«داعش» وتأجيل يوم القيامة

بغداد- العراق اليوم:

ربيع بركات   

 قبل ثلاثة أيام٬ كتب الموقع الإلكتروني السياسي الساخر «كارل ريماركس» تعليقاً مفاده أن «داعش» أعلن تأجيل يوم القيامة نظراً لظروف قاهرة وغير مُنتَظرة. حصل ذلك بعد خسارة التنظيم الراديكالي بلدة دابق في الشمال السوري لمصلحة فصائل «الجيش الحر» المدعومة من تركيا٬ حيث أن دابق تُمثل في أدبيات التنظيم أرضاً ستقوم عليها معركة هرمجدون٬ علماً أن نبوءة التنظيم تقوم على حديث نبوي. أشارت صحيفة «واشنطن بوست» في اليوم نفسه إلى رمزية خسارة «داعش» قرية دابق في عنوان تقريرٍ لها حول الموضوع أيضاً: «معركة يوم الساعة تم تعليقها»٬ أفاد العنوان. لكن التنظيم كان يُعِدُّ العدة لخسارته المعنوية تلك، فما كان منه إلا أن حاجج في مجلة «النبأ» الناطقة باسمه بأن ما حصل ما هو إلا معركة صغرى٬ فيما «دابق الكبرى» لم يحن موعدها بعد.



وفيما النقاش بخصوص سوريا حول موعد يوم القيامة جارٍ على قدم وساق٬ أخذت بعض الدراسات حول تنظيم «داعش» تخرج بنتائج مثيرة إلى العلن، بينها دراسة أنجزها البنك الدولي ونُشرت قبل أسبوعين تفيد بأن غالبية الجهاديين الأجانب المنضمين إلى «داعش» متعلمون٬ وفق بيانات داخلية سرّبها أحد المنشقين عن التنظيم قبل أشهر، حيث أن أكثر من ثلثَي العينة التي شملتها الدراسة (نحو ٣٨٠٠ جهادي أجنبي انضموا إلى «داعش» بين أوائل ٢٠١٣ وأواخر ٢٠١٤) أنهوا تعليمهم المدرسي على الأقل٬ فيما اثنان في المئة فقط أميون. وهذا٬ إن دل على شيء٬ فعلى قوة الجاذب الايديولوجي والعامل النفسي في الانضمام إلى الجماعة٬ وتفوقهما على العاملين التعليمي والاقتصادي ـ المعيشي (معظم المنضمين إلى التنظيم من الخارج من غير المهمشين اقتصادياً). أما كيف آمن هؤلاء بقرب «المعركة الكبرى»، فذاك تنتظره أبحاث مؤجلة، شأنها شأن القيامة.

في موازاة ذلك، ومع تتابع مجريات معركة الموصل٬ راح بعض المراقبين يشير إلى أن المعركة الفاصلة مع الجماعات الراديكالية التي يليها «يوم القيامة» السوري قد تأجلت بدورها٬ وأن حجمها بات أكبر الآن نتيجة هجرة أعداد من مسلحي «داعش» من شمال العراق إلى شرق سوريا. والواقع الذي يعلمه كل متابع، أن يوم القيامة السوري ما زال ينتظر الفصل بين «الأخيار» و «الأشرار»٬ أو بين من سيُسمح لهم بلعب دور سياسي في مستقبل البلاد ومن سيتم إقصاؤهم عن ذلك، علماً أن حتى بعض من حُسم أمر تصنيفهم في خانة «الأشرار» ما زالوا جزءاً من اللعبة٬ لأن وجودهم يفيد في استنزاف الجيش السوري وحلفائه، ولأن فصلهم عن سائر جماعات المعارضة المسلحة ذو كلفة باهظة؛ «فتح الشام»/»جبهة النصرة» في مدينة حلب وغيرها مثالاً.



وفيما الجميع ينتظر بداية مشوار النهاية لـ «داعش» وإنجازاً للمعركة ضده، بصيغة «دابق الصغرى» على الأقل، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليعلن على الملأ عدم رضاه عن مسار معركة الموصل، ولينصح الجميع بـ «قراءة التاريخ» لفهم علاقة بلاده بعربِ وأكرادِ وتركمانِ شمال العراق وسوريا. أراد أردوغان إفهام المشاركين في «معركة التحرير» التي تكاد تتحوّل كرنفالاً لكثرة المنضوين فيها، أنه معبرٌ ضروري للقضاء على «داعش». كلامه ذاك يعني أن تأجيل «يوم القيامة» في المشرق باقٍ، من دون أن يتمدّد «داعش» بالضرورة، فحتى انحسار الأخير يمكن توظيفه. أما كيف سيحصل التأجيل، فلننتظر ونرَ.

الاخبار اللبنانية

علق هنا