن حلم جديد يؤسس لمفهوم الدولة ومفهوم المواطنة

•    الاتفاقيات المصرية ــ العراقية ــ الأردنية تؤسس لمشروع اقتصادى جديد يشبه الاتحاد الأوروبى وأبوابنا مفتوحة للراغبين فى الانضمام

 

ينظر رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى الى العراق الجديد، باعتباره نسخة محدثة لطائر الفينيق الأسطورى، مؤكدا أن هذا البلد العظيم دائما ما يتعرض للهزات، لكنه دائما ما يستعيد قوته ويستعيد دوره، ويقول فى ثقة: «لا يمكننا أن نقبل بأن يكون ماضينا أفضل من حاضرنا، بل يجب أن يكون الحاضر بمستوى الماضى وأفضل».

لم تمض سوى ساعات قليلة على وصولى الى العاصمة العراقية بغداد، حتى كنت أجلس مع السيد مصطفى الكاظمى، وعدد من الزملاء الصحفيين والإعلاميين، قبيل ساعات من القمة

الثلاثية، التى كان مقررا لها أن تتم أول أمس، على مستوى القادة بين مصر والعراق والأردن، قبل أن يحول حادث قطارى سوهاج دون التئامها، وإعلان بغداد تأجيلها الى وقت لاحق، تضامنا مع مصر فى مصابها الأليم.

لا يخفى السيد مصطفى الكاظمى احتفاءه بالصحفيين، ويداعبنا ضاحكا: «لا تنسوا أننى كنت صحفيا مثلكم»، فقد شغل الرجل لفترة، موقع مدير التحرير للقسم المعنى بشئون العراق فى موقع «مونيتور» الأمريكى ذائع الصيت، قبل أن يعود للعراق بعد نهاية عصر صدام حسين، ويشارك فى تأسيس شبكة الإعلام العراقى.

التقيت السيد مصطفى الكاظمى فى حوار لـ«الأهرام» التى يكن لها محبة خاصة، وقد دار الحديث حول الأوضاع فى العراق الجديد، وملامح مشروعه للتكامل الاقتصادى مع مصر والأردن، الى جانب ملفات أخرى داخلية وخارجية، وقد عكست إجاباته على ما طرح من أسئلة، رؤى جديدة ومعتبرة، لبلد يسعى للانفتاح على العالم، وتعويض ما فاته طوال سنوات طويلة، اسقط فيها عمدا فى فخ الطائفية، وتم جره للعديد من الصراعات، التى لم تسفر سوى عن مزيد من إراقة الدماء.

لا يرى السيد الكاظمى ضرورة ملحة، لبقاء القوات الأمريكية، لكنه يأمل فى علاقات جديدة مع الإدارة الامريكية، تقوم على التعاون والشراكة فى كافة المجالات، والحقيقة أننى ما أن وطأت قدماى مطار القاهرة، حتى فوجئت بالرجل يؤكد ما ذكره لى، عندما قال قبل ساعات فى تصريحات متلفزة، إن العراق لم يعد بحاجة لقوات اجنبية، بقدر ما هو بحاجة الى دعم دولى، وأن العلاقة بين واشنطن وبغداد، أفضل لها أن تتحول إلى مصلحة أمريكية عراقية، فى مجالات الاقتصاد والأمن والثقافة والصحة والمجالات الأخرى.

الحوار التالى كاشف لرجل يتولى مهمة صعبة للغاية، فى بلد لا يزال يعانى آثار سنوات من الحروب والدمار، ويسعى لتعويض ما فاته بقوة، بالانفتاح على محيطه العربى والإقليمى والدولى.

وإلى نص الحوار:

بداية كيف تنظر القمة الثلاثية التى كان مقررا أن تلتئم فى الأيام الأخيرة على مستوى القادة بين مصر والأردن والعراق، وما هى الأهداف الرئيسية التى يسعى اليها العراق من وراء هذا التكامل العربى؟

الحقيقة أن هذه القمة التى تأجلت فى الساعات الأخيرة، لظروف هذا الحادث الأليم الذى تعرضت له مصر، تمثل جزءا من سياسة الحكومة العراقية التى تسعى بقوة لأن يستعيد العراق دوره الريادى فى المنطقة العربية، بعد سنوات من الغياب، فلا يخفى على أحد ما يمر به العراق من تحديات كبيرة، وهو اليوم يقوم بدور مهم فى استعادة وضعه الداخلى والإقليمى والعربى والدولى، بعد أن مر بظروف صعبة ومعقدة منذ فترة طويلة، بسبب السياسات الخاطئة فى الماضى، التى أنتجت مع الأسف الشديد دماء وحروبا، وبيئة غير مستقرة، ونحن نسعى بكل قوة لعلاج كل تلك الآثار، عبر تقديم صور مجسدة للأمل تخاطب المواطن العراقى، والحقيقة أنه ومنذ عام 2003، والعراقيون يعيشون على الأمل، فى زوال نظام ديكتاتورى تعامل مع العراقيين بالحديد والنار، فمن يمكن أن ينسى تلك التجربة المأساوية التى عشناه فيما كان يعرف بـ«المقابر الجماعية»، ومن ينسى عمليات الإبادة التى تمت فى عملية الأنفال، التى راح ضحيتها 180 ألفا من شعبنا فى منطقة واحدة، وكذلك الآلاف من شبابنا فى السجون والإعدامات.

لقد كان العراقيون ينتظرون من النظام السياسى الذى قام بعد عام 2003 أن يكون فرصة للأمل، ولكن هذا الإرث الطويل كان سببا رئيسيا فى عدم استقرار البلد، بدءا من حرب عام 1975 فى كردستان العراق، ثم الحرب العراقية الإيرانية التى دامت ثمانى سنوات، وكانت حربا قاسية جدا، ثم الاعتداء على الجارة الكويت، والحقيقة أن كل تلك الحروب لعبت دورا كبيرا فى انهيار مفهوم الوحدة العربية، والمفهوم القومى خصوصا بعد غزو صدام حسين لدولة جارة ومسالمة مثل الكويت، وقد أنتج هذا الغزو انعكاسات خطيرة على المجتمع العراقى، حيث فرضت عقوبات ظالمة على الشعب العراقى، أنتجت انهيارا كاملا بالبنية الاجتماعية، وانهيار كبير للطبقة الوسطى التى كانت تشكل أغلبية المجتمع العراقى، قبل أن ينتهى الأمر إلى الاحتلال الأمريكى للعراق عام 2003، وتأسيس النظام السياسى الجديد، وما تبعه من تداعيات لهذا التغيير.

إذن أنتم تتفقون مع كثير من المراقبين الذين ينظرون إلى نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، باعتباره سبب تلك الأزمات الضخمة التى عاشها العراق فى السنوات الأخيرة؟

لقد كان الاحتلال الأمريكى للعراق بمثابة زلزال كبير، أدى إلى انهيار كامل، ليس فقط لنظام صدام حسين، وإنما للدولة العراقية، فتعرض الجيش العراقى للظلم، وتم تحميله تبعات أفعال هو غير مسئول عنها، وقد انتج انهيار الدولة وضعا سياسيا معقدا، وصراعا بين كتل سياسية تبحث عن مشاركة بتجربة ديمقراطية فتية، فتحول الصراع من بناء الدولة، إلى صراع على السلطة ما أنتج بدوره وضعا معقدا، تجلى فى الانتخابات الأخيرة عام 2018، فقد جاءت الانتخابات بنتائج لم تصنع الأمل أو تنجح فى بث الطمأنينة لدى المواطن العراقى، وقد كان من نتائجها هذا الحراك الشعبى الذى بدأ فى الأول من أكتوبر عام 2019 وانتهى بمرحلة خطيرة فى 25 ديسمبر من نفس العام، بوجود ضحايا وشهداء كُثر من أبناء الشعب العراقى، تحت مطالب حقة فى الحفاظ على الكرامة والبحث عن فرصة أمل.

لكن حكومتكم جاءت نتيجة هذا الحراك الشعبى، فما هى أبرز التحديات التى تواجهها اليوم؟

هذه الحكومة جاءت بالفعل نتيجة هذا الحراك الشعبى، والبحث عن فرصة للأمل، فى شعب يشكل الشباب أغلبية كبيرة منه، وفى بلد فيه الكثير من الثروات والخيرات، لكن سوء إدارة هذه الثروات انعكس على وضع إدارة البلد، حيث كان هناك اعتماد مطلق على النفط، على حساب استبعاد القطاع الخاص والزراعة والتجارة والاقتصاد، فأصبحت فرص العمل للمواطن العراقى ضئيلة، أمام شعب نسبة زيادة السكان عنده سنويا تصل الى نحو مليون شخص، ونسبة الخريجين من الجامعة سنويا أكثر من 250 ألف شاب، كلهم يبحثون عن فرصة عمل، وقد كانت هناك محاولة أو سوء تقدير من البعض، وأركز هنا على كلمة البعض، أنه يجب أن نركز على السلطة، وقد انتج هذا الوضع حكومة، مطلوب منها بالاتفاق مع الكتل السياسية والقوى الشعبية، أن تؤسس لانتخابات نزيهة مبكرة عادلة، وتقوم بواجبها بتوفير الظروف المناسبة، وفى مقدمتها وضع أمنى ضامن لانتخابات نزيهة عادلة، ووضع اقتصادى يحمى ويوفر الظروف لهذه الانتخابات، وقد جئنا فى وقت كان البعض يراهن فيه على فشل هذه الحكومة، أو محاولة إعاقة أى عمل تقوم به، لكننا أخذنا قرارات جريئة، وقمنا بتقديم مجموعة إصلاحات تبدأ بالورقة البيضاء، وهى ورقة إصلاح اقتصادى إدارى فى مسار الدولة العراقية، فالعراق لم يقم بأى عمليات لتحديث نظامه منذ عقود طويلة، وقد شملت خطة الإصلاح الجانبين الإدارى والاقتصادى، فالعراق يعتمد على النفط فى ميزانيته مع الأسف الشديد، بنسبة تصل الى 96 %، بينما قطاعات مثل الزراعة والتجارة والسياحة مستبعدة، وهذا إن دل على شىء فإنه يدل على غياب التنمية لمثل هذه القطاعات، وقد كانت ورقة الإصلاحات التى تقدمنا بها، تمثل محاولة لاستعادة هذه القطاعات من جديد، وتوفير رواتب موظفى الدولة، فى بلد يعد الأكبر فى العالم من حيث عدد الموظفين، فعندنا أكثر من 7 ملايين ونصف المليون موظف ومتقاعد، إلى جانب شريحة كبيرة من الفقراء، توفر الدولة لهم الدعم المالى، وبالمعادلة الحسابية فإن ذلك يعنى أن الموازنة تذهب إلى نحو 50% من الشعب العراقى لتوفير مستلزماته المالية، وقد وضعنا ورقة إصلاح تهتم بشبكة الفقراء، وتهتم بتطوير القطاع المصرفى، الذى يعد أساس نجاح أى دولة، وفى ضوء ما حدث، ونتيجة لورقة الإصلاح، تم تصنيف العراق فى درجة أعلى.

بجانب ذلك نجحت الحكومة خلال الفترة القصيرة الماضية، فى توفير احتياط إضافى للبنك المركزى، وخلال شهر نجحنا فى توفير أربعة مليارات دولار، إضافة إلى ما سبق هناك محاولات مستمرة لإعادة الثقة للجيش العراقى البطل، الذى حارب داعش وحارب الإرهاب، وبقى محافظا على هويته الوطنية، بعدما تعرض العراق خلال أزمة السنوات الماضية إلى شرخ فى الهوية الوطنية، وللأسف هناك من حاول أن يأخذ العراق إلى اصطفافات مذهبية وطائفية، تبعدنا عن مفهوم المواطنة والوطن، لذا فان الحكومة ومنذ اللحظة الأولى، قامت بإجراءات تهدف إلى أن يكون العراق لكل العراقيين، ولهذا السبب أخذنا قرارا بمنع التصنيفات المذهبية والطائفية فى المؤسسات الأمنية منعا باتا، وكذلك فى عموم مؤسساتنا.

ما هى الخطوات التى بدأتها حكومتكم بالفعل لاستعادة دور العراق بمحيطه الإقليمى والدولى؟

كان هناك انفتاح كبير للعراق مع أشقائنا وأهلنا فى العالم العربى، وكذلك إخواننا فى الخليج، وقد طرحنا مشروع المشرق الجديد للتكامل والتعاون الاقتصادى، بين العراق ومصر بقيادة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكذلك جلالة الملك عبدالله الثانى، وكانت هناك مجموعة لقاءات، وسوف تعقد القمة الثلاثية فى أقرب وقت لاعلان تفاصيل المشروع، وقد عملنا طوال الفترة الماضية، على الانفتاح مع الاشقاء من دول الخليج، وفتح أبوابنا للاستثمار مع الأشقاء، على طريق ازالة الفجوة الكبيرة والطويلة التى حدثت فى هذه العلاقات، عبر العديد من اللقاءات المستمرة التى تتم على مستوى الوزراء والقادة، ونحن سوف نعمل بكل جد لأن يكون العراق ساحة للالتقاء والسلام، خصوصا وقد حاول البعض أن يجر العراق ليكون ساحة للخلافات الإقليمية والدولية، لكننا حاربناه بكل قوة، ونتيجة لذلك ما زلنا نعانى من ظاهرة السلاح المنفلت، فمرة يكون السلاح عن طريق جماعات مسلحة حاربت داعش لفترة لكنها الآن تتغول، ومرة يكون السلاح المنفلت من بعض الجماعات والعصابات المنظمة، أو عند بعض الأطراف، لكننا سوف نعمل بكل جد نحو اطلاق حوار وطنى عراقى يستهدف حل كل هذه الإشكاليات، خصوصا وأن البعض يريد من هذه الحكومة أن تصطدم، وتأخذ العراق إلى ساحة الصدام والحرب، لكننا لن نسمح بذلك، فعلينا أن نستفيد ونتعلم من تجربة ما حدث فى اليمن، لذا فانا أقول إن العراق لن يكون يمنا آخر أبدا.

لقد نزف العراقيون الكثير من الدماء، وأنت حينما تذهب إلى أى مكان فى بغداد، أو فى مدن الجنوب الحبيب، أو فى كردستان العزيزة، سوف تجد الشهداء ظاهرة عامة، لذا فعلينا أن نبحث عن حلم عراقى جديد، يؤسس لمفهوم الدولة ومفهوم المواطنة، وأن يكون العراقيون متساويين تماما أمام القانون، وأنا أقول أن لدينا فرصة لتحقيق ذلك، فأنا متفائل بمستقبل العراق لوجود نخبة من الشباب المتعلم، الذى يبحث عن ذاته ويبحث عن فرصة للنجاح.

قلتم إن مشروع التكامل الاقتصادى الموسع الذى تتبناه العراق فى المنطقة، سوف يشمل أجزاء من آسيا وإفريقيا وأوروبا، فى تجربة قد تكون تحاكى تجربة الاتحاد الأوروبى، فما هى الآليات التى يملكها العراق لتحقيق ذلك؟

لقد نجحت أوروبا عندما قدمت الخيار الاقتصادى على حساب السياسة، ونحن نؤمن بأننا إذا بدأنا مشروعنا بالسياسة فسوف نختلف، بينما الاقتصاد هو ما يقرب وجهات النظر، لأنه يمثل مصالح الشعوب، ومشروع التكامل هو البداية أو النواة لمشروع كبير، سوف تجسده القمة الثلاثية المرتقبة بين العراق ومصر والأردن، فالدول الثلاث تملك عناصر النجاح،التى تتراوح ما بين الجغرافيا والثروات والعنصر البشرى وهو الأهم، ولنكن واضحين من البداية، فالسياسة أدخلتنا فى دوامات لسنين طويلة، ونحن ولدنا على مفهوم الوحدة العربية، لكننا كنا نرى الأمة العربية ممزقة، بينما اليوم حينما تكون المصالح الاقتصادية هى العنصر الرئيسى فى استراتيجية التعاون، سنرى أن مشاكلنا أقل، وأنا متفائل بالنجاح، فمصر مثلا نجحت فى أن تتخلص من ظروف صعبة ومعقدة، وبتنا نرى اليوم فى القاهرة عاصمة إدارية جديدة، وتنمية حقيقية، وفى الأردن صناعات على مستوى عالمى، والعراق الآن يخرج من غرفة الإنعاش بسبب الحروب، وهو يحتاج إلى الدعم والاستفادة من تجارب مصر والأردن، وبكل تأكيد سوف ننجح، فالاقتصاد سوف يوحدنا ويقرب وجهات النظر فى الجانب السياسى.

هل يمكن أن تضم هذه التفاهمات الاقتصادية أطرافا أخرى فى المستقبل، ؟

نحن فى المرحلة الحالية نبحث عن التأسيس، وأبواب هذا المشروع مفتوحة، والمستقبل سوف يفرز من يحب أن ينتمى إليه، فأبوابنا فى النهاية مفتوحة للجميع بكل تأكيد، والمستقبل سوف يشهد انطلاق دعوات لدول أخرى للانضمام الى هذا التعاون الاقتصادى الوليد.

منذ توليكم مهام هذه الحكومة، وتقديمكم لورقة الإصلاح البيضاء، الا أنها تصطدم دائما بقوى منفلتة تصدر للخارج صورة مغايرة عن العراق، كيف برأيك يمكن تحقيق هذه المعادلة بالانفتاح على الخارج فى ظل وجود هذه القوى فى الداخل؟.

بكل تأكيد أى بداية تواجه مشاكل جمة، ونحن نعمل جاهدين على استعادة الدولة، ونقاوم فى سبيل ذلك حتى الرمق الأخير، استنادا الى سياسة تعتمد على الصبر والحسم، وإعادة تقييم الأجهزة الأمنية، لإيقاف هذه الجماعات، وقد قمنا بالفعل بإجراءات مهمة جدا ونجحنا فيها، ولا مجال فى العراق الآن لأطراف تريد أن تكون خارج إطار الدولة.

لا مجال بلغة الدبلوماسية أم بواقع الاستقطاب للمكونات الولائية؟

الولاء يجب أن يكون للعراق فقط، وقد قمنا بالفعل بسلسلة من الخطوات والإجراءات التى تجلت فى الانتشار الواسع للأجهزة الأمنية فى بغداد، وسوف نستمر فى فرض هيبة الدولة، ونحن ندرك بكل تأكيد أن هناك تحديات أمام ورقة الإصلاح، وأن هناك العديد من المعوقات، خصوصا وأنها تحارب الفساد، بينما العراق يعانى من ظاهرة فساد خطيرة جدا، وقد شكلنا مؤخرا لجنة لمحاربة الفساد، تتعرض لانتقادات واتهامات تصل حد التجاوز فى حقوق الإنسان، والغرض من هذه الاتهامات حسبما يعلم الكافة، هو تشويه سمعة هذه اللجنة، لأنها قامت بإجراءات ووضعت بعض الحيتان الكبار فى السجن الآن.

ينطلق الحوار الاستراتيجى العراقى الأمريكى الشهر المقبل، والحديث يدور حول بقاء او انسحاب القوات الأمريكية، فهل العراق قادر فى حالة انسحاب تلك القوات على تأمين أجوائه؟.

العراق فى حاجة بالفعل إلى دعم دولى، لكنه لا يحتاج لقوات قتالية تكون موجودة على أرضه، نحن لدينا الجيش العراقى وقواتنا الأمنية بكل أصنافها، ونملك الجاهزية اللازمة لمحاربة داعش، وبالتالى فنحن لا نحتاج لقوات أمريكية مقاتلة على أرض العراق، قد نحتاج تنسيقا أمنيا، وقد نحتاج لقوات جوية، لكن رغم ذلك نجحنا فى تنفيذ حملة قوية شملت مناطق فى جنوب كركوك، واستمرت لمدة عشرة أيام، نفذنا خلالها 320 طلعة جوية، قضت على العشرات من الإرهابيين والتكفيريين، وخوارج العصر من الدواعش، وقد تمت تلك الطلعات بتنسيق بين العراق والتحالف الدولى، وهذا التنسيق سوف يستمر، ولكن دون وجود قوات قتالية على الأرض لا نحتاجها، ودورنا هو أن نحول هذه العلاقة إلى مصلحة أمريكية عراقية فى المجال الأمنى، والاستخبارى والاقتصادى، الى جانب مجالات التعليم والثقافة والصحة.

يترقب العراق الانتخابات المقبلة، فكيف تسير الاستعدادات، وهل ستجرى قبيل نهاية العام؟.

كنت أتمنى أن ننجز هذه الانتخابات حسبما أعلنت عنها العام الماضى، فى 6 يونيو المقبل، ولكن لظروف معينة طلبت التأجيل لمدة أشهر قليلة، وانتهينا الى الاتفاق على تاريخ 10اكتوبر المقبل موعدا للانتخابات، ونحن ندعم مفوضية الانتخابات باستعدادات كبيرة، تشمل سجلات الناخبين وتحديثها، رغم تحديات كورونا، ورغم الظروف الصعبة للوصول إلى أبعد مناطق العراق، لتشجيع المواطنين على المشاركة فى الانتخابات، وأنا أرى أن هذه الانتخابات ستكون مفصلية ومهمة، ونحن نحتاج بكل تأكيد لمشاركة كل العراقيين، حتى نبعث رسائل طمأنة للجميع.

منذ سنوات ونحن نسمع عن التعاون الثلاثى بين مصر والعراق والاردن، لكننا لم نسمع عن تفاصيل لهذا المشروع، فهل الإرادة السياسية متوافرة لتنفيذه، وأى المشروعات سيكون لها الأولوية؟

كما ذكرت سيكون للملفات الاقتصادية موقع الصدارة، سواء فى مجالات النفط والطاقة والنقل وجميعها ستكون لها الأولوية، الى جانب الملف الزراعى، والإسكان، وهناك اهتمام حقيقى من قيادات البلدان الثلاثة، للشراكة فى بعض المشاريع التى يجرى تنفيذها على ارض العراق، وكانت بالفعل مجموعة من الشركات المصرية وصلت إلى بغداد، وذهبت إلى بعض المناطق لتأسيس أو اختيار مناطق معينة من اجل تنفيذ هذه الشراكة، وفى قطاع الإسكان هناك مشاريع فى العراق توقفت منذ 16 عاما، وستقوم وزارة الإسكان بدور كبير فى اعادتها للحياة من جديد.

تلقيتم مؤخرا دعوة لزيارة السعودية، بالتزامن مع هذا المشروع الخاص بالتعاون مع عدد من الدول العربية، الا ترى أن هذا الأمر قد يكون فى غير محل ترحيب من بعض القوى الإقليمية؟.

الجميع الآن يبحث عن فرصة للسلام، لأن عدم استقرار المنطقة بات أمرا يزعج الجميع، الكل الآن يبحث عن فرصة، والمستقبل أصبح يؤشر لتفاهمات مصرية تركية، وقد كان للعراق دور مهم جدا فى تقريب وجهة النظر، وقد كنا دائما نحمى وندعم جبهة مصر، ونعمل على التهدئة فى كثير من الملفات فى المنطقة، وأنا أعتقد أن من مصلحة جميع الأطراف الحوار والتهدئة، وأرى أن الجميع سوف يأتى إلى طاولة الحوار من أجل البحث عن فرص أفضل للمستقبل، وأنا متفائل بذلك، فمن الممكن أن يكون لدينا مشرق جديد، تكون نواته مصر والعراق والأردن، فالحقائق تقول إن العالم قد تغير، وقد أصبح لدينا قادة بالمنطقة، يمتلكون الكثير من الشجاعة والحكمة والصبر، ويبحثون فى الفرص لبناء بلدانهم، ولنا فى التجربة المصرية خير مثال، فقد مرت مصر بظروف صعبة فى السنين الخمس أو الست الأخيرة، لكنها بحكمة الرئيس السيسى، نجحت فى أن تبعث برسائل قوية، واستلهاما لتلك التجربة أقول اننا قادرون على أن نبعث برسائل قوية لشعوب المنطقة، مفادها إن الحوار والتكامل الاقتصادى هو الحل، لبلدان تعانى من أزمات اقتصادية، وحروب أهلية، والحقيقة أنه لم يعد لدينا خيار سوى فرص الحوار واللقاء والسلام.

قلتم انكم تستلهمون روح التجربة المصرية، فما الذى تريدون نقله للعراق من ملامح تلك التجربة خصوصا بملف الإصلاح خلال السنوات الأخيرة؟.

ظروف العراق فى الفترة الأخيرة مشابهة لظروف مصر، وقد نجحت مصر فى محاربة الفساد، وفى تقليل اعتماد المواطن المصرى على الدولة، بالاعتماد على القطاع الخاص، وحققت مصر نجاحا كبيرا فى توفير التعليم وفى ملف التعمير، بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، لكنها بالحكمة والصبر نجحت، والعراق بامكانه الاستفادة من الخبرات والكفاءات المصرية فى كثير من المجالات.

جرت مؤخرا مباحثات لإنشاء لجنة فنية زراعية مصرية عراقية، للتنسيق بين الدولتين والتعاون فى مجال البحث العلمى والزراعى، فإلى أى مدى وصل هذا التنسيق؟

هناك تنسيق بين وزارة الزراعة العراقية ونظيرتها فى مصر، وهناك مجموعة استثمارية قدمتها وزارة الزراعة العراقية، لمستثمرين مصريين للاستصلاح والتطوير، والاستفادة من تجربة مصر فى القرى العصرية، وهناك فريق عمل سيصل بغداد قريبا لمتابعة إنشاء قرى عصرية فى المناطق الفلاحية فى جنوب ووسط العراق، وهناك كذلك شركات استشارية ستقدم استشارة للفريق العراقى والمصرى.

هل سيلعب الخط البرى لنقل الركاب بين مصر والأردن والعراق، دورا كبيرا فى المشروع الاقتصادى الجديد بين الدول الثلاث، وهل هناك موعد للبدء فى إنشائه؟.

بالتأكيد خصوصا وأن لدينا شركة نقل برى مصرية عراقية، وأخرى عراقية أردنية، ونحن نعمل على توحيد هاتين الشركتين تحت شركة النقل العراقية الأردنية المصرية، لإتمام عملية النقل، وعندنا أيضا مشروع فيما يخص ربط الطرق بين البلدان الثلاثة.

علق هنا