اتكابر بالعشق ياوطني .. أول قصيدة ينشرها الحطاب، وأول قراءة لعبد الحميد، ونشر تأخر أربعين عاماً !

بغداد- العراق اليوم:

لم أقل مثلهم : انني خالع وطني مثلما اخلع الخاتم الان من اصبعي

-    قصيدة أتكابر بالعشق -

........................................................................

.

أتكابر بالعشق، وقراءة الشاعر حسن عبد الحميد لها

.............................................................

علاقة اكثر من رائعة، ومعتّقة تربطني بالصديق الشاعر والناقد – تشكيليا وشعريا – حسن عبد الحميد، وعمر هذه العلاقة القى بظلّه الظليل على معرفتنا حتى كنّا نكاد ان نعرف ماذا يدور بخلد الآخر بمجرد النظر الى عينيه، فكيف ونحن نقرأ كتابات بعضنا -او نعود لقراءتها- ربما لإكتشاف ما فاتنا منها ونحن في عجلة الحياة.

. اعتزازي بكتابة عبد الحميد عن قصيدة " اتكابر بالعشق يا وطني – كوّنها أول قراءة واعية تقتحم معاقل هذه القصيدة وتستقرئ ما بين العوالم  التي تناولتها، او تلك التي تنبّأت بها قبل ما يقرب من 40 عاما !!

في حين تمت قراءة الكثير من قصائدي الأخرى وبشكل معمّق ودقيق التأويلات او المرجعيات، لكن هذه القصيدة كانت تمرّ بها النقود مرورا حيّيا، على الرغم من انها – وهي أول قصيدة نشرت لي، وكما اشرت وبارقى المحلات الادبية عراقيا وعربيا، وضعت أولى الخطوط الجغرافية لشعريتي – المتواضعة - التي بقيت تتأصّل بهذا الاتجاه، وتنمو حثيثا بين قصيدة وأخرى.

.

وربما سأعود انا لقراءة هذه القصيدة وكشف عوالمها، والأفق الذي سعت لتحلّق فيه، على صغر جناحيها.

.

يكتب حسن، وللأسف، ولطول منشوره، وطول القصيدة، سوف اجتزئ منه أهم الإضاءات، على أمل ان أنشر المقال الذي نشرته جريدة المدى في 14 تشرين أول 2014،  كاملا في الأيام القادمة .

تحيّة كبيرة لهذا الولد الفاتن الذي لا يملّ من حمل اصدقائه على كاهل قلبه

حتى وان اتعبوه كثيرا، كما أفعل ذلك معه .. دائما .

.

 نبوءة الشاعر وحدسه

 تهجيات حروف قصيدة (أتكابر بالعشق) ..

حسن عبد الحميد

:

الزمن الذي كتب فيه(الحطاب) قصيدته التي تقف، ببسالة حدس شعري باذخ القيمة، عميق الدلالة، صادق الانفتاح على مستقبل قادم...لا محال، يتجسد دفقا عاطفيا منسابا في مسامات رؤاه ونبل تصوراته- أمام أعين وأخيلة القراء والمتابعين لعراقة الشعر ونقاء تأملاته، واقتناص حدوسه،

...

فقد شكلت قصيدة (أتكابر بالعشق)-بعد مضي كل هذه السنوات من عمر تجربة شاعرها- امتدادا حقيقيا لجملة مواقفه الراسخة؛ فيما يخص ويتعلق بقضايا ومواثيق وطنية لم يحدّدها-سلفا- بسلفية أيدلوجية معينة بعينها، سوى سمة المثول والخشوع أمام هيبة وهوية الوطن الذي ولد فيه، نشأ وترعرع وظل على مقربة من لهيب وسعير ما تعرض إليهما-معا-(الوطن.. و الحطاب) وفي أشد نقاط الإخلاص النوعي والخاص له، من حيث توالي أيام العتمة والضوء التي على مرّت على العراق، ويأتي مرد الوقوف عند تخوم هذه القصيدة، بغية تلمس عدة أسباب ألزمت فينا إعادة قراءة وتهجي حروفها.. كما يبدو ذلك جليا في نسيج النص الذي كان قد أجترحه الشاعر الكبير(جواد الحطاب) ليس في قصيدة(أتكابر بالعشق) فحسب، بل في عموم ربوع مجموعته الأثيرة (سلاما أيها الفقراء)،

أن أية قراءة متفرسة، حيادية وحصيفة تسعى لأن تمسك بروح ذلك النص ستثبت مقدار وعينا وتطابقات بعض خواصه بحدود لوزام وتقنيات الدخول الى ثنايا تجربة(جواد الحطاب) وتعميد خلاصات هذا النص بثوابت ومفردات صور بارعة الهواجس، تكلل قسم كبير منها بمخاوف مبررة، وتلميحات تسللت-حينها-وانغرست وتمازجت مع روح الطين الحي لتلك الهواجس والمخاوف المبثوثة، والمبلولة بنار عراق(يطقات الجنود على الرمل والناقلات) أو بتلك الأوجاع الصادحة في(صفارة الحارس المتدثر .... بالفقر والثورة) وب(القوافل)التي (قد غادرت أمس ... عاصمة الملك الأموي)أو ب(حشد الجنود المغيرة/حاصرتني .. بأيتامها .. المدن المستباحة/والمدن المستريبة من آخر الليل /والأمريكان/والثكنات)وبحرص النداء الذي يباغتنا فيه قائلا؛(أيها العابرون تخوم الحجاز/قفوا ../ فعيون القوارب/مثقلة بالنعاس/وهذي المياه/تراهق في زمن/صغر الحب فيه/وطاردت الناس/عشاقها)أو بصدق ذلك الضمير الذي يقول من خلاله الشاعر الحطاب ؛(لم أقل مثلهم : انني خالع وطني/مثلما ... أخلع الخاتم الآن من أصبعي ..!!).

وغيرها من أحبار الحزن مختوما بالخوف على صفحات أوراق(أوطاننا ..دينها الحب..حكامها الفقراء..وسكانها ..مثلكم..متعبون) وغيرها من أشارات وصور شعرية ماجت بها غيوم وعواصف هذا النص، الذي حرصت على أن أترك للقارئ- الآن- جسّ بعض جوانب من تأويلاته، والغور في رهان طاقته التعبيرية وفحص كوامن ما يسكن فيه من بلاغة حدس، وصدق نبوءة شعرية، ما برحت تتلاقى وتتقارب بحدودها وتخومها مع تحليقات أرواح أمثال هؤلاء الشعراء ممن عناهم (المتنبي) ببيت شعره هذا؛ ( لا تلق دهرك إلا غير مكترث/ ما دام يصحب فيه روحك البدن).

القصيدة :

أتكابَرُ بالعشقِ يا وطني

-    مهداة الى ثوار الجزيرة العربية -

يَطَقاتُ الجنودِ على الرملِ

والناقلات ..

إلتَحَمْنَ مع الأفق

فلتوقظي ..

في الهزيعِ الأخيرِ من الليلِ

صافِرَة الحارس المتلفّعِ

بالفقرِ والثورة

فالقوافلُ ..

قد غادرت أمسِ

عاصمة الملك الأموي ..

أقول لصَحْبي :

 سأصلبُ في ساحةٍ

عَشِقتها العصافير

واستعذبت فجرها ..

 القبّرات

آهِ ..

لو انّ كل الطيور تهاجرُ

في الغبش القزحي ..

لحمّلت منقارها

حزمة من بريد الأحبّة

أوقدتُ أحزانهم ..

قمرا

 من دمٍ

ونحاس

تكون المسافة ما بيننا

:

المسافة ما بين سكّينهم

 والضلوع ..

......

أطلّ على حانة البحر

كانت حمائم مكّة في القاعِ

يرقصنَ

والنارُ بين جدائلهنّ

تساوم حشدَ الجنود المغيرة !!

حاصرتني – بأيتامها – المدنُ المستباحةُ

والمدنُ المستريبة من آخر الليلِ

والأمريكانِ

 والثُكُنات..

قيلَ لي :

إنَّنا عاشقون

وحبيبتنا طفلة

فَضّت الثكنات

نقاء بكارتها ..

(.. كانت الشفتان

   قناديل بغداد

   والقلبُ زنبقة

 لدفاتر أطفال بيروت نحملها ..)

حين ناديتُ

:

 يا نجمة

 ثكلتها السفائنْ

لهب البحرُ

والسمواتُ اشتعلنَ

ووجهث السنابلِ

إحمرّ من خجلٍ

أيّها العابرون تخوم الحجازِ

قفوا ..

فعيون القواربِ مثقلة بالنعاس

وهذي المياهُ ..

تراهقُ في زمنٍ

 صغر الحبّ فيه

وطاردت الناسُ عشّاقها !!

....

مثقل ..

بالجراحِ التي إرتدتني ..

مثقل

 بالجراح التي أرتديها..

أتكابرث بالعشقِ

للوطن المستحمّ بلؤلؤ جبهتنا ..

لَمْ أقلْ مثلهم :

إنني خالع وطني

مثلما ..

 أخلع الخاتمَ الآن من إصبعي !!

فخصوصية الموتِ

بين المصانعِ

بين المزارعِ

يحتكرُ الكادحون بطولتها ..

أنتمو ..

أيّها الواقفون

-    على بعدِ بعضِ خطىً –

اقبلوا

اقبلوا

اقبلوا

إنّنا ..

ملتقى الضائعين

وأوطاننا :

 دينها الحبُّ

حكّامها الفقراء ..

وسكّانها مثلكم

متعبونَ

إستراحوا على عشبنا

ليلة ..

واستفاقوا ..

.......

.......

.......

أتكابرُ بالعشقِ يا وطني

فاعطني لحظة ً

أتبادلُ فيها النزيفَ

ولونَ القميص الذي ارتديهِ

فالجياع ستأتي

والقوافل قد غادرت أمسِ

عاصمة  الملكِ التتري ...

علق هنا