شهد 12 رئيساً للعراق.. ونجا من قطار الموت، وسمع هتاف (فهد) الأخير قبل شنقه.. قصة المقدسي الذي زامل الجواهري والملائكة والسياب!!

بغداد- العراق اليوم:

ولد في زمن الملك فيصل الأول، في الموصل، عام 1928، وعاش في حقبة النظام الملكي، متنقلاً الى البصرة وغيرها برفقة والده ضابط الجوازات المسيحي الكاثوليكي،  بدأت مسيرته مناضلاً منذ قدومه لبغداد في العام 1946، حتى اعتقاله الأول بعد وثبة الأحرار في 1948، الى لحظات إعدام مؤسس الحزب الشيوعي العراقي، فهد في عام 1949، حيث سمع من ذات المكان الذي قضى فيه الشهداء فهد ورفيقاه حازم وصارم، هتافهم (أشنقوا، فالشيوعية أقوى من الموت وأعلى من المشانق)، ومن سجون بغداد الملكية حتى سجون العهد الجمهوري، بعد أن نجا من قطار الموت الذي حشر فيه خيرة المناضلين من ضباط الجيش العراقي وشيوعيي ذاك الزمن بإتجاه سجن نقرة السلمان، فكان الرجل يكتب فصلاً اخر من فصول حياة شاقة، ويضع قدمهُ في دروب الثقافة والأدب، بعد أن بدأ الشعر يدب في جسده الممتلئ نشاطاً وحيويةً وعشقاً للحرية.

أنه الراحل الفريد سمعان المقدسي، الذي ودع عالمنا بعد تسعة عقود ونيف من الزمن، قد يكون أمضى أغلبها في عوالم الثقافة والأدب، والعمل السياسي الملتزم، منذ أن بدأ شيوعياً واهباً حياته كلها لهذا الفكر التنويري المُلهم.

رحل الفريد سمعان هذا اليوم، مع مطلع 2021، ليفجر هذا الرحيل سؤالاً مهماً في الوسط الثقافي والفكري العراقي، حول مآلات ثقافة الإلتزام، وحاجة العراق لمثقفين من طراز الفريد سمعان الذي اعتزل دروب السلطة كلها، منذ انحرافها عقب اغتيال ثورة الشعب العراقي الكبرى في العام 1963.

قد لا تكفي هذه السطور القليلة والمرتبكة في الإضاءة على سيرة مناضل وطني، وأديب عراقي بقامة سمعان، لكن هذا الامتلاء بالعطاء، كان ولا يزال دافعاً للكثير من مبدعي العراق لمواصلة نهجه.

في هذه الفسحة، وفيما لا يزال جثمان الراحل بإنتظار تشييع لائق به في العاصمة بغداد، فإن اكليلاً من ورود الرثاء السود قد طرزت صفحات التواصل الاجتماعي، سنختار في (العراق اليوم)، مقتطفات منها، وفاءً لروحه الوثابة.

ورغم علاقتنا الشخصية الطويلة به، والتي تتسع الى الكثير من الحكايات والمواقف، والإستذكارات الإنسانية، لكننا إرتأينا أن نوسع المجال لرفاقه وأصحابه وزملائه ان يقولوا بعض ما في صدورهم وذاكرتنهم عن الرجل..

القائد الشيوعي، والناشط البارز  الدكتور جاسم الحلفي، كتب عن رحيل سمعان قائلًا "غادرنا اليوم في عمان المناضل ورفيق الدرب الشجاع والمثابر الفريد سمعان. الحقوقي الذي دافع بضراوة عن العدالة وإنصاف المظلومين، ووقف ببسالة امام الاستبداد رافضاً لكل أشكال القهر والإذلال".

الكاتب والناقد العراقي، الدكتور فاضل ثامر، استذكر مواقف سمعان، رفيق السنوات الطوال، حيث كتب

 " لقد كان الشاعر ألفريد سمعان شاهداً على مراحل مهمة من تاريخنا الوطني والثقافي منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي وحتى اليوم لكنه لم يكن مجرد شاهد ومراقب سلبي، بل كان ناشطاً فاعلاً وفي قلب الاحداث".

 وأضاف : " لقد شارك في النضال السياسي ودخل السجن في نهاية الاربعينيات كما دخله ثانيةً بعد انقلاب ١٩٦٣ الاسود وجمعنا سجن نقرة السلمان، حيث عملنا معاً على تنشيط الفعاليات الثقافية والفنية والفكرية، وكان الفريد سمعان مساهماً نشطاً في تأسيس اتحاد الادباء  بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة كما كان له حضوره المؤثر عند اعادة تشكيل الاتحاد في السبعينات  من القرن الماضي وفي اعادة الحياة له بعد الاحتلال وسقوط النظام الدكتاتوري (...).

الناقد العراقي، ياسين النصير، أشار الى جهود طويلة بذلها الراحل في ترسيخ ثقافة العمل الوطني، والكفاح من إجل قضايا الإنسان، حيث قال " كان رمزا وقدوة وكائناً افنى عمره بحب وطنه وحزبه  والثقافة، وناضل في ميادين مختلفة من اجل حق المثقفين في العيش والكرامة، وضرب نموذجا للإنسان المكافح الذي لا يساوم ولا يدعي بغير ما يملك من معرفة، آثر الآخرين على نفسه في مواقف كثيرة وقدمهم  كي يفسح المجال لهم بالعمل والظهور، ولشدة حرصه كنا نختلف معه وأحيانا نتقاطع، إلاأنه اثبت وعبر تجربة طويلة مع النضال السياسي والاجتماعي ان مواقفه هي الاصح والأكثر نفعا".

ختاماً لقد رحل أبو شروق عن هذه الدنيا، ولكن هل سيرحل من قلوب رفاقه وزملائه، وهل سيغيب من كان مثله، عن ذاكرة محبيه، وأنصاره ؟

علق هنا