سفرة أم البنين .. طقس مبهج، ورجاء أخضر لا ينقطع رغم سواد الأيام

بغداد- العراق اليوم:

تظل للعادات والتقاليد والطقوس العراقية الشعبية خصوصاً، طعمها ونكهتها المميزة، فهي جزء من ضمير المجتمع الثقافي، وجزء من هويته الحضارية والاجتماعية،

فالموروث هو أيضاً جزء من التراث الأنساني، كما تصفه منظمة اليونسكو، وهو الجزء غير المادي من هذا الارث البشري الذي يشيع المحبة والألفة، ويمنح الأنسان قدرات روحية، بعيداً عن الجانب الفقهي الديني، أو كونه مختصاً به فحسب.

فالعراقيون مثلاً يحتفلون بيوم زكريا، على اختلاف طوائفهم، أو قومياتهم، أو انتماءاتهم الطائفية، ويعدون لهذا اليوم على مدار العام، كي يشعلوا شموع الأمل في مياه النهر الجارية، ويوزعوا الحلوى، ويتبادلوا التهاني والأمنيات السعيدة.

كذلك يحتفل العراقيون بعيد النصف من شعبان، كأحد الأعياد الإحتفالية التي تبعث على الأمل، وتزرع البسمة على وجوه الجميع، واذا اجرينا بحثاً عن الايام والمناسبات التي يعدها العراقيون جزءاً من هويتهم الحضارية كشعب، سنجد بعضها مسيحياً، والأخر اسلامياً، بعضها صابئياً وبعضها أيزيدياً، وبعضها يأتي من زمن سحيق كامتداد لأقوام استوطنت العراق وعاشت فيه قرونًا طوال.

من المناسبات أو العادات التي دأب العراقيون على احيائها، هي الاحتفال او الاحتفاء بالسيدة ( ام البنين) وهي زوجة الأمام علي بن أبي طالب، وأم اولاده الأربعة عليهم السلام، ومنهم  الأمام العباس بن علي الشهيد في كربلاء، وللعراقيين مع هذه السيدة العظيمة قصة، فلا يكاد يخلو بيت عراقي من طقس اقامة سفرة ام البنين، لقضاء حاجة، أو لطلب أمر، أو لدفع شر وضرر، فهذه العادة التي يدأبُ العراقيون وخصوصاً النساء منهم، على إقامتها بشكل دوري او سنوي، حيث تحتفل النساء بعمل سفرة من اجود انواع الأطعمة والحلويات والمشروبات، وغيرها من الأشياء ذات الطابع المنتقى، وأيضاً تشعل الشموع وانواع البخور الفاخرة، فضلاً عن قراءة آيات من القرآن الكريم، وإهداء ثوابها للسيدة ام البنين، وتوزيع هذه الأطعمة والحلويات على الأهل والأصدقاء والجيران، فترى بنات المحلة الواحدة، بكل تنوع المدينة، واختلاف التوجهات الفكرية، وأيضاً المشارب الثقافية، يقفن في هذا الطقس الرائع، وهن يتبادلن الأماني، ويرفعن الأكف بالدعاء بحق هذه السيدة الجليلة، العظيمة، المضحية، أن تتحقق الأماني، كالرزق بزوج صالح، أو بطفل بار، أو لقضاء حاجة ما، أو الحصول على رزق حلال، وغيرها من الأمنيات.

وللعلم، فأن هذا الطقس لا يختص بفئة معينة ابداً، فنرى النساء العراقيات، سواء اكن ربات بيوت، أو موظفات وعاملات، من المهندسات والطبيبات والمثقفات، يشتركن في هذا الطقس المتواصل جيلاً بعد جيل، فضلاً عن كون عوائل ذات توجهات يسارية، تحتفي كذلك بهذه العادة الانسانية الأصيلة، وتعيش فصولها الأليفة بكل صدق، وتطلعات نحو أن يحتفي الأنسان برموز السلام والصدق والتضحية من إجل الحق والعدل.

سفرة أم البنين، خليط من طقس مبهج، وعادة سعيدة، وإجتماع احبة، وتواصل إجتماعي، ورجاء لا ينقطع لعراقيات مازلن يحلمن بحياة أفضل رغم رماد اليأس الذي ينتشر في أجواء البلاد.

علق هنا