الدول مصالح .. ماذا ستعطي باريس وبرلين ولندن للكاظمي، وماذا ستأخذ منه ؟

بغداد- العراق اليوم:

في ساعة مبكرة، حطت طائرة رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في العاصمة الفرنسية، باريس، معلنةً كسراً للفرض الذي اعلنتهُ السلطات هناك على الوفود الرسمية منذ بدء جائحة كورونا، فقد وافقت العواصم الأوربية الثلاث ( باريس، لندن، برلين) على استقبال رئيس وزراء العراق، في وقتٍ تكتفي هي بعقد مؤتمرات عبر تقنية (الفيديو كونفرس) مع أكبر رؤساء العالم المتقدم، مما يُعطي للزيارة أبعاداً كبيرة، ويمنحها مداليل ومديات واسعة، وأيضاً يعكس أهتماماً أوربياً رفيع المستوى بالملف العراقي، وأهمية العلاقات مع هذا البلد الحيوي في منطقة الشرق الأوسط برمتها

وصلت طائرة الرئيس الكاظمي الى باريس، أولى محطات جولته الأولى في أوربا، ولا بد ان تكون ساعات الرحلة حافلة بالتصورات والمناقشات الذاتية أو لربما مع الفريق الوزاري المرافق، حول الواقع الأمني الذي تعيشهُ البلاد، وأيضاً الهواجس المقلقة من التداعي الاقتصادي المتواصل بسبب هبوط أسعار النفط، وزيادة الإنفاق الحكومي الهائل الذي ورثته حكومته من الحكومة المستقيلة التي تقول المصادر، أنها " زادت على نفقات الدولة التشغيلية قرابة العشرين تريلون دينار، خلال عام واحد من توليها، ولربما في أخر اشهر حكم " الغائب الطوعي".

خيارات محدودة.. طموح مشروع!

يذهبُ الرجل الى العواصم المتقدمة، وهو لا يحمل الكثير من الخيارات للتعاون مع العالم الصناعي، في وقتٍ يشهد العالم ركوداً غير مسبوق بسبب الجائحة التي تواصل تحصد المزيد الأرواح، وتعطل الأسواق، وتفكك الصناعات الثقيلة والخفيفة، وتحرم الملايين من قوتهم اليومي.

يتجه الكاظمي الى أوربا، وهو يعالج أزمات الداخل العراقي بحلول آنية تتطلبها التطورات السريعة، وأخرى استراتيجية قد يبدو تنفيذها "إنتحاراً" سياسياً أن أقدم عليها، خصوصاً الإصلاحات العميقة في القطاع الاقتصادي، ولكن لا يتصور أحد أن العالم الصناعي قد يساعد العراق، دون أن يُقدم الأخير على اجراء إصلاح جذري لمنظومات الإدارة والمال والاقتصاد المترهلة والفاسدة.

يصل الكاظمي الى هذه العواصم المهمة، والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وأكبر اقتصادات العالم الصناعي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا)، في وقتٍ بات النفط (رأسمال العراق الوحيد حالياً) سلعة أشبه بالثانوية، وباتت أسواقه خاوية على عروشها، ولم يعد سلعة مهمة للغاية تدفع هذه الدول للتنافس، أو تثير شهيتها لتقديم اغراءات حقيقية لبلد منتج مثل العراق، يعيش اضطراباً امنياً وأنقساماً مجتمعياً حقيقياً، وبيئة غير صالحة للعمل النفطي اجمالاً بسبب سياسات الحكومات السابقة التي تسببت بتسيب العمل في هذه القطاعات، كما يذهب الرجل الى عواصم لها  محدداتها الشفافة في التعامل والدخول في أي سوق استثمارية جاذبة، فكيف سيتمكن من إقناعها بالدخول باستثمارات وبزنس مشترك في مجالات الطاقة والكهرباء والتعليم والصناعة والتقنيات دون ان يقدم أدلة صارمة على حسن أداء حكومته والتزاماً بالحماية والشفافية لهذه الشركات.

أن هذه الدول تتعامل بالساعات والدقائق، وليس لديها الوقت الفائض لتضيعه هنا وهناك، لذلك وجدنا رئيس الوزراء الفرنسي يجري مباحثات سريعة مع الكاظمي بعد وصوله باريس بساعات معدودة، وكذلك بقية المفاصل الفرنسية ..

الكاظمي ..وهيئات الأحزاب الأقتصادية!

لربما تُقرأ أهمية الزيارة في كونها استثنائية في ظروف بالغة التعقيد والحساسية كما ذكرنا، وأيضاً تُقرأ على أنها كسر لحاجز الجليد الذي علا خلال الأشهر السابقة، حيث التغييرات الدراماتيكية في البلاد، والتظاهرات الاحتجاجية، وحالة الكساد العظيم الذي يعيشه العراق بسبب انخفاض مدخولاته المالية، ولكن الكاظمي سيطرح خطة مشجعة للغاية على الدول الأوربية الثلاث، والتزاماً حكومياً صارماً هذه المرة ببذل جهد كبير لحماية الاستثمارات الأوربية القادمة، وتهيئة بيئة عمل جيدة للشركات ورأس المال الغربي.

 لكن  السؤال المشروع هنا: هل سيتمكن الرجل من ايفاء هذه الالتزامات مع نمو مريع لدور الهيئات الاقتصادية للأحزاب والتيارات التي تختزل الوزارات بشخوصها، وتريد فرض وصايتها على القرار الاقتصادي كما تفرضها على السياسي.

وهل سيتمكن الرئيس من إقناع القادة الأوربيين في الدول الثلاث ببدء شراكة استراتيجية ملهمة في القطاعات الاقتصادية والطبية والصحية والأمنية، ولاسيما أن أي تغيير سياسي كبير في امريكا يعني أن العراق سيخرج (ولو  قليلاً) من دائرة التنافس الأمريكي – الإيراني، المحتدم، وسيكون بيئة واعدة للأسواق الأوربية التي تبحث عن منفذ لها نحو الشرق وأقصاه.

الكاظمي .. خيارات النجاح!

في المقابل يرد المتفائلون على هذه الهواجس المثارة والتي ترافق الزيارة (الكاظمية) الى أن " الرجل يذهب وهو يحمل الكثير الكثير من الأوراق المهمة، ويحمل ما يغري الأوربيين الأكثر تأثيراً في القرار الدولي، حول ستراتيجية فعالة مع دولة مثل العراق، ستلعب دوراً جيوسياسياً في المنطقة، فضلاً عن تأثيراها الواضح في صناعة الأمن والأقتصاد في منطقة ( الميدل أيست) التي تعتبر بوابة أوربا على العالم القديم، ومصدراً مهماً من مصادر الطاقة المهمة، حيث الغاز والنفط والمواد الأولية الأكثر تأثيراً في مستقبل الصناعات الأوربية الحديثة.

الكاظمي.. ودول الموز !

الكاظمي ليس رئيساً لوزراء دولة من دول الموز على أي حال، فهو رجل يترأس بلاد تمتلك قرابة الـ 150 مليار برميل بترول، وتنتج قرابة الـ 4 مليون برميل، ويمكنها أن تقلب القرار النفطي رأساً على عقب ان أجادت صناعة قراراها النفطي باتقان، كما أن العراق ليس اليونان ايضاً، فهو ليس مفلساً، بل أنه يعاني من "نقص في السيولة"، فيما يحتفظ بالموارد الأساسية التي تضعه بين البلدان الغنية.

ويشير المتفائلون الى أن الزيارة سيكون لها انعكاس ايجابي واضح في مسار الأقتصاد والصحة والثقافة وكل المسارات الأخرى، وأن غداً لناظره قريب.

 

علق هنا