العراق أمام معادلة عجيبة: الكاظمي يصر على إجراء الإنتخابات بموعدها والآخرون يصرون على تأجيلها، ثم يتهمونه بالتشبث بالسلطة !

بغداد- العراق اليوم:

عملياً، يقود رئيس مجلس الوزراء، مصطفى الكاظمي، حراكاً غير مسبوق، وجهداً ملحوظاً لإنجاز الإستحقاق الأنتخابي في موعده المقرر، حتى مع محاولة بعض القوى السياسية المؤثرة، وإصرارها على تأجيل هذا الاستحقاق، أو محاولة بعض القوى الأخرى، خلط الأوراق لمأربها الخاصة، لكن الكاظمي يبدو مصراً للنهاية على حسم ملفِ الانتخابات المبكرة، وإعادة الخيار للشعب العراقي مجدداً، للخروج من نفق انتخابات 2018 التي حشرت البلاد في زاوية التشكيكات والمقاطعة، والأتهامات التي طالت العملية الأنتخابية بالتزوير والتلاعب بالإرادة الشعبية.

لكن السؤال البارز هنا: لماذا يصر رئيس الوزراء على هذا الاستحقاق، وهو الذي بإمكانه ان يبقى مستمراً في السلطة ومحتفظاً بها لغاية انتهاء الدورة النيابية 2022؟.

لو قرأنا الأمر من زاوية شخصية، وقرأه الكاظمي كذلك، فأنهُ يجب أن لا يكون بهذه الحماسة والاندفاع لحسم هذا الخيار، وبهذا التأكيد القاطع، لكن الرجل يقرأ الأمر  من باب الأستحقاق الوطني الجاد، ومن باب الظروف التي قد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه، أن أستمرت حالة الجمود السياسي، ولم يجرِ تنفيس الغضب الاجتماعي المتدفق، وتحكيم الإرادة الجماهيرية، ومنح المجتمع سلطة الأمر لإعادة المشروعية لكل العملية السياسية، وفرض ارادته الجماهيرية على نوع وشكل السلطة التي يريد.

فالكاظمي يريد ويؤمن بشكل قاطع بالنظام الديمقراطي التعددي، المُستند للإرادة الشعبية، ولا يريد كسر قواعده، أو التراجع عن آلياته المفضية الى انتاج سلطة الشعب، لا سلطة الأحزاب والقوى المتحكمة بالدولة بشكل وبأخر.

يريد الكاظمي من هذا الاصرار أن يدير العجلة التي توقفت وتفرملت بقوة مؤثرات الفساد وحالة الانغلاق السياسي، والزبائنية التي وصلت اليها العمليات الانتخابية السابقة، والتي أكلت من جرف مشروعية العملية الانتخابية ومصداقيتها، وأنتهت الى حالة انفجار شعبي غير مسبوق، مع أن الشارع يملك الخيار الأخر، فالعراق ليس مصر ولا ليبيا ولا تونس ولا حتى سوريا في النهاية، حيت تتكلس السلطة هناك، وتُفرغ المؤسسات الأمنية أي ممارسة انتخابية او تجربة سياسية من محتواها لخدمة السلطة القائمة، أبداً، فالعراق لا يزال يحتفظ بخط واضح من المشروعية السياسية، وكان ولا يزال بالإمكان اعادة الخيار للشارع عبر صناديق اقتراع تفصل بين القوى والتيارات والتنوعات الاجتماعية دون اللجوء الى مصطلحات غادرها العقل السياسي العراقي افتراضاً، كالثورة والانقلابات وغيرها من اساليب الماضي في مجابهة العسف الدكتاتوري وحالة الانفراد بالحكم كما كانت تجري في السابق.

ان فهم الكاظمي العميق والواعي لأهمية هذه الممارسة، هي من تقوده وحدها الى أن يمضي قدماً في انجاز الاستحقاق الانتخابي بهذا الموعد، لاغيره، ولا كما يريد الخائفون من مجابهة الشارع تصويره، على أنه طموح سياسي شخصي، أو رغبة  لتحقيق انجاز على مستوى جهوي.

الكاظمي يقول للقوى السياسية والتيارات الشعبية في البلاد، نحن امام  استحقاق نؤكد فيه ايماننا كلنا بأهمية الديمقراطية، وأهمية ترسيخها كنوع بديل عن الدم والانقلابات ولغة المؤامرات المتوارثة.

لذا نتمنى أن يقرأ إصرار الكاظمي وتشبثه على إجراء الإنتخابات في حزيران، قراءة موضوعية محايدة، إذ لا يمكن أن يشوه موقف وطني مثل هذا الموقف، وتقلب الحقائق بهذا الشكل المفزع، بحيث تدفع الخصومة السياسية، وشراسة الأطماع الفئوية والحزبية والشخصية بإتجاه تغيير الألوان، حتى وصل الأمر الى التشكيك بقضية واضحة ناصعة لا تقبل التشكيك، ولا تتحمل التأويل، وإلاً ما معنى أن يريد الرجل إجراء الإستحقاق الإنتخابي في موعده المتفق عليه، وتسليم السلطة لمن يختاره الشعب، فيغادر الرجل مشكوراً بعد أن أدى الأمانة التي أستقدم من أجلها ؟

بينما في المقابل يصر الآخرون على تأجيل الإنتخابات وبالتالي إبقاء الكاظمي على رأس السلطة الى سنة أخرى أو ربنا أكثر !

أنا شخصياً عاجز عن فهم هذه. المعادلة السريالية وتفكيك رموزها !

 

 

علق هنا