في الذكرى 87 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي: هل العراق الان بحاجة الى فكر اشتراكي علمي، والى حزب شيوعي؟

بغداد- العراق اليوم:

الدكتور عبد الحسن غضبان

أمضى الحزب الشيوعي العراقي كتنظيم سياسي يناضل من إجل تحقيق اهدافه وإعلاء مبادئه ثمانية أعوام فوق ثمانية عقود، أمضاها في العمل السياسي، السري والعلني، وفي المنفى والداخل، وها هو يسير في حقل ألغام أخر، خاصة بعد انهيار انظمة شمولية دكتاتورية في المنطقة، نسبت نفسها ودكاتوريتها الى الاشتراكية مرةً والى الدفاع عن حقوق الفقراء تارةً أخرى، فيما كانت هي أشد الأنظمة رجعيةً وطبقية وقد تسببت في تدمير فئات بعينها لصالح الفئات المنتفعة من بنائها الطبقي والعشائري البدائي.

ولعقود طويلة كان الحزب الشيوعي العراقي يعمل سراً وعلنًا على نشر مبادئه وبرنامجه الساعي لانشاء دولة مؤسسات ذات رؤى وخطط وطرق وملامح اشتراكية، تولي الطبقات الفقيرة، والأقل فرصاً، الأهمية المناسبة لرفعها الى مصاف الطبقات المتوسطة على الأقل، كي تتمكن من التخلص من مشكلة الفقر التأريخي الملازم، و تنتشلها من بؤسها المرير، بوصف الدولة أداة رافعة بقدرة المجتمع وأمكاناتها المتوفرة.

لكن هذا الفهم لم يجد من إمكانيات وفرص التطبيق الا القليل جدًا، حتى مع توفر اللحظة المناسبة اثر ثورة الرابع عشر من تموز 1958، التي بدأت بمحاولات نسف منظومة الحكم القارة على الفارق الطبقي، وتركيز بؤرة ( المُستغَل، والمُستغِل) بين فئات الشعب العراقي، لكن قطاراً امريكياً حمل في عرباته تحالفًا داخليًا وخارجيًا، جاء لوأد تجربة الحكم الوطني في انقلاب الثامن من شباط 1963 الاسود، ليتعرض الحزب الشيوعي العراقي الى واحدة من افظع المجازر السياسية التي سجلها تاريخ العراق الحديث.

لكن الحزب الشيوعي الذي نهض بعد أقل من خمسة اشهر، قاد فتيته حركة مسلحة انطلقوا فيها من معسكر الرشيد ويرعبوا سلطة البعث، ويعتقلوا أغلب اعضاء الحكومة، فكادت حركة 3 تموز ان تنجح وتسقط نظام البعث، لولا ظروف فنية صغيرة حالت دون تحقيق النصر وحسم المعركة، ناهيك عن قلة خبرة الثوار القيادية، حيث كانوا كلهم جنوداً بسطاء أعلاهم رتبة، كان العريف حسن سريع قائد الحركة، والسبب في ذلك ان اغلب قادة وكوادر الحزب بين شهيد ومعتقل، لاسيما الضباط وقادة الجيش الشيوعيين.

 ورغم انبثاق هذه الحركة الفتية العفوية المسلحة الشجاعة، ورغم ملاحظات الحزب المنطقية حولها

- اعترف بعا لاحقاً - إلاً أن الحزب الشيوعي كان مؤمنًا بأن الحقائق لا يصنعها انقلاب الحكم السياسي، ولا يغيرها ايضاً، لذلك هو يرى أن إنقلاب شباط البعثي مثلاً لن يستطيع إلغاء الحاجة الأساسية للعدالة عبر شعارات براقة، حتى وهو يحاول التدثر بغطاء الاشتراكية تارةً او حقوق الطبقات العمالية او الفقيرة تارةً اخرى، ونفس الشيء لنظام البعث القادم بعد انقلاب 17 تموز 1968، فهو أكثر إدعاء وتدثراً بشعارات الاشتراكية، وحقوق المادحين.. ولعل الجبهة الوطنية المُعلنة في أواسط سبعينات القرن الماضي، قد ساهمت مبكرًا في كشف " عورة" النظام البعثي القمعي والرجعي الذي اختطف مراحل النضال الشعبي، وصادر الإرادة الحرة لأبناء الأمة العراقية في اختيار نظام وطني قائم على مبادئ العدالة والتوزيع العادل للثروات والاستفادة القصوى من أهمية وموقع وتاريخ العراق في محيطه والعالم بشكل تام.

لقد استمرت مسيرة الحزب الشيوعي العراقي قائمة على خصوصية فريدة من نوعها، وربما يختلف الحزب الشيوعي العراقي عما سواه من الأحزاب الشيوعي العربية أو الأقليمية المحيطة به، كونه يندمغ بخصوصية عراقية صرفة، وبملامح حركة يسارية غير مستوردة ولا هي نتاج فكري محض، أو آمال وتفكيرات وتنظيرات مثقفين حالمين بمدينة فاضلة (يوتيوبيا) بل هو خلاصة انتقالات وانكسارات اجتماعية، وحاجة طبيعية فرضتها خصوصية وشكل العلاقات الأقتصادية القائمة في بلاد زراعية عريقة، وأيضاً تمتلك من الثروات الطبيعية الشيء الكثير، يغلب عليها سوء التوزيع، والسيطرة التامة لتحالف (الاكليروس والاقطاع) وغيرها من قوى ما قبل الدولة الحديثة.

قد لا تفي هذه العجالة في الإجابة على سؤالنا المتقدم، لكننا سنكتفي بإثارة سؤال مهم جدًا، وسنترك القارئ حرًا في اجابته، فهل زالت هذه التحالفات البدائية الآن، وهل ينعم الشعب العراقي بتوزيع عادل لثرواته، وهل عمق النظام الأقتصادي الهجين المنطبع بطابع الرأسمالية البراقة، والاستثمارية الفارغة، والأنقسام الطبقي بين فئات المجتمع العراقي، أم استطاع القضاء على هذه الفجوات الهائلة؟.

اسئلة بسيطة يمكنك أن تنظر لكم واتساع خارطة التظاهرات المطلبية الشعبية لتعرف الاجابة، وتعرف كم هي الحاجة الماسة لفكر اشتراكي علمي في العراق يعيد ابجديات السياسية الاقتصادية المقلوبة رأسًا على عقب وللحديث صلة..

علق هنا