الحلقة الثالثة عشر.. هل لعب (الحظ) دوراً في أيصال الكاظمي الى منصب رئاسة الوزراء ؟

بغداد- العراق اليوم:

لا شك أن مصطفى الكاظمي لم يكن من الخط الأول من صفوف السياسيين العراقيين من قبل، بل لم يكن الرجل سياسياً، أو أنه لا يعتبر نفسه سياسياً بالمرة  -وقد قالها الكاظمي بعظمة لسانه - فهو يفضل هويته الإعلامية المفتوحة على مديات واسعة ومكشوفة ومضيئة، والمختلفة عن زوايا السياسة الضيقة، ودهاليزها المظلمة!

 لذلك يأتي السؤال ملحاً:

كيف تمكن هذا الفتى الناحل والخجول والبسيط في مظهره، من منافسة حيتان السياسة في العراق، وأن يحصل على منصب، وهذا المنصب هو في الحقيقة حلم أي سياسي محترف، حتى لو  كان هذا السياسي زاهداً بالمناصب!

 ولعل القضية الأخرى التي تستحق التأمل في هذه الشخصية المتزنة - في تقسيمات علم النفس هناك حقل خاص لأصحاب هذه الشخصية الإيجابية والمقبولة- فالكاظمي الهادئ والوديع جداً، والذي بالكاد تسمع صوته حين يحدثك يصبح رئيساً لجهاز المخابرات العراقي - وما أدراك ما جهاز  المخابرات العراقي -؟ لأن الحقائق والًوقائع تقول أن

الوصول لهذا المنصب الإستثنائي، ولشخص مثل الكاظمي، لن يحتاج إلاً لمعجزة أو الى إلتفاتة قدرية خاصة، أو عناية سماوية فائقة..فهذا منصب رئيس مخابرات العراق، وليس أي منصب حكومي، خاصة وأن السيد الكاظمي لم يكن رجلاً أمنياً أو مخابراتيا من قبل،ولم ينتم في حياته الى أي مؤسسة من مؤسسات الجيش أو الشرطة أو ما يشابههما، فهو وكما قلنا لا يملك غير قلمه، وثقته بنفسه، وإصراره على النجاح .. فضلاً عن أنه منحدر من أسرة علمية وأكاديمية، ومن بيئة مدنية، لم يكن له فيها شرطي أمن واحد، فكيف بات رئيساً لجهاز المخابرات، ثم رئيساً لوزراء العراق في مرحلة خطيرة، بل هي أخطر مراحل التاريخ العراقي المعاصر، ناهيك عن أن الساحة السياسية مزدحمة بالقادة (الكبار) المفتوحة عيونهم حد التيه على منصب رئاسة الوزراء، إضافة الى أن الكاظمي غير مدعوم من حزب، أو طائفة، أو من دولة أقليمية أو غير  إقليمية.، وليس له إرتباط، أو علاقة مشبوهة أو بريئة مع أي دولة في العالم، فالرجل والشهادة لله، كان ولم يزل عراقياً من الوريد الى الوريد ..

 لذلك يتسع حجم السؤال عن كيفية وصول هذا الشاب (الوطني)، والصحفي الذي لم يكن لامعاً، أو معروفاً جداً، الى الموقع الرئاسي الأول في الدولة العراقية، وهو الذي لا يملك في جعبته غير مشروع (مؤسسة الذاكرة) الشجاع، والفاضح لجرائم الدكتاتورية، ويحمل في صدره مشروع حلم عريض .. حلمه أن يكون (شيئاً)، ليصنع لبلده وناسه وفقراء شعبه (شيئاً).. ولكن كيف؟

والساحة السياسية العراقية أشبه بغابة تتقاتل فيها الذئاب على فريسة (فيها نفط ومال وجاه وإعلام وأضواء باهرة) ؟

كيف سيحقق الكاظمي حلمه المجنون في هذه الغابة الرهيبة وهو أعزل السلاح؟

إذن، لابد أن  يتدخل هنا ( الشيء ) الذي نسميه الحظ، وهو إستعارة للقدر، أو إستعاضة عن الإلتفاتة السماوية، فهذه اليد القدرية أو السماوية أو ( الحظ) لا تتدخل بإستمرار، بل وقد لا تأتي في العمر بهذا المستوى الفخم والكبير سوى مرة واحدة لا غير، فكانت مع الكاظمي هذه المرة!

وكي نكون منصفين مع الرجل، يتوجب علينا الإشارة الى موهبة الكاظمي، وقدراته الشخصية، فالحظ أو القدر وحده ليس كافياً في تحقيق حلم بهذا الحجم والأهمية، فثمة مكملات تلعب دوراً في توفير فرص النجاح من بينها مؤهلاته وامكاناته ومهاراته الفردية والإبداعية المتعددة ..

إذ لا يمكن لشخص أن يحقق هدفه بدون الموهبة، والكاظمي شخص أكرمه الله بالموهبة، فضلاً عن صبره واجتهاده وإصراره على النجاح، مسقطاً كلمة الفشل أو اليأس من أبجدية حياته ..

وعودة للسؤال:

هل كان الكاظمي محظوظاً؟

والجواب:

نعم كان محظوظاً، مع التأكيد على أن الحظ نعمة، وليس عيباً أو مثلبة، فأنت حين تسعى الى منصب رئيس الوزراء في العراق، متنافساً مع هذه الحيتان الكاسرة، وفي هذه الظروف التاريخية المعقدة فستحتاج الى الحظ حتماً، بل وإلى دعاء الملايين أيضاً .. وهذا ما حصل مع الكاظمي.

 

علق هنا