تقرير: وصول البناء إلى رئاسة الحكومة دون دعم الصدر والسيستاني “انتحار سياسي”!

بغداد- العراق اليوم:

رأى تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي”، أن تحالف البناء أمام خيار صعب قد يعني “انتحاراً سياسياً”، في حال قرر خطف منصب رئاسة الحكومة دون دعم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والمرجع الاعلى علي السيستاني، فيما أشار إلى مخاوف من حملات عنف أشد قسوة من “جماعات موالية لإيران” رداً على تصعيد المتظاهرين لاحتجاجاتهم.

وقال التقرير، إن هذا العام سيُذكر بأكبر الاحتجاجات المناهضة للحكومة والأكثر ديمومة في تاريخ العراق الحديث، مبيناً أن ما بدأ في تشرين الأول، باعتباره تظاهرة صغيرة نسبياً لشبان، معظمهم من العاطلين عن العمل، سرعان ما أصبح حركة جماهيرية تعارض الطبقة السياسية الحاكمة.

وبحسب التقرير، الذي أعده الكاتب العراقي حارث حسن  فان “الحكومة العراقية والقوات شبه العسكرية المتحالفة معها ردت بالعنف غير المتناسب، فقتلت أكثر من 400 محتج حتى الآن وجرحت الآلاف”، موضحاً أنه “وكرد فعل على القمع، هاجم بعض المتظاهرين مكاتب الأحزاب السياسية والقوات شبه العسكرية، وكذلك القنصليات الإيرانية في كربلاء والنجف، وفي نهاية المطاف أجبرت التظاهرات رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي على الاستقالة، لكن هذا يمكن أن يكون له تأثير بسيط على المواجهة والمساومة بين الشارع والفصائل الحاكمة”.

وأضاف التقرير أن “الجماعات السياسية التي وضعت عبد المهدي في منصبه، لاتزال تملك القدرة على ترشيح رئيس وزراء جديد، وتحديد مسار البلاد في عام 2020، وستعمل على الحفاظ على الوضع الراهن من خلال التغييرات التجميلية للنظام، باستخدام الجزرة والعصا، نهجاً لإضعاف أو تفكيك حركة الاحتجاج”.

وتابع “تواجه النخبة السياسية تدقيقاً غير مسبوق من قبل الشعب العراقي، وقد يؤدي فشلها المتوقع في تنفيذ إصلاحات كبرى إلى تنشيط حركة الاحتجاج”، موضحاً أن “الخيارات التي اتخذتها الفصائل المهيمنة، بدءاً من اختيار رئيس وزراء جديد وإقرار قانون انتخابي جديد، ستحدد مسار الأحداث في عام 2020”.

ويشدد التقرير البريطاني، على أنه “من الصعب تخيل عملية سلسة تتخذ من خلالها الفصائل الحاكمة القرارات الصائبة سد الفجوة في الثقة مع الجمهور، حيث قاموا، على نحو غير مباشر، بتوجيه موارد الدولة لشبكات المحسوبية والميليشيات التابعة لهم، ويعتمد بقاؤهم على إدامة نظام توزيع السلطة الذي يوزع هذه الموارد فيما بينها، مع نشر المسؤولية عن إخفاقات الحكومة واختلال وظيفتها”.

ويشير التقرير للفصائل الحاكمة بالقول “لقد ضمنوا قدرتهم المستمرة على البقاء في السلطة واستخراج الموارد عن طريق تقويض حكم القانون، والتلاعب في الانتخابات، والاستخدام القانوني وغير القانوني للعنف، بينما يطالب المتظاهرون بإنهاء هذه الممارسات عن طريق تعزيز سيادة القانون على هذه الفصائل، وإدخال نظام انتخابي لا يعيد إنتاج هيمنتهم، وينهي تخصيص وظائف الدولة ومواردها”.

كما يبين أن “مثل هذه الإصلاحات، إذا تم تنفيذها بشكل حقيقي، من المفترض أن تضعف الفصائل المهيمنة، وهذا هو السبب في أنه من السذاجة أن نتوقع منهم أن يتنازلوا عنها طواعية”، مضيفاً أن “بعض هذه الفصائل، وخاصة تلك المدعومة من إيران، تواصل نشر روايات عن حركة الاحتجاج باعتبارها مؤامرة أجنبية، بالإضافة إلى ما تردد عن تورط الميليشيات المدعومة من إيران في قمع الناشطين واختطافهم وتخويفهم، وتنظيم مظاهرات مضادة مؤطرة كمحاولة لإزالة العناصر غير المنضبطة من ساحة التحرير ببغداد”.

ويتطرق التقرير الى مواقف الكرد والسنة بالقول، انه “ولإضافة المزيد من التعقيد، لا ترغب الأحزاب الكردية والسنية، التي لا تواجه احتجاجات في مناطقها، في التخلي عن المزايا المضمونة من خلال نظام الحصص القائم على الطائفية، أو قبول نظام انتخابي لا يخدم مصالحها. وبالتالي، لا يزال البرلمان العراقي، يخضع إلى مجموعات ليس لديها حافز لإصلاح النظام بشكل كبير”.

ويحذر التقرير من أنه “ومن أجل استعادة النظام وفرض مرشحها لمنصب رئاسة الحكومة، قد تقرر الجماعات المدعومة من إيران تصعيد استخدام الوسائل القمعية، وتأكيد سيطرتها على الأجهزة الأمنية وتحويل العراق إلى دولة أكثر استبدادية، حيث تم إغلاق وسائل الإعلام المتعاطفة مع حركة الاحتجاج، وتم إغلاق شبكة الإنترنت بشكل متقطع، ولم يتم تقديم أي من كبار القادة الذين أمروا بقتل المتظاهرين إلى العدالة بينما تستمر اغتيالات الناشطين السياسيين”، مشدداً أن “الاستبداد يعني توطيداً إضافياً للسلطة في يد فصيل مهيمن، وهو ما يصعب الآن، بالنظر إلى الطبيعة المجزأة للقوة في العراق. وقد تكون تكلفة مثل هذه الخطوة عالية للغاية، بالنظر إلى أن القوى السياسية والاجتماعية الأخرى ستقاومها لحماية حصتها من السلطة أو الحكم الذاتي أو النفوذ”.

التقرير البريطاني أكد أيضاً، على “عدم وجود رؤية واضحة لتوحيد الفصائل الحاكمة، حيث يستخدم البعض الأزمة الحالية لتحسين ثقلهم السياسي، مما يزيد من تعقيد الصورة، فاستقالة عبد المهدي وضعت حداً للشراكة المشبوهة بين ائتلاف سائرون بزعامة مقتدى الصدر، وحركة فتح، وهو تحالف من الأحزاب المدعومة من إيران والقوات شبه العسكرية التي تقود تحالف البناء، حيث اختار الائتلافان عبدالمهدي كمرشح حل وسط في عام 2018”.

وبشأن موقف الصدر مما يجري، رأى التقرير أنه “وبالرغم من استفادته بانتظام من نظام توزيع السلطة، يستمد الصدر سلطته السياسية إلى حد كبير من الحركة الشعبية التي يغلب عليها الشيعة المحرومون، كقائد شعبوي، لا يمكنه الحفاظ على هذه السلطة، التي تهددها بالفعل حركة الاحتجاج الشعبية المستقلة، وفي الوقت نفسه، قد يرى هذه فرصة لتغيير المعادلة السياسية لصالحه”.

وحول موقف المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، يذكر التقرير ان “السلطة الشيعية الكبرى (السيستاني) الذي فسر عبدالمهدي، خطبتها في 29 من تشرين الثاني الماضي، على أنها تعليمات بالاستقالة، أمرت ممثليها بعدم تأييد أي مرشح، لأنه (السيستاني) يعتقد أن النخب السياسية يجب أن تنقذ نفسها من خلال تبني إصلاحات حقيقية”.

ويلفت الى أن “هذا الامر ترك لحركة فتح والجماعات المتحالفة معها، كتلك التي يقودها نوري المالكي وفالح الفياض، أمام خيار صعب، إذا اختاروا مرشحاً دون موافقة الصدر أو تأييد السيستاني، فسيدخلون في مواجهة مباشرة مع الشارع، كائتلاف مسؤول عن إدارة الحكومة المنتخبة، وسيكون الخيار المثالي هو الوصول إلى صفقة جديدة مع الصدر، وهو ما قد يعني قبول معادلة أقل تناسباً للسلطة، من تلك المضمونة عن طريق اختيار عبدالمهدي”.

ويؤكد التقرير أن “أي صفقة محتملة ستتأثر إلى حد كبير برد الشارع، الذي يلعب اليوم دور مغيّر اللعبة، ولديه قدرة من خلال عدد كبير من العراقيين، على تعبئة وتنسيق أعمال الاحتجاج دون تدخل أو تلاعب فعال من أي مجموعة سياسية منظمة، لكن نجاح حركة الاحتجاج يعتمد على قدرتها على وضع أجندة متماسكة للمستقبل، وتحويل تعبئة الشوارع إلى قوة سياسية منظمة”.

ويشير إلى أنه “في العراق، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، أثبت هذا النوع من حركة الاحتجاج غير القيادية واللامركزية وغير الحزبية قدرته على مفاجأة النخب الحاكمة، لكنها فشلت في كثير من الأحيان في وضع بديل واضح، أو تحويل تعبئة الشوارع إلى فوز في الانتخابات، وبالإضافة إلى ذلك، تمثل قدرة المتظاهرين على الحفاظ على الدعم المجتمعي تحديًا آخر، خاصة وأن قوات النظام تسعى إلى تسليط الضوء على الجانب غير المنضبط من الاحتجاجات وتصرفات العناصر الأقل انضباطاً بينها”.

ويختم التقرير، أنه “وبدون دعم وتعاطف معظم شرائح المجتمع، سيجد المحتجون صعوبة في الحفاظ على مستوى التعبئة والمرونة التي تمتعوا بها حتى الآن، ويمكن أن يعانون من التعب الثوري، مما يجعلهم عرضة لمحاولات الترهيب من الفصائل الحاكمة، ولم تعد العودة إلى الوضع الراهن قبل تشرين الأول ممكنة؛ ومع ذلك فإن التغيير الشامل الذي يزيل بالكامل الطبقة الحاكمة لا يزال غير مرجح. وبدلاً من ذلك، ستستمر المواجهة والمساومة بين الشارع والطبقة الحاكمة، وستعتمد نتائجه على أي منهما يثبت أنه أكثر مرونة وقدرة على التكيف”.

علق هنا