محللون ومراقبون عراقيون: ثمة علاقة بين حملة إعتقال حيتان الفساد، وإختطاف سجاد العراقي !

بغداد- العراق اليوم:

بعد أيام قليلة من هدوء حذر شهدته مدينة الناصرية، عاد التصعيد ثانية، إثر اختطاف ناشط بارز،  ومحاولة اغتيال آخر في 19 (أيلول). وقد تعرضت سيارة تقل الناشطين باسم فليح وسجاد العراقي، وهما من أبرز ناشطي الاحتجاجات الأخيرة في المحافظة، لهجوم شنه مسلحون مجهولون يستقلون سيارات رباعية الدفع، قاموا بإطلاق النار على الأول فيما اقتادوا الآخر إلى مكان مجهول.

في غضون ذلك، أثارت تلك الحادثة غضب المحتجين في ساحة الحبوبي مركز الحراك في الناصرية، حيث قطعت مجموعات من المحتجين الغاضبين جسري الزيتون والنصر، فضلاً عن قطع الشارع المقابل لديوان المحافظة، وقد أمهلوا الحكومة المحلية حتى منتصف الليلة الماضية لتحرير الناشط المختطف والكشف عن الجهة المسؤولة، مهددين بإغلاق منافذ المحافظة ومؤسساتها بشكل كامل.

وتأتي تلك التطورات بعد يومين فحسب من موافقة الناشطين وذوي ضحايا الاحتجاجات في المدينة على إعادة فتح جسر الشهداء (الزيتون) والذي شهد أكثر حوادث العنف التي طالت المحتجين وخلفت عشرات القتلى والجرحى.

وحضر المتظاهرون وذوو الضحايا افتتاح الجسر، مجددين مطالباتهم بمحاسبة قتلة المتظاهرين، ومن بينهم الفريق الركن جميل الشمري، المتهم بالمسؤولية عن "المجزرة" التي وقعت نهاية (تشرين الثاني) 2019.

وبالتزامن مع التصعيد الذي شهدته الناصرية، أصدر رئيس الوزراء قراراً بمنع السفر بحق الشمري، وكتب المتحدث باسم مصطفى الكاظمي، أحمد ملا طلال، على "تويتر"، أن القائد عام للقوات المسلحة وجه "بإصدار قرار منع سفر بحق الفريق جميل الشمري لتورطه بقضايا قتل المتظاهرين في الناصرية، وذلك على خلفية منحه إجازة وهمية للعلاج خارج العراق".

وكانت محكمة استئناف ذي قار أصدرت مذكرة قبض ومنع سفر بحق الشمري على خلفية تهم بالمسؤولية عن مقتل وإصابة عشرات المحتجين في الناصرية، بما يُعرف بـ"مجزرة الناصرية" في تشرين الماضي.

في غضون ذلك، دعا قائد الشرطة في المحافظة، حازم الوائلي، أبناء المحافظة والمتظاهرين وشيوخ العشائر، إلى "الهدوء وعدم الانجرار وراء الفتنة"، فيما أفادت قيادة الشرطة أن فوجين من قوات المهمات الخاصة حاصرا مكان منفذي عملية الاختطاف في منطقة آل أزيرج في المحافظة.

وقال مصدر أمني رفيع، إن "التأني في تنفيذ العملية يأتي بسبب الخشية من حصول مواجهات مع العشائر بعد تحديد مسار سيارة الخاطفين ومتابعتهم وتطويق المكان الموجودون فيه ومحاصرة أحد المنازل"، مبيناً أن دهم المكان "سيتم خلال الساعات المقبلة".

وأضاف "هناك مفاوضات مع وجهاء وشيوخ عشائر من أجل إطلاق سراح العراقي دون اللجوء إلى المداهمة والتفتيش".

وكانت قيادة الشرطة قد أكدت في وقت سابق، تحديد موقع الناشط المختطف سجاد العراقي، وأن قوة أمنية تجري عمليات البحث، بعد مراجعة كاميرات المراقبة.

وهنا يكشف الناشط حسين الغرابي، وهو أحد المقربين من المختطف، عن أن "وتيرة التهديدات التي تعرض لها سجاد تصاعدت في الأشهر الثلاثة الماضية، ومن أكثر من جهة نتيجة نشاطه في الاحتجاجات وتدويناته على مواقع التواصل الاجتماعي التي تهاجم أطرافاً سياسية عديدة".

ويضيف الغرابي : "لقد سبقت حادثة الاختطاف محاولة اغتيال تعرض لها سجاد من خلال تفجير سيارة مفخخة قرب خيمة اعتصام كان فيها"، مبيناً أن "استمرار تلك الحوادث دفع العديد من الناشطين إلى مغادرة المحافظة بحثاً عن ملاذات آمنة".

ويشير إلى أن "أي إجراء فعلي لم يتخذ حتى الآن، عدا تطويق القوات الأمنية لمدينة سيد إدريس"، مستبعداً إبقاء المختطف في المكان نفسه بعد ساعات من اختطافه.

ويلفت الغرابي إلى أن "تلك الحادثة ستشكل دافعاً قوياً لعودة الاحتجاجات من جديد بالتزامن مع الذكرى السنوية للانتفاضة"، مردفاً "أمام الحكومة فرصة حتى مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبل للإيفاء بتعهداتها إزاء المحتجين، لأن الرفض سيكون أعلى وأقوى".

ومن جهة أخرى يرى محللون سياسيون ومراقبون عراقيون أن ثمة علاقة بين عمليات الاعتقال التي تقوم بها لجنة مكافحة الفساد بحق مسؤولين كبار متهمين بالفساد، وما يجري من عمليات اختطاف واغتيال بحق عدد من المتظاهرين والحتجين، بغية تأزيم المشهد السياسي وخلط الاوراق، وتوجيه انتباه الحكومة نحو جهة أخرى، غير جهة الفساد ومحاسبة الفاسدين !

في السياق ذاته، يقول الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي، إن التحركات الأخيرة للجنة مكافحة الفساد "هي التي تسببت بالتصعيد في اليومين الماضيين بين الأحزاب الشيعية والكاظمي"، مبيناً أن هذا التصعيد أدى إلى "تصدع التفاهمات المفترضة بين الكاظمي وبقية أطراف البيت الشيعي".

ويرجح الشريفي أن تكون الحوادث الأخيرة في الناصرية نتيجة لـ"تصدع التسوية ومحاولات إحراج الكاظمي أمام الرأي العام".

ويختم بأن "إصرار الأحزاب السياسية على استمرار الفساد وتأخير قانون الانتخابات وتعطيل اكتمال نصاب قضاة المحكمة الاتحادية وعرقلة الأداء الحكومي، سيؤدي إلى عدم رضا الإرادة الدولية التي ستُعيد النظر بالحكومة".

تأتي تلك الحادثة مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة أكتوبر العراقية، التي يراها ناشطون بادرة لعودة الاحتجاجات بشكل أقوى، في محاولة للضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات حقيقية في إطار محاسبة الفاسدين والجماعات المسلحة.

ويرى الناشط والصحافي علي رياض في تصعيد الناصرية "رسالة واضحة للحكومة في أن خطوات خفض التصعيد كفتح جسر الزيتون، لا تعني تقاعسهم أو نسيانهم حقوقهم، بل إنها بادرة حُسن نية سحبت مع أول انتكاسة تمثلت بأحداث الأمس".

ويضيف رياض " تمثل تلك الحادثة امتحاناً لجدية خطوات الكاظمي في محاسبة الفساد والسلاح المتفلت"، مبيناً أن "عشرة أيام تفصلنا عن الذكرى السنوية للانتفاضة والمحتجين بحاجة إلى ضمانات تضعهم إما مع الحكومة بوجه الفصائل وإرهابها المستمر، أو الخروج ضد السلطة مجدداً والسعي للإطاحة بها".

ويعتقد رياض أن "الكاظمي بات يعلم أن رأس ماله الوحيد في العراق هو الشباب المُنتفض، بعد أن مسَّ رؤوساً كبيرة متهمة بالفساد".

 

علق هنا