موجات الحر أطول وأكثر منذ خمسينيات القرن العشرين

بغداد- العراق اليوم:

تتزايد وتيرة موجات الحر في شتى أنحاء العالم وتدوم هذه الظاهرة المناخية لفترة أطول، حسبما توصلت الدراسة العالمية الشاملة الأولى حول فترات زمنية طويلة من الحرارة المفرطة.

حلل البحث درجات الحرارة القصوى على المستوى الإقليمي التي سُجلت منذ خمسينيات القرن الماضي، وخلُص إلى عدم وجود مكان على الكوكب لم يشهد ارتفاعاً كبيراً في موجات الحر.

ووجدت الدراسة نفسها أن التغيرات في موجات الحر ليست آخذة في التزايد فحسب، بل إنها تتسارع أيضاً نتيجة أزمة المناخ التي يتسبب بها الإنسان.

من ناحيتها، علقت الباحثة سارة بيركنز كيركباتريك، من "مركز التميز للمناخ المتطرف" التابع لـ"مجلس البحوث الأسترالي" (آي آر سي)، على هذه الظاهرة قائلة، "لم نشهد فقط موجات حرارة أكثر وأطول في شتى أنحاء العالم على مدى السبعين عاماً الماضية، إنما تسارع أيضاً هذا الاتجاه بشكل ملحوظ".

معلوم أن موجات الحر تخلف آثاراً سلبية لا حصر لها، بينها تداعيات على صحة الإنسان والزراعة، ويمكن أن تفضي إلى حرائق غابات أكثر تواتراً وشدةً.

سُجلت أشد درجات الحرارة القصوى في مناطق تواجه أكثر من غيرها آثاراً سلبية جراء أزمة المناخ.

وتوصل البحث، الذي نُشر في مجلة "نيتشر كوميونيكيشن" إلى مقياس جديد، هو "الحرارة التراكمية"، يرمي إلى تبيان كمية الحرارة التي تتركز في موجات حر ومواسم فردية. يُشار إلى أن هذا الرقم يتزايد أيضاً. ووجدت الدراسة على نحو حاسم أن المواسم الأكثر حدة من موجات الحر، كما حددتها الكثافة التراكمية، ظهرت منذ عام 2000. وقالت بيركنز كيركباتريك، "تكشف الحرارة التراكمية عن تسارع مماثل، يزداد عالمياً بمعدل يتراوح بين 1 و4.5 درجة مئوية لكل عقد، ولكن في بعض الأماكن، من بينها الشرق الأوسط وأجزاء من أفريقيا وأميركا الجنوبية، يصل ذلك الاتجاه إلى 10 درجات مئوية لكل العقد".

وخلال موسم موجات الحر الأشد في أستراليا، واجهت المنطقة 80 درجة مئوية إضافية (176 فهرنهايت) من الحرارة التراكمية. سجلت المواسم الأكثر تطرفاً في الحرارة في سيبيريا والبحر الأبيض المتوسط 200 درجة مئوية إضافية (392 فهرنهايت). وواجهت ألاسكا بدورها أسوأ موسم في سجلاتها إذ بلغ مجموع الحرارة الإضافية 150 درجة مئوية (302 فهرنهايت).

وتفيد الدراسة بأن المقياس الوحيد لموجات الحر الذي لم يتسارع هو حدة موجة الحر، الذي يحتسب متوسط درجة الحرارة لمختلف موجات الحر. ويرد العلماء ذلك إلى أن أرجاء المعمورة تشهد موجات حر أكثر وتستمر لفترة أطول. عندما يُقاس متوسط درجة الحرارة على نطاق موجات حر أطول، بالكاد يمكن اكتشاف أي تحولات في الحدة. ورُصدت زيادة ملحوظة في متوسط حدة موجة الحر جنوب أستراليا وبعض مناطق أفريقيا وأميركا الجنوبية فقط.

على مستوى إقليمي، اكتشف الباحثون أن التقلب الطبيعي للمناخ من شأنه أن يترك تأثيرات كبيرة في موجات الحر. وفي مقدور ذلك التقلب أن يطغى على اتجاهات موجات الحر، لذا لا يمكن الاعتماد عموماً على اتجاهات إقليمية تقل مدتها عن بضعة عقود.

عوضاً عن ذلك، نظر الباحثون في الكيفية التي تغيرت بها اتجاهات موجات الحر على مدى عقود عدة، بين 1950 و2017. كانت التغيرات هائلة في هذه الفترة، ففي البحر المتوسط، كانت هناك زيادة كبيرة في موجات الحر عند قياسها على امتداد عقود عدة.

مثلاً، شهد البحر الأبيض المتوسط بين 1950 و2017، زيادة في موجات الحر بمقدار يومين لكل عقد. عندما ضيق الباحثون النطاق إلى الفترة الممتدة بين 1980 و2017، تسارع الاتجاه إلى 6.4 يوماً لكل عقد.

تباينت اتجاهات موجة الحر باختلاف المناطق. هكذا، تعرضت مناطق الأمازون، وشمال شرق البرازيل، وغرب آسيا، والبحر المتوسط لتغيرات سريعة في موجات الحر. وما زالت منطقتا جنوب أستراليا وشمال آسيا تشهدان تغيرات في اتجاهات موجات الحر إنما بوتيرة أبطأ.

عموماً، وجد البحث أن الدول الضعيفة، حيث البنية التحتية أقل متانةً، ستكون الأكثر تضرراً من الحرارة الشديدة.

تُبين النتائج أنه يتعين وضع استراتيجيات للتعامل مع التعرض المتكرر للحرارة، الذي سيخلف تأثيرات سلبية في صحة الإنسان وفي إمدادات الطاقة، وأن ثمة حاجة إلى بحوث إضافية تتناول التأثيرات التي ستترتب على تفكك الحرارة التراكمية.

قالت بيركنز كيركباتريك، "توقع علماء المناخ منذ فترة طويلة أن ظهور علامة واضحة على الاحترار العالمي سيتزامن مع تغير في موجات الحر"، مضيفةً أن "هذه الأحداث، هي مؤشرات قاطعة على أن الاحترار العالمي سيبقى وبخطوات متسارعة معنا".

 

علق هنا