حقولنا النفطية في وثائق ويكيليكس

لم يكن قد تبقى من عام 2016 سوى ايام قلائل، عندما نشر موقع ويكيليكس رسالة الكترونية لوزير الموارد الطبيعية في حكومة اقليم كردستان كان قد بعثها الى بيرات البيراق وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي عرض فيها بيع عدد من الحقول النفطية في الاقليم بمبلغ خمسة مليارات دولار.

وبحسب الرسالة، جاء اقتراح بيع الحقول ضمن ثلاثة مقترحات عرضتها الوزارة كحل لمشكلة الديون التركية المتراكمة على الاقليم. واذا امعنا في مضمون الرسالة، تبين لنا ان حجم الديون التركية على الاقليم اكبر مما كان يتوقع. وما يثبت ذلك هو ان الرسالة تؤكد على انه ليس بمقدور الاقليم الايفاء بديونه حتى عام 2019 وانه اذا شرع الاقليم بتسديد ديونه لتركيا ابتداء من عام 2019 فأن الامر سيستغرق مدة لا تقل في كل الاحوال عن سنتين. هنا تجب الاشارة الى ان الرسالة رأت انه اذا لم تكن تركيا قادرة على الانتظار حتى عام 2019، فان الاقليم على استعداد لتسديد ديونه عن طريق تصدير النفط والغاز الطبيعي اليها.

لا تتضمن الوثائق المنشورة في ويكيليكس اية اشارة الى الرد التركي على المقترحات الكردية، ولكن يعتقد ان تركيا لم تقبل بشراء الحقول النفطية لانها تعلم ان ذلك قد يورطها في مشكلات قانونية.

يكتسب البعد القانوني للموضوع اهمية خاصة لان القوانين المعمول بها في العراق وفي كردستان لا تجيز بيع الحقول النفطية لانها تعد ثروة مملوكة للشعب وليس للحكومة. ويقتضي ذلك ان المنع لا يقتصر على بيع الحقول النفطية، بل يشمل حتى اقتراح بيعها. والجانب المهم الآخر من المسألة هو انه لم يتم تداول المقترح في اي اجتماع لمجلس الوزراء، في حين انه يفترض انه في هكذا قضايا حساسة يكون مجلس الوزراء هو المعني بالامر وهو المخول ببحث الموضوع واصدار قرار بشأنه وليس وزارة واحدة فقط.

وعلى الرغم من ان الرسالة نشرت في اواخر العام المنصرم، فأن تاريخ المقترح يعود الى آذار الماضي. ويعني هذا ان كلتا الوزارتين تدارستا هذا الموضوع منذ تسعة اشهر. يتضمن اقتراح بيع الحقول النفطية حقيقتين مؤلمتين، الاولى هي ان حكومة الاقليم تئن تحت ضغط كم هائل من الديون المتراكمة، والثانية هي انها لا تجد في نفسها القدرة على تسديد ديونها. ومن هذا المنطلق فأن الوزارة وبعد تدبر واستبصار قررت التفكير في ايجاد حل «غير اعتيادي».

ليس ثمة دليل حتى الان على ان حكومة الاقليم قد باعت ايا من الحقول النفطية. ويفضي التمعن في هذه المسألة الى استنتاج وحيد مفاده ان طرائق التفكير المتبعة لدى الحكومة تعاني من قصور جدي. كلنا نعلم ان السياسات الخاطئة تؤدي الى نتائج سيئة لكن ذلك لا يعني بالضرورة ايجاد حلول للمشكلات الكبيرة بأثارة مشكلات اكبر.

جلي ان تردد تركيا في شراء الحقول النفطية المعروضة للبيع وعدم قدرة الاقليم على تسديد ديونه، يرجح كفة الخيار الثالث، وهو تسديد الديون بتصدير كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي الى تركيا. وهذا في حد ذاته يمكن ان يسهم في التخفيف من ضغط الديون، لكنه بالمقابل يزيد الضغط على كاهل المواطنين لأن تسديد الديون عن طريق تصدير النفط والغاز لا يوفر واردات للاقليم.

تاريخياً، يظل بيع الاملاك العامة للدول مسألة حساسة جدًا. واقرب مثال للاقليم هي مصر. ففي عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي وبسبب تفاقم الضائقة الاقتصادية التي المت بمصر، راجت شائعات في الشارع وفي وسائل الاعلام عن بيع قناة السويس لقطر كحل اضطراري للمشكلات السائدة. رد الرئيس المصري على الخبر بأنه «مضحك ويدعو للسخرية» وقال بتهكم ما معناه ان مصر لو باعت قناة السويس اليوم، بأنها ستبيع الاهرام غداً.

لكن قلق المصريين من بيع قناة السويس لم يكن ناشئاً من لا شيء، فالتاريخ يذكر انه قد تم بيع القناة مرة واحدة بالفعل. ففي عام 1876 اضطر الخديوي اسماعيل، الذي كانت تحاصره الديون من كل جانب، الى بيع قناة السويس لبريطانيا بمبلغ يناهز الاربعة ملايين جنيه استرليني. وكان على مصر ان تصبر ثمانين عاماً حتى يظهر الرئيس جمال عبدالناصر ويقوم بتأميمها، وهو الحدث الذي ادى الى حرب السويس في عام 1956 وهجوم الجيوش الاسرائيلية والبريطانية والفرنسية على منطقة قناة السويس والسعي لاسقاط نظام عبدالناصر.

ا

ستردت مصر قناة السويس بعد ثمانين سنة وهي تتباهى اليوم بأنها تمتلك قناة سويس قديمة واخرى جديدة. اما بالنسبة لنا نحن شعب اقليم كردستان، ماذا سيفيدنا استرداد حقولنا النفطية بعد ثمانين سنة؟ الن تعود الينا ناضبة، خالية من قطرة نفط واحدة؟ هل سينفعنا التباكي عليها بعد ان فرطنا فيها؟

علق هنا