غياب ياسين..غياب للفرح!

بغداد- العراق اليوم:

طه رشيد

رحل عنا ' مؤخرا، الفنان الكوميدي ياسين لطيف بربن الذي اقعده المرض فترة طويلة في البيت، فلفه الاهمال، عن قصد او بدونه، مما زاد من كآبته وسأمه فاسلم الروح ليترك لوعة في قلوب اهله واحبته..

ياسين سليل عائلة امتازت بالسخرية واجادة " صنع " النكتة في اشد الظروف قتامة. كان والده لطيف بربن، لطيف المعشر نكّاتا ذكيا ورث هذه الخصلة من والده " بربن"!

ساهم الوالد لطيف بربن، مع وفد شبيبة الحزب الشيوعي العراقي، في مهرجان الشبيبة الديمقراطية عام ١٩٥٧ في موسكو، ويروى عنه عشرات النكات التي يبتكرها في كل جلسة.

تم اعتقال لطيف بربن بعد انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ المشؤوم، وفي المحكمة قال له القاضي: بربن ها؟! ( يقصد " احمر" يعني شيوعي من الاسم ) فاجابه لطيف: والله لو بيدي اسميه سمير، بس جدي سماه بربن واني ابتليت!

  سافر ياسين مع توأمه الروحي فاضل شاكر الى المانيا الغربية وكانا يعبران كل يوم الى برلين الشرقية ليساهما في فعاليات مهرجان الشبيبة الديمقراطية الذي عقد في المانيا الديمقراطية ( الجزء الشرقي) عام ١٩٧٣.

تعرفت الى ياسين قبل خمسين عاما بالتمام والكمال، وشكلنا حلقة اصدقاء لم تفترق لفترة طويلة، يقف على راسها الشاعر الراحل عزيز السماوي والشاعر رياض النعماني وكاظم الخليفة وقاسم الساعدي ومحي الاشيقر وكريم عبد دحام ويوسف الناصر، وعذرا لمن لا اتذكر اسمه!واصبحت العلاقة عائلية مع هذه المجموعة بالاضافة لما يجمعنا من هموم سياسية وادبية وفنية. كان ياسين يشكل " ملح" الجلسة ولا تفوته لا شاردة ولا واردة الا بنكتة جديدة مبتكرة، كان يحاصرنا بالنكات من كل جانب!

في احد الاعياد السبعينية قررنا ان نقضي العيد خارج بغداد فقصدنا محي الاشيقر في كربلاء وبقينا ايام وليالي العيد سوية، كان نجمها الساطع ياسين بكل تاكيد، كانت اياما مليئة بالفرح والسعادة، مرت وكانها لحظات لا يمكن الامساك بها بفضل وجود الحبيب ياسين لطيف بربن!

وجاء عام ١٩٧٨ المشؤوم، حيث بدأ التحضير لترك الوطن بسبب الحملة المنظمة ضد الشيوعيين واليساريين والديمقراطين من قبل نظام صدام.

ليلة الرابع من اب من ذلك العام حل ياسين  ضيفا علينا مع المجموعة الطيبة لتوديعي، لم يغمض لنا جفن في تلك الليلة، وفي ساعات الصباح الباكر  الذي تبلل بدموعنا..حانت ساعة الوداع .. لم يكن بكاء كان نحيبا مرا وبالاخص من قبل ياسين الذي اثار دهشة والدتي التي جاءت من بعقوبة لوداعي، ولاول مرة تلتقي باصدقائي، وهي لم تر طيلة حياتها رجلا، لا يبكي فقط، بل " يثغب" مثل ياسين!

عمتي، ام زوجتي، الشجاعة ام قاسم قالت للجميع: وسفه، تبچون؟! كافي .. انتم اختاريتوا هذا الطريق وانتم اتكملوه!

وما زلنا على الطريق سائرون، تتساقط اوراق شرفاء هذه الوطن، واحدة بعد الاخرى، دون ان نرى في الافق ربيعا!!

علق هنا