«ويكيليكس».. سياسة الجبناء!

بغداد- العراق اليوم:

 أحدث البيان الذي أطلق عبر موقع «ويكيليكس» عن رسائل البريد الإلكتروني والوثائق المسروقة المتعلقة بهلاري كلينتون وحملتها ردود فعل متباينة تماماً. وفي المجمل، فإن وسائل الإعلام تشعر بالذهول. وفي تغريدة انتقادية تماماً، سخر «ديفيد ويجل» مراسل صحيفة «واشنطن بوست» من فكرة أن بضاعة ويكيليكس من شأنها أن تغير ديناميكيات الانتخابات، مؤكداً أن الاستراتيجيين في فريق كلينتون ناقشوا كيفية الرد على هذه الخلافات.

وبالنسبة لأي شخص عمل في مجال السياسة الانتخابية، أو قام بتغطيتها على نطاق واسع، فإن ما نشره ويكيليكس يبدو مثل الآلاف من التباينات حول موضوع غير معتاد. وهو يرسم صورة لكلينتون كسياسية طبيعية محوطة بموظفين عاديين منخرطين في تطبيق سياسة عادية أيضاً.

ولكن بالنسبة لكثيرين في اليمين السياسي، فهذه الحقيقة غير مقبولة. وقد قالوا لأنفسهم إن ويكيليكس سيقوم بعمل خارق في هذه الانتخابات، وذلك من خلال إظهار كلينتون كشيطان خائن وتسليم البيت الأبيض، وكل سلطاته الواسعة، إلى أيدي دونالد ترامب المعتدية.

أما منظمة «أميركيون مؤيدون للإصلاح الضريبي»، وهي منظمة مكرسة لاستخدام قانون الضرائب لحفظ وتعزيز المصالح المالية للأثرياء، فقد ألحقت الرسالة الإلكترونية المسربة بشأن قوانين حمل السلاح -حيث إن رئيس المنظمة «جروفر نوركويست» عضو في الجمعية الوطنية للبنادق والأسلحة الفردية الأميركية- بشريط فيديو كشفت عنه الجمعية لكلينتون وهي تدلي بشهادتها بشأن الأسلحة في عام 1993. ففي 14 أبريل 2016، بحسب ما ذكر بيان صحفي: «أصدرت الجمعية الوطنية للبنادق لقطات فيديو لم يُكشف عنها من قبل تظهر تعبيرات وجه كلينتون العنيفة» فيما كان السيناتور في ذلك الوقت «بيل برادلي» يناقش الضريبة المقترحة على السلاح.

وتظهر اللقطات السرية كلينتون وهي تومئ برأسها في صمت، وتبدو مخلصة ومتأملة فيما تعترف إما بموافقتها، أو مجرد تفهمها المبدئي لشخص آخر.

وقد تتبعت منظمة «جوديشيال ووتش» (المراقبة القضائية)، وهي منظمة يمينية، كلينتون لسنوات ورفعت دعوى قضائية حتى يتسنى لها الوصول إلى رسائل البريد الإلكتروني لوزارة الخارجية، كما كانت تدقق كثيراً فيما تكتشفه. وبعد صدور دفعة جديدة من الرسائل الأسبوع الماضي، صرح رئيس منظمة المراقبة القضائية «توم فيتون» في بيان صحفي بأن «رسائل البريد الإلكتروني تعد برهاناً آخر على أن هيلاري كلينتون استغلت منصبها لتقديم معاملة خاصة للمانحين لمؤسسة كلينتون».

وهناك سبب لعدم الشعور بالارتياح إزاء استخدام كلينتون لنظام البريد الإلكتروني الخاص عندما كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية، وإلى حد أقل، حيال المسارات المزدوجة لعمل مؤسسة عائلة كلينتون وسلطات المنصب الذي كانت هيلاري تسعى إليه. ومع ذلك، فإن انتشار الصور التذكارية عن مواقف شخصية قديمة لا يشكل تهديداً للجمهورية.

وهناك ما هو أكثر من اليأس في هذه الجهود لتحويل «تعبيرات الوجه العنيفة» أو سلسلة من الصور التذكارية إلى مؤامرة شريرة. وثمة عواطف مثيرة للشفقة. وهي تصل إلى الاستنتاج المنطقي في المدونات اليمينية، مثل مدونة «جيت واي بونديت» أو (بوابة الناقد) المعروفة، التي افترضت أن رسائل البريد الإلكتروني المسربة تشير إلى أن قاضي المحكمة العليا «أنتونين سكاليا»، الذي مات العام الماضي قبل شهر واحد من إتمام عامه الثمانين، قد قتل، وأن رئيس حملة كلينتون «جون بوديستا» كان متورطاً.

وهذا المستوى من التفكير مؤلم بشكل غبي. ومع ذلك، فمن الخطأ أن نفكر أن الغباء هو العامل المشترك في مثل هذه الاتهامات. فالمصدر الذي يؤجج تهور اليمين ليس الغباء. إنه الجبن. إنه يأخذ مستوى أساسياً من الشخصية واحترام الحقيقة لمواجهة العالم كما هو، بدلاً من تلفيق الأوهام التي تتملق الأيديولوجية الخاصة بكم، وتثني على قلقكم وتجد العذر لأخطائكم.

إن كلينتون شخصية سياسية حقيقية ومعقدة ولديها مهارات هائلة وأخطاء واضحة. ومن أجل هزيمة كلينتون والتقليد السياسي الذي تجسده، فإن الخصوم الذين يمكن أن تكون لديهم مصداقية هم وحدهم من قد يصلحون لهذه المهمة والحملة الانتخابية. أما الجبناء، فليس بأيديهم سوى تسريبات ويكيليكس.

فرانسيس ويلكينسون

محلل سياسي أميركي ..ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنظن بوست وبلومبيرج نيور سيرفس»؟صحافة عربية

علق هنا