كيف نجح (الصحافي) مصطفى الكاظمي في قيادة حكومة بلد مثل العراق؟

بغداد- العراق اليوم:

لربما هو سؤال جوهري ومتداول في الأروقة الإعلامية والنخبة الصحافية والثقافية في العراق، التي كان لها شرف  المبادرة لأول مرة في تقديم احد شخوصها حاكما ومسؤولاً منذ تشكيل الدولة العراقية قبل قرن من الآن.

كيف تحولت (يوتيوبيا) المثقفين وأحلامهم الزاهية إلى حقيقة واقعة، وكيف انبرى احد إعلاميي العراق ليقود البلاد في ظرف عصيب وخطير كهذا الظرف، ويتسنى له وهو الشخص الغارق في بطون الكتب والتاريخ والفكر والسياسة، بكونها جزءاً من تكوين شخصيته الصحافية، وشخصية الكاتب والموسوعي والمؤرخ والمؤرشف الذي يتابع دقائق الأحداث ويقرأ الواقعات ويستشرف بأفقه التحليلي التأملي خلفياتها ومكونانتها، أن يقف اليوم في صدارة المشهد السياسي في بلد اللاحرب واللا سلام، بلد اللا غنى اللا فقر، بلد يقف فيه كل شيء على حافة الهاوية، ولكنه لم يقع.

لقد ظل سؤال محوري ومهم يلاحقنا نحن شغيلة عالم الصحافة والفكر والثقافة منذ ان طرح اسم زميلنا مصطفى الكاظمي كحل وسطي معتدل، فبقدر ما كانت الفرحة غامرة، والابتهاج ينتابنا ونحن نرى أن الامور تنتهي بعد مارثون الدم والصراعات والتدخلات الخارجية، وصراع المصالح الإقليمية، تنتهي إلى اول خيار عراقي صرف، وأي خيار، خيار ثقافي وطني خالص، باختيار صانع من صانعي المعرفة، وكاتب من كتبة التاريخ الحديث. بقدر هذا كله كان القلق يتناهبنا بصراحة؛ فهذا الرجل المسالم الوديع الذي لا يتسلح الا بالحوار، ولا يقاتل الا في ميدان المعرفة بالدليل والوعي والحجة، كيف سيتمكن وهو الأعزل في أرض حرام، أن يسير بالبلاد للخروج من متاهة الصراع المدوي العاصف؛ كيف سيخرج زميلنا ورفيقنا المؤمن حد التشبع بثقافة اللاعنف البلاد من دوامة الدم وحماماته وميليشياته التي لا ولن تنتهي.

أشهر قليلة اثبتت الايام ان مخاوفنا الحريصة؛ كانت مبالغة؛ وأن الرجل كما خبرناه مضى وقطع أشواطا كبيرة في إنقاذ البلاد وأحياء صيغ التعايش، وفرض منطق الدولة على قوى اللا دولة، ومضى قدماً باتجاه استعادة العراق المتخيل، العراق الذي كان والذي نريده ان يكون، العراق، فاوقف أولاً الطائفية، ومنع الاحتراب، وعرقل مشاريع التقسيم، ووأد الفتنة الداخلية؛ وإبعاد شبح الحرب الاهلية، وإيقاف غائلة الجوع والإفلاس التي كانت البلاد على حافتها.

أشهر قليلة أثبت فيها هذا (الاعلامي) الأنيق، أن المثقف الحقيقي، والمناضل في سبيل حقوق الإنسان وخدمة مصالح بلاده، يمكنه أن يمضي في مشروعه باعادة إنتاج وعي اجتماعي، وبناء ثقافة عليا لمجتمع في طور تشكيل هويته الجديدة.

نعم نجح الإعلامي مصطفى الكاظمي في قيادة بلد كالعراق، لكن ليس لكونه إعلاميا أو صحافياً فحسب؛ بل إن ثمة مزايا اضافية كان يحملها الرجل ومواصفات وخصائص يتمتع بها، لم يكن البعيدون عنه يعرفونها من قبل، ومنها على سبيل المثال لا الحصر العزيمة، والروح الوطنية الوثابة التي يتمتع بها الكاظمي والقدرة على الإدارة والتعامل بحرفية مع الملفات التي تخص الدولة؛ فالرجل لم يكن إعلاميا بالمعنى الاعلاني الاشهاري كما تعودنا ان نعمل في وظيفتنا، قدر ما هو رجل معلوماتي يتعامل مع المعلومة ويوظفها لخدمة العراق.

والكاظمي يتمتع ببرودة اعصاب عجيبة حين نشتعل نار الأزمات، وحين يفقد الآخرون زمام إتزانهم، تجد الكاظمي بكامل قواه، ومنتهى هدوئه، وذروة إتزانه، فيتخذ القرار المناسب، وهذا لعمري واحد من أبرز الشروط المطلوبة في الزعيم الناجح والقائد المقتدر.

ثمة شروط ومواهب ومواصفات عديدة يمنحها الله، وتوفرها الطبيعة والأقدار لبعض الناس، والكاظمي واحد منهم، نال من هذه النعم والعطايا القدرية الكثير.

علق هنا