من هي الثعابين التي قصدها الكاظمي في حديثه الجريء مع الغارديان، ومن هما العمارتان اللتان قال انه يمشي على الحبل بينهما؟

بغداد- العراق اليوم:

ليس حديثاَ صحافياً معتاداً، ذلك الذي نقلته صحيفة الجارديان البريطانية واسعة الانتشار؛ عن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة البريطانية لندن، حيث كان الرجل يكشف بوضوح شديد ما يعيشه من هواجس، وما يجابهه في المبنى الحكومي في بغداد، حيث لم يكن الكاظمي يريد أن يصفه ب " الجو بديع.. والدنيا ربيع" ابداً، بل إن الرجل كما عرف عنه بالواقعية والوضوح والشفافية في الطرح كما تقول سيرته المهنية.

والكاظمي الذي تحدث للصحافيين الأجانب اختار لغة التورية، وهو يتحدث عن ثعابين تحيطه، وعن قدرته ومواهبه التي يكتشفها في ترويضها، بل والرقص معها أيضاً، حتى وهو بدون مزمار، ويبدو أن الكاظمي يبحث عن مزماره، ليتلو مزاميره، علها تدفع فحيح الأفاعي والثعابين المتربصة، ولعله يفلح في ان يخرج من دائرة الخطر المستمر نحو ضفة أكثر امناً".

وبحسب ما تنقل الغارديان البريطانية عن الكاظمي، قوله:

 انه يسير بين عمارتين شاهقتين، أو يمشي بين بنايتين عاليتين؛ وعلى حبل، والمفارقة الأكثر الفاتاً للنظر اشارته الى انه ليس مطالبا بالسير على الحبل فحسب، بل مطلوب منه السير بدراجة على هذا الحبل الدقيق!".

ولعمري، فإن هذا التوصيف يعرض في قلبي وعقلي أمرين، احداهما يثير خوفي وفزعي من الآتي، ومن خطورة الظرف الذي يعيشه رئيس حكومة العراق، وطبعاً فإن أي خطر يتعرض له (رئيس الحكومة)، يعرًض بالضرورة الدولة والشعب للخطر أيضاً، فما بالك لو كانت الظروف المحلية والإقليمية المحيطة بالعراق مزدحمة بالمخاطر؟

اما الامر الثاني الذي أثاره الكاظمي في عقلي وقلبي بهذا التوصيف، فهو محل إعجابي للمختصر التعبيري، والظاهر من شكل التوصيف،  لاسيما في إستعارة الموروثات الوجدانية، والدينية، والأدبية، وتوظيفها لغرض أداء، او إيصال الفكرة بشكل إيحائي لايحتاج بعدها الى شرح وتفصيل قد لا يضيفان شيئاً للتوصيف.

لقد كانت الإشارة واضحة تماماً، رغم إنها تحمل تأويلات عدة، ومفتوحة على التأمل، إلا أنها، يمكن أن تنفتح لشهية صحافي يريد أن يقرأها ويحسبها إشارة ذكية من الكاظمي إلى طبيعة التوازن الدقيق الذي يقوده الرجل بين القوتين الاهم في العراق الان؛ الولايات المتحدة الأمريكية وأيران، وما بينهما مما صنع الحداد، وما تقطع من خيوط مصالح لن تنتهي عند حدود البحث عن تدمير الآخر، ولن  تتوقف عند نزعة الاخضاع، فيما ان على العراق وحكومته ان يمسكا الافعى من ذيلها، وان يسيرا بها قدماً دون أن تلدغهما!

هذه المفارقة قد تقرأ في تشبيه الرئيس الكاظمي، ولكن قد يقرأها قارئ آخر  في إشارة منه إلى عمله الدقيق لتنظيم العلاقة بين القوى المتقاطعة؛ أي يمكن ان تكون إشارة الى عمارتين أخرتين غير (أمريكا وإيران)،  عمارتان أحداهما تمثل تيارات ولائية ودينية، والثانية تمثل تيارات مدنية وعلمانية، حيث تمور الساحة السياسية العراقية بصراعات لا تنتهي ولا تريد أن تهدأ أبداً ؛ ويحاول الرئيس الكاظمي ان يخفض على الأقل من سخونة مرجل الصراع المتصاعد.

كما تحفل هذه المقابلة المهمة أيضاً باشارات وتصريحات يمكنها أن تكون علامة بارزة على نهج الرئيس اللاعنفي الذي يريد أن يحكم به، فهو يؤكد للصحافة الأجنبية انه مستعد لخوض حوار لمدة الف عام ولا  أن تراق قطرة دم واحدة، وهي إشارة بل ومنهج مهم وملهم، تعكس قدرة جيدة في الركون للحوار والنقاش والاستماع لوجهات النظر، ويبدو أن الرجل مصر تماماً على أن يقود حواراً وطنياً يفضي إلى تفكيك المشاكل وإعادة صياغة العقد الإجتماعي بثقافة السلام والتفاهم والحوار لا ثقافة القتل والإقصاء والعنف والدماء.

لذا أدعو الى قراءة هذه المقابلة وهي مترجمة، والتمعن في مضامينها بحيادية، فالرجل يريد بل ويطلب إشراكنا - نحن العراقيين- في محنته، وهو مطلب بسيط برأيي.

علق هنا