التسوية التاريخية إلى مثواها الأخير

مع نهاية العام المنصرم وبداية العام الميلادي الجديد , تضائلت فرص نجاح مشروع التسوية التاريخية الذي تبنّاه التحالف الوطني الشيعي , فالضربة القاضية التي وجهتها المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف إلى مشروع التسوية , قد قوّضت كلّ فرصة لنجاح المشروع , لتأتي بعد ذلك جريمتي السنك وسيطرة المشخاب وسقوط عشرات الضحايا الأبرياء بين قتيل وجريح , لتضع رصاصة الرحمة في جسد هذا المشروع , وبالرغم من محاولات البعض التقليل من الصدمة التي تلّقاها مشروع التسوية على يد مرجعية النجف , إلا أنّ جميع المراقبين السياسيين يجمعون أنّ مشروع التسوية قد وئد في مهده , ولم يعد للقادة السياسيين تبّنيه بعد الآن بعد رفض المرجعية له , ولعلّ جريمتي السنك في بغداد وسيطرة المشخاب قد ألقتا بظلالهما القاتمة ليس فقط على الاستمرار في تبّني مشروع التسوية , بل على مجمل مستقبل العملية السياسية لمرحلة ما بعد داعش .



فاستمرار هذه الجرائم واستمرار نزيف الدم الشيعي هو الآخر يلقي بضلاله الثقيلة وأصبح عبئا على كاهل السياسيين الشيعة , فالحديث عن التسوية وتقديم التنازلات وسط هذا الصخب ودون إيقاف مفخخات الموت والقتل والدمار , أصبح يشّكل استفزازا لمشاعر عامة الناس , فلا تسوية مع الدماء , والحديث عن تسوية وتقديم تنازلات وسط هذه الموجة من القتل سيقابل بالرفض والاستهجان , وإذا كان الطرف الآخر في التسوية جاد بهذه التسوية فعليه ان يقدّم الدليل عليها , والدليل يتمّثل بالبراءة من الإرهاب وإعلان الحرب عليه والتصدّي للخطاب السياسي والديني المتطرف , وحين تنتهي المفخخات من المدن والشوارع وينتهي معها الانغماسيون والانغماسيات , عند ذلك تكون الظروف قد نضجت والحديث عن تسوية تاريخية سيكون أكثر مقبولية .



كما أنّ ظروف المنطقة والصراع الطائفي الجاري فيها , تلقي بظلالها على مجمل الأوضاع داخل العراق , فالمال السعودي والقطري لا زال يفعل مفعوله في القرار السنّي العراقي , وهذا المال لن يتوّقف في ضل القيادة السعودية الحالية المتورطة في العراق وسوريا ولبنان واليمن , فالصراع الطائفي في المنطقة قد بلغ أعلى مستوياته خلال حكم الملك السعودي الحالي المصاب بالخرف والسعار الطائفي وقيادة أبنه الطائش للجيش , فلا يمكن عزل أوضاع المنطقة وتداعياتها عن مجريات الوضع الداخلي في العراق , وبالتالي فالحديث عن مثل هذه التسوية في ضل هذه الظروف سيصبح عبئا على من يتبّناه , فلا تسوية مع الأشلاء المتطايرة في الشوارع , ولا تسوية قبل القضاء التام على الانغماسيين .



أياد السماوي

4

علق هنا