الحلقة الرابعة عشر: هل كان لنجاح الكاظمي في رئاسة المخابرات دور في وصوله لرئاسة الحكومة العراقية؟

بغداد- العراق اليوم:

خضع منصب رئيس الوزراء في العراق بعد 2003، الى اعتبارات شديدة التعقيد، واستبقت القوى المُتحكمة بالمشهد سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر، الترشيح للمنصبِ بـ " فلاتر، وموشور خاص" يحلل الشخصية، ويعيد تركيبها، وفقًا لسياقات الاعتبار المذهبي ( شيعي)، والولائي ( معتدل الولاء في الغالب)، والمرجعي ( نجفي التوجه)، وأيضاً  ان يكون من القوى السياسية الشيعية التقليدية ( حزب الدعوة الاسلامية- المجلس الأعلى)، ولذا لم يكن المرور نحو المنصب هيناً او سهلاً لمن أراد، ولم يكن الوصول الى سدة حكم العراق، مناطاً بأي شخص، الا بمن توافرت شخصياتهم على تلك التركيبة  الخالصة، على الأقل منذ حكومة ابراهيم الجعفري والى عادل عبد المهدي المُستقيل تحت الاحتجاج الشعبي العارم آنذاك.

أذن، كيف عٌبدت الطريق امام مصطفى الكاظمي؟، الذي قد يشترك في بعض  الاعتبارات انفة الذكر، ولكنه بالتأكيد غير خاضع لبعضها الأخر!، لا سيما انه لم يكن من القوى السياسية التقليدية، أو  ذا توجه ولائي، أو  لاعباً في أوساط مرجعية تقليدية، أو  كان مقرباً من دوائرها، قدر ما عرف عنه، القرب من الوسط الديني الشيعي بكونه باحثاً، ويحمل في قلبه -كما نعرف- وداً وإحتراماً وإجلالاً لشخص وموقع  المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، فضلاً عن إن تركيبة الكاظمي الثقافية والتربوية والنفسية تنتمي الى الوسطية والإعتدال منهجاً وسلوكاً وعقيدةً.. فتراه يبحث عن طرق الاعتدال، وتعزيز منهج الوسطية الدينية في بلاد عانت ويلات صراعات طائفية مدمرة.

لذا وبهذه الخلفية الشخصية، يظل السؤال قائماً عن الصفقة أو الصدفة أو الحظ الذي أهله الى قيادة العراق

أم أن الأمر فيه ابعاد أخرى لم يطلع عليها الجمهور؟.

اسئلة كثيرة، منها على سبيل المثال، هل أتى الكاظمي من حضن الاحزاب الشيعية التقليدية؟، هل رشحته المرجعية الدينية في النجف الأشرف سراً ؟، هل دعمته ايران الولائية مثلاً ؟، هل أتى به البيت الأبيض كما يقول الخصوم؟، هل فرضهُ الشارع على القوى السياسية؟

نعتقد أن دورنا كباحثين محايدين على الأقل أن نجيب على هذه الأسئلة، ونرى كيف وصل الكاظمي لمنصبه، وهو الرجل الذي لم يكن متصدراً للمشهد السياسي بصراحة، وكان يفضل العمل من الداخل، وخلف الكواليس اكثر من العلن المرفق دوماً بـ " شو" اعلامي .

طبعأً، لم يكن اعتباطاً ان تتوافق القوى السياسية، وتلتحم مع الإرادة الجماهيرية لفرز رئيس حكومة جديدة، يتمتع بمواصفات لا يتمتع بها الكثيرون من ساسة ما بعد 2003، فقلما تجد (سياسي) لم يتورط في ملف العنف الطائفي، او على الأقل الحاشية والأتباع، وقلما تجد (سياسي) كبير ايضاً لم يتم تجريبه، أو لم يسجل عليه ملف او مؤشر فساد او تورط في قضايا دولية، وللأمانة ايضاً قلما تجد سياسي من الصف الأول لم يرتبط بتلك الدولة، أو يعمل مع ذاك المحور، حتى على سبيل التخادم السياسي، ولا نعني مصطلح ( العمالة بمفهومها الشمولي الدكتاتوري السائد)، لكن الكاظمي لم يكن محسوباً على أي محور، أو اتجاه، قدر ما هي العلاقات التي رسمها منذ تسنمه رئاسة جهاز المخابرات الوطني العراقي في العام 2016، حيث أدار الرجل هذه المؤسسة بكفاءة عالية، وأخرجها من سبات طويل، وأعاد بناء أوصرها التي تفككت بفعل الضاغط السياسي مرة، وبفعل ارث شديد التعقيد من جهة ثانية، ولذا كان الكاظمي يعمل على نسج الخيوط المتقطعة، وتوظيف الجهاز في سبيل بناء دبلوماسية الكواليس، تلك التي تعمل اكثر من الظاهرة، وتفكك العقد اكثر من حوارات الخارجيات التي تنشغل بالبروتوكولات اكثر من انشغالها في معالجة الأزمات.

نعم، لم يكن الكاظمي في المواصفات المثالية في العرف السياسي السائد في العراق، بان يكون مثلاً رجل الطائفة، أو مرشح ايران، أو خيار امريكا، أو حليف القوى الشيعية، أو غير ذلك من المواصفات لم تنطبق عليه، فكيف وصل اذن؟.

الإجابة واضحة وبسيطة، لقد أوصلته الحاجة الفعلية لرجل يملك اعتدالاً ووسطية، وأيضاً بعيد عن سياسة المحاور، وينأى بنفسه عن كونه رجل طائفة، أو خيارها المفروض على الأخرين، قدر ما يشكل انتماؤه المذهبي عاملاً من عوامل شخصيته المنفتحة على الأخر، المتحاورة مع المختلف، القريبة من التنوع، المحتوية للمضاد، بهذه المواصفات الشخصية، وأيضاً النجاح الذي استطاع تحقيقه في سنواته الأربع في جهاز المخابرات، كانت كلها تلتئم سويةً لفرز قائد سياسي شيعي وطني غير تقليدي.

طبعاً، هذه الصفقة ايضاً لم يكن لها أن تتم أو تمر بهذه السهولة واليسر الذي حدثت به، لوجود لاعب جديد في المشهد العراقي، لاعب قوي وغير متوقع، ولم يكن يعرف له مثل هذا الدور، أنهُ اللاعب المنسي الذي استطاع ان يقلب الطاولة على الجميع، ويفرض مرشحه (الكاظمي)  على الجميع، فمن هو هذا اللاعب.

أنه، الشارع المحتج بالتأكيد قارئي العزيز.

 

علق هنا