الدراجي يكشف خفايا مجلس الوزراء، ويفكك مفاصل الدولة الخفية

بغداد- العراق اليوم:

 

الحلقة التاسعة

 

لا أريد في هذا الفصل إن أقيم اداء شخوص معينين، او انتقد حالة قد أكون انا شخصيا جزء منها، في وقت معين، ولا اريد ان أقارن بين إدارتين لمجلس الوزراء كوني عملت في مجلسين مختلفين .

 ما أريد توضيحه للقارئ الكريم، هو صورة متكاملة عن مجلس الوزراء الذي يدير العملية التنفيذية للسلطة في البلد حيث نص الدستور في المادة ---

ان تركيبة مجلس الوزراء العراقي تعتبر انعكاس للواقع السياسي في ظل النظام السياسي الحاكم للبلد ولكن بصورة مشوهة .

 

فعلى سبيل المثال عندما نطَّلع على البلدان التي تعمل بنفس نظامنا السياسي البرلماني، وحسب ما أوردنا سابقا ان اقرب بلدين يشبهان نظامنا السياسي، هما بريطانيا وإسرائيل! .

  نجد ان مجلس الوزراء يتشكل من الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية،  اما اذا لايملك الحزب ذو اعلى المقاعد هذه الأغلبية، فانه يأتلف مع احد الأحزاب الأخرى، التي تحقق له الاغلبية البسيطة، ويتقاسم السلطة معها بالنسبة والتناسب .

 اما بقية القوى السياسية، فلا تشترك بالتشكيلة الوزارية، وتذهب باتجاه المعارضة، اما في العراق،  فقد كانت بدعة التوافق سببا رئيسيا لتحطيم نهج الدولة، وأمست كلمة حق، ارادت بها القوى الخفية باطلا !ـ بان يتحول التوافق الى محاصصة.

 وقد سبق وان طالبت في برنامجي الانتخابي في دورتين انتخابيتين، ان تغادر العملية السياسية، مبدأ التوافق وتأخذ منحى أغلبية،  تضم جميع المكونات تشكل الحكومة ومعارضة تشتمل على جميع المكونات ايضا.

 

 لكن للأسف استمر هذا النهج، الذي اثر سلبيا بشكل كبير على تشكيلة مجلس الوزراء، وبدأ يتحول المجلس من فريق متجانس يعمل لحل أزمات البلد، الى أزمة بحد ذاته، بسبب صعوبة ادارته، وعدم مهنية بعض الوزراء، وعدم اختصاصهم، واعتمادهم على أساس الطائفة او القومية او الحزب .

 

هكذا تركيبة حكومية غير مشكلة على أساس مهني، بل تعتمد الولاءات الحزبية،  سيكون من المستحيل عليها ان تنتج وتعمل بروح الفريق الواحد، بل الأدهى من ذلك تعمل بالضد من نفسها، فنجد وزير معين ينال من زميله، او من رئيس الوزراء، بل ويعمل بالضد منهم ليس لشيء،  الا لكي يقلل من قيمة عملهم، ويسقطهم سياسيا لأغراض انتخابية، هذه المقاربة تكون مدمرة، لمبدَأ بناء الدولة، ومن المستحيل إدارتها، بل تتحول الى عنصر سلبي داخل البلد، فالانسجام الحكومي داخل مجلس الوزراء من اهم مقومات النجاح الإداري في إدارة الدولة.

واجبات مجلس الوزراء

 

من اهم واجبات مجلس الوزراء، إضافة الى رسم سياسة الدولةـ هو إصدار القرارات، التي تحاكي الحاجات التفصيلية في الحكومة والوزارات المختلفة، والتي خارج صلاحيات الوزارة المختصة، وتكون هذه القرارات بالتصويت، وتصدر بالأغلبية.

يعتبر رئيس مجلس الوزراء مديرا تنفيذيا لهذا المجلس، يدير جلساته ويوافق على جدول الإعمال، لكنه يمتلك صوت واحد في التصويت على القرارات، فهو رئيسا للمجلس الذي يدير الحكومة، وليس رئيسا للوزراء،  وعليه فان عمله وسلطاته المدنية محدودة في إدارة المجلس، وما يعطيه المجلس من صلاحيات له.

 على سبيل المثال، لا يستطيع ان يعين مدير عام في الدولة، او اقالته،  الا من خلال موافقة مجلس الوزراء، وقد حدث ان المجلس في احدى الدورات أعطى صلاحية لرئيسه بتعيين المدراء العاميين وإقالتهم، ثم عاد وسحب هذه الصلاحية منه ، وفي دورة أخرى أعطى المجلس لرئيسه صلاحية واسعة لإجراء إصلاحات عامة، كانت إحدى استخداماتها اقالة وتنصيب المدراء العامين، اما اعلى من ذلك فهو من صلاحية البرلمان.

 

اما السلطات العسكرية والأمنية، فهي محصورة بيد رئيس مجلس الوزراء، بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة، دون الرجوع الى مجلس الوزراء، لذلك فان صلاحيات رئيس مجلس الوزراء العسكرية، تفوق صلاحياته المدنية بكثير !.

 

كما ان لمجلس الوزراء، كادر ساند يتمثل بالأمانة العامة لمجلس الوزراء،  فالأمين العام يمثل سكرتارية ادارية لمجلس الوزراء، ودوائر الأمانة العامة، تمثل المطبخ الرئيسي لقرارات مجلس الوزراء  وتفاصيلها، وتلعب دور المنسق العام بين إدارات الحكومة المختلفة ووزاراتها،  بل تجاوزت في أحيان كثيرة صلاحياتها، وأصبحت مصدر قرار وقول فصل في بعض الأمور التي تخص الوزارات والدوائر الحكومية ،وأعطت لنفسها علوية ادارية على باقي المؤسسات دون سند دستوري او قانوني!ّ

أين الكيان الخفي؟

 

الكيان الخفي تعامل مع هذا الملف بذكاء وحنكة، فمن الصعب عليه جدا اختراق جميع الوزراء، او اختراق رأس الهرم،  فاعتمد على اختراق المؤسسات  الداعمة لمجلس الوزراء، وخصوصا الدوائر التنفيذية، او الاستشارية، التي تهيئ طبيعة القرارات، او التي تُقيًّم مشاريع القرارات، التي تأتي من الوزارات المعنية إلى مطبخ  القرار .

 

لذلك فان الكثير من القرارات، التي فيها فائدة لبناء الدولة، يتم ركنها او تأخيرها، او محاولة ضربها عمدا من الناحية القانونية، او على الأقل تفريغ محتواها بعدة طرق، اما بصورة مباشرة، او عن طريق كلمة حق يراد بها باطل .

فتوى قانونية للدولة الخفية !

 

كما قامت هذه الجهات بتضليل أصحاب القرار،  ففي إحدى الجلسات قدم اثنان من الوزراء المشهود لهم بالكفاءة، مقترح لتقديم مشروع قانون يلغي احد قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل الصادر عام ٢٠٠٠، المسمى قانون الوكالات التجارية رقم ٥١ ، والمتعلق بتعامل الدولة مباشرة مع الشركات  من الجنسيات ألعربية والأجنبية، ومنع التعامل مع وكلاء هذه الشركات من العراقيين ، واغلب هذه الشركات الرصينة،  لا تتعامل مباشرة مع زبائنها الا من خلال وكلائها، فتضطر الإدارات الحكومية إلى التعامل مع وكلاء هذه الشركات في البلدان المجاورة، بصفتهم ممثلين لهذه الشركات،   لان المادة ١٤ من هذا القانون لا تجيز التعامل مع الوكلاء داخل العراق ، وهذا ظلم وتعطيل لدور القطاع الخاص العراقي، فطلب الوزيران إن يتم تعديل هذه المادة، وان يتم شمل العراقي بهذا التعامل والسماح للدوائر الحكومية التعامل مع الوكلاء العراقيين، في حالة اعتذار الشركات العالمية عن التعامل المباشر .

فتوجه رئيس المجلس، إلى المستشار القانوني في مجلس الوزراء، طالبا منه ابداء الرأي، فما كان منه الا ان رده كان منافي للحقيقة، عندما أجاب انه لا داعي لتعديل القانون، وان القوانين صحيحة، لكن لا يوجد من يفهم تطبيقها وأوحى للمجتمعين ان الخلل بالتطبيق، مع العلم ان القضاء في أكثر من حالة عاقب موظفين بسبب مخالفتهم تصعّدت القانون السيء !.

وقد تدخلت وأبرزت نص القانون، وطلبت من يقوم هذا الخبير القانوني بشرح النص، وان يتخذ المجلس قراراً، بتفسير النص وأعمامه على الوزارات والإدارات العامة، لحثهم على التعامل، فكان جوابه انه ليس من اختصاص مجلس الوزراء تفسير النصوص القانونية !!!

فما كان من بعض أعضاء المجلس، الا ان يقتنعوا برأي هذا الخبير المخضرم (منذ أيام النظام البائد لحد ألان ) ولم يصوتوا على التعديل ، ومازال القانون ساري المفعول ويمكن لأي قارئ مختص مراجعته .

 

اذن استطاعت الدولة الخفية، التأثير بمفصل بسيط، لكن أثاره كبيرة من خلال شبكاتها المنتشرة في كل مكان.

 

للأسف طبيعة تشكيل الحكومة في العراق، لم تكن سلسة، في اي من الحكومات الدائمة الثلاث، التي شُكلت لحد ألان بل كانت معقدة جدا من حيث الاتفاق على رئاسة الحكومة، وتوزيع الحقائب الوزارية فنتج عن ذلك أمرين غاية في السوء :-

 

   الاول:  ان رئيس الحكومة المسمى يقبل تحت ضغط المساومات بتوزير اي شخص ترشحه الكتل السياسية، حتى لو لم يكن مؤهلا لهذا المنصب.

 

الثاني :  ان تشكيلة الحكومة تصبح غير متجانسة، وتدخل فيها المناكفات السياسية بشكل واضح يؤثر على أداء المجلس الجماعي.

 

لذلك أصبح العبء الأكبر، يتحمله رئيس مجلس الوزراء، فيعتمد على مجموعة من المستشارين الموجودين، أصلا كمناصب ترضية، وليس مستشارين حقيقيين، بالمعنى الدارج وهم غير معرضين للمسائلة، او الحساب بدلا من ان يعتمد على فريقه الوزاري .

 

 في هكذا أجواء، يصبح من السهل جداً على إتباع الدولة الخفية ،التسلل الى المناطق الخطرة في صياغة القرار النهائي وتخريب أسس الدولة!

 

لاحظت ان هناك بعض المشاريع الإستراتيجية، التي تقع خارج صلاحيات الوزير المختص، وتذهب إلى مجلس الوزراء يتم التعامل معها في أروقة المجلس ،بطريقة تضمن عدم نجاحها، فكثير من المشاريع استخدمت فيها طريقة كلمة الحق التي يراد منها باطل، فيتم وضع شروط تعجيزية للطرف الأخر،  اي المستثمر او المنفذ تضمن حقوق أكثر من اللازم للدولة، لكنها تؤدي الى فشل المشروع، و مثال على ذلك، عقد تأهيل معمل حديد وصلب البصرة، حيث تم توقيع عقد للتأهيل، بشروط غير قابلة للتطبيق، مع شركة غير رصينة، نتج عنها عدم تطوير، او إعادة تشغيل المعمل، وبالتالي استمرار استيراد الحديد، وخسارة العملة الصعبة، وكذلك إلزام الدولة بالعقد ، بحيث يصعب إنهائه بسبب الصيغة القانونية له ،فنرى الحرفية التخريبية واضحة جدا، حيث ان  الشروط صعبة التطبيق على الطرفين، وانهاء العقد يضر بالدولة، فيبقى الوضع على ما هو عليه ولا يبنى  شيء، وهذا كله مصحوب بتسهيلات لتهريب الحديد الخام المسمى سكراب الى دول الجوار واستيراد منتجات الحديد اي ان الخسارة مركبة

 

يتبع

علق هنا