بمناسبة تجاوزها عتبة العشرين مليون مشاهدة.. إنشودة (حيا الله الفرقة الذهبية) ... تحالف الكلمة واللحن والأداء مع معجزات البطولة !

بغداد- العراق اليوم:

 حسن جاسم اللامي

على مدى عقد من الزمن بعد ٢٠٠٣، كانت البلاد مستباحة من اشباح الظلام، المدنُ خائفةُ مُخيفة، بغداد الأزل، تحول ليلها الصاخب بين الجد والهزل، الى كوابيس واشلاء متناثرة، فرانكشتاين يتجول في ليلها البهيم، محيلاً الازقة لمسارح دامية، مشهد كئيب، ووجه المدينة يذوي، تنقطعُ دروبها عند اقتراب شبح المساء، يأوي الناس الى بيوتهم باكراً، ليتجنبوا هذا الوحش الكاسر الذي يحيل ضحاياه الى مجرد ارقام لا غير.

في هذه العتمة، لم يكن احد ليعرف كيف تكون مواجهة تنظيمات هلامية، ولا احد يحدد خارطة البداية لمواجهة آلة القتل والدماء والدمار، وحين كانت القاعدة التي تأسست باكراً هي الآمر الناهي، كانت الرقاب تشرأب لمن يواجه هذا الطغيان الارهابي العاتي، فلم يكن ثمة سوى فرقة باسلة تصدت لهذا الغول، وراحت الفرقة بقيادة الراحل اللواء فاضل برواري يعاونه نخبة من ضباطه البواسل وجنوده الأشاوس، تتصدى بكل بأس، وهي تحاول بتضحيات كبيرة ان تدفع قطع الظلام عن عين بغداد التي لا تبصر، كانت الابواق المأجورة، والآلة الإعلامية العربية ومعها من يعاونها في الداخل تتفنن في النيل من هذه الفرقة الشجاعة، وراحت آلة البعث المندحر، تكيل التهم لهؤلاء النخبة، فمن تسمية فرقة الموت الى تسمية الفرقة القذرة! الى فرقة الاغتيالات الخاصة … الى آخر هذه المسميات التي لا تنطبق الاً على من يطلقها.

ويقيناً، فقد كانت اجهزة الاعلام العراقية، ومن يواليها تقف عاجزة عن الرد على سيل الاكاذيب والافتراءات الظالمة، الى الحد الذي اجبر هذه الفرقة على ان تتأثر انذاك بتلك التهم الغبية، فالهجوم الإعلامي وعدم وجود مساندة فعالة يضعف حتماً من همة المقاتل مهما كان باسلاً وشجاعاً، فما الحل اذن لرفع هذه المظلومية، وايقاف هذا المسلسل التخريبي؟.

الأغنية … هي الحل السحري

طبعاً، كان الوضع انذاك مرعباً، حيث يتعرض الصحافيون والادباء والممثلون وغيرهم من نخبة المجتمع وقادة الرأي الى اغتيالات منظمة تطالهم حتى اضطر الكثيرون الى الهجرة، او على الأقل تركوا اعمالهم، ولاذوا بصمت مطبق، فمن يجرؤ ان يجابه موتاً كامناً يتخفى في الازقة والشوارع، وهو اعزل، بينما ينام كبار القادة في حصون مشيدة، يحمون انفسهم بمتاريس من الجند والتحصينات الأمنية المنيعة.

لكن ثمة رجالاً شجعاناً في كل زمان، مؤمنون بعدالة القضية، فكان ان اختاروا لهذه المهمة حلاً سحرياً، سيترك فيما بعد باب الخيال والإبداع مشرعاً لمن يجرؤ، ولمن يؤمن بعدالة القضية الوطنية.

حيث تصدى شاعر وطني معروف، وأحد ايقونات شعراء الاغنية الرقيقة الصادحة والمعبرة، ليكتب لنا اغنية جميلة، ستكون بوابةً جديدة، لفجرٍ جديد من الأغاني الوطنية المعبرة عن تغييرات شاملة في حياة العراقيين.

نعم، فقد كتب الشاعر والإعلامي فالح حسون الدراجي اغنيته الشهيرة "حيا الله الفرقة الذهبية"؛ وهو الأسم الذي ستشتهر به الفرقة لاحقًا، وسيتصدى لتلحين هذه الكلمات الشفافة، ملحن لا يقل وطنية وشفافية وعذوبة عن الكلمات، وهو الملحن ضياء الدين،  ليكتب نجما الاغنية العراقية البارزان، محمد عبد الجبار وحسام الرسام اسميهما في قائمة الشرف الوطني، وهما يهتفان بإسم الفرقة التي ارعبت الارهاب وداعميه.

كانت كلمات الدراجي والحان ضياء الدين، واصوات عبد الجبار والرسام، امضى من الرصاص الذي اطلقته هذه الكتيبة الفدائية ضد الارعاب القاعدي المجرم، فقد دكت كلمات الدراجي حصون جماعات الموت، وايقظت حساً وطنياً خذله المبدعون للأسف، وتكاسلت الاقلام الوطنية طويلاً، ليشهد عام ٢٠١٢؛ بالتحديد ولادة هذه الاغنية الوطنية الإيقونية.

عرقنة الفرقة الذهبية

لقد حولت الاغنية مزاج الشارع الخائف والمترقب، وايضاً مدت عناصر هذه الفرقة التي صارت وكانت وستظل ذهبية الولاء والعقيدة والانتماء، بعناصر قوة اضافية، واستطيع القول بضرسٍ قاطع ان كلمات الدراجي اعادت عرقنة هذه الفرقة، ونجحت في تحويلها الى ملك عام لكل اطياف الشعب العراقي، فالدراجي معروف عنه الهوى والميل والتوجه اليساري كما أن البوصلة الوطنية لهولاء النخبة من المثقفين واضحة ومحددة لا مجال ابداً لأن يجاملوا فئةً، او ينحازوا الى اخرى، والاً ما كانت هذه الفرقة بقيادة شخصية عسكرية كردية، وهو الراحل اللواء فاضل برواري، لكنها كانت تعمل للعراق كله، وهنا أتت الفرصة بل والضربة التي اقتنصها الشاعر ومن معه في اعادة هيبة المؤسسة العسكرية.

لقد امنت كلمات اغنية حيا الله الفرقة الذهبية دعماً لوجستياً وزخماً شعبياً يفتقده الجيش والقوات المسلحة العراقية انذلك، واستطاعت ان تعيد العاطفة المشتركة التي ذوت بين الشعب ونخبه واطيافه من جهة، وبين المؤسسة الامنية والعسكرية من جهة اخرى، ولنقل ان الاغنية كانت همزة الوصل بين شارع مقاطع، ومؤسسات عسكرية منكفئة على الداخل.

ان مناسبة الحديث عن هذه الاغنية الوطنية الرائعة، هي انها تجاوزت مشاهداتها على قنوات اليوتيوب لوحده عتبة العشرين مليون مشاهدة، فيما هناك ملايين اخرى لم يجرِ عدها وإحتساها في قنوات اخرى، ولا ننسى انها اصبحت ايقونة تستحضر كلما ارادت القنوات الفضائية الاحتفاء بمنجز عسكري.

ختاماً، نود الاشارة الى ان هذه الاغنية تستحضر روح الفقيد برواري، وتمنح الفريق اول الركن طالب شغاتي والقائد المظفر عبد الوهاب الساعدي والفريق الركن عبد الغني الأسدي وكل ضباط ومراتب جهاز مكافحة الارهاب البطل استحقاقهم الوطني، مثلما تعبر عن وجدان الشارع العراقي الطافح محبةً وعرفاناً لهذه القامات الباسقة.

علق هنا