لماذا فشل مصطفى أديب في لبنان ونجح مصطفى الكاظمي في العراق، وهل سينجح في قيادة "الجمهورية الثالثة" ؟ الحلقة الرابعة ..

بغداد- العراق اليوم:

منذ بدأت ملامح حكومتهِ بالظهور، يحاول بعض الفرقاء السياسيين، أو المنافسين أو ممن اصطفوا في الجانب المُعارض، أن يشنعوا على رئيس الوزراء أن له طموحاً  سياسياً وأنهُ يسعى لأن يخوض غمار التجربة الانتخابية المبكرة التي يُعد العدة لها كجزء من مهام حكومتهِ الانتقالية المولدة من رحم أزمة شعبية، وأحتجاج صاخب على فشل طبقة سياسية كاملة، وجاء كحًل أنتقالي للتمهيد لجيل سياسي أخر، يمكن أن يشكل عهداً أخر، أو ما أسميه بـ " الجمهورية الثالثة في العراق"، جمهورية الشارع الثائر المتجاوز للطائفية والعصبويات الضيقة، جمهورية الصناديق الشفافة، لا ظهور الدبابات، وفوهات البنادق ذات الولاءات الشرقية أو الغربية.

نعم، هي ملامح جمهورية جديدة، لم تسنح الفرصة للزعيم عبد الكريم قاسم، إستكمال مشروعها في قيام نظام حكم جمهوري تقدمي، مؤسس على الخيار الشعبي، فقد كان الزعيم يستكمل بهدوء انجاز مهام الدولة، والخيارات المؤسسة لها، لكن ظروفاً وتعقيدات ومؤامرات دولية، أجهضت " الجمهورية المنشودة"، لتظهر جمهورية الانقلابات الدامية، بعد الثامن من شباط الأسود عام 1963، وصولاً الى جمهورية الدخول الامريكي للبلاد، الذي مهد لتحول سياسي وجذري، مستحق من وجهة نظر واقعية، ولكنه لم يكن جامعاً ولا طبيعياً لإنجاز التحول نحو الجمهورية الثالثة، التي كانت تعني الإحتكام للشعب في شكلها، ونوع الحكم، والقدرة على أن يكون المواطن أساساً من أساساتها القارة والحاكمة والفاعلة، ولربما تشرين الأول 2019، كانت رصاصة الرحمة على الجمهورية الثانية في العراق، والآن يخوض العراقيون حراكًا للإنتقال الى الجمهورية الثالثة، فمن يقود هذا التحول العميق والجذري في حياتهم.

أنه الكاظمي ببساطة، الرجل الذي جاء متوافقاً مع الرؤية الشعبية، وخياراً موضوعياً بين الفرقاء السياسيين الذين وصل تقاطعهم السياسي الى أنسداد جذري في شكل ومسارات ومسارب العمل بينهم، لذا كان الحل أتياً من الحاجة، لا طارئاً او غير معقول.

لربما من يقارب المشهد السياسي في لبنان والعراق البلدين الذين شهدا حراكاً متقارباً، سيرى أن المشهد اللبناني، حين أنتج حكومة حسان دياب هناك، كان مصيرها الفشل، وأنتهت مستقيلةً، وحين أختارت القوى السياسية هناك، مصطفى أديب كخيار وسطي، أنتهى الرجل معتذراً عن التكليف، بعد أن أدرك أن حراكه وحركته ليس لها طريق معبدة، وليس بمقدوره أن يشق وسط هذا التصلد الشديد، طريقاً او مساراً جديداً خارج التصورات الراسخة هناك.

بمعنى أوضح أن الرجل كان امام ثلاثة فواعل مؤثرة في المشهد اللبناني، الأول الفاعل الشعبي المُحتج، والثاني الفاعل السياسي اللبناني، والفاعل الخارجي المؤثر بقوة، وحين اجتمع الخياران الثاني والثالث كانت مهمة مصطفى أديب قد انتهت بسبب ضعف الفاعل الأول بطبيعة الحال.

في المشهد العراقي، تبدو الصورة واضحة لثلاثة فواعل مشابهة، لكن مهمة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي معبدة بقوة الشارع المُحتج وقدرته الشخصية على التحييد الواضح للفاعل الخارجي، وقوة تفاوضه مع الفاعل السياسي الذي أدرك أن الواقع العراقي ليس سهلاً بما يكفي للأستمرار بالعنت السياسي والمطاولة.

أن قراءة مشهد حكومة الكاظمي سيدرك أن لرئيسها برنامجاً سياسياً واضحاً، ولا يمكن أن يتم أغفاله، أنه برنامج الانتقال الى الجمهورية الثالثة بقدرة وحضور وتأثير وتشييد الفاعل الشعبي وحده هذه المرة.

علق هنا