لهذه الأسباب .. الاحتجاجات الشعبية عصيّة على الذوبان مع اشتداد البرد!

بغداد- العراق اليوم:

راهن السياسيون العراقيون، كثيرًا على فصل الشتاء، لتذويب الاحتجاجات الشعبية، مع نزول الأمطار والثلوج، وهو ما أطلق تحديًا بين الطبقة السياسية والمعتصمين في الساحات العامة، بشأن بقائهم، فيما ارتبطت أجوبة المحتجين حول أسباب هذا الصمود، بما هو أعمق من “تحقيق المطالب”؛ بل بأسباب أخرى تتعلق بـ”الدم”.

وذكر تقرير لوكالة الأناضول  أنه “في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، والتي تحولت إلى رمز للاحتجاجات المناوئة للحكومة والطبقة السياسية الحاكمة، لا يزال المكان ينبض بالحياة ويعج بالمتظاهرين رغم برودة الطقس”.

وأضاف: “تنخفض درجات الحرارة في ساعات المساء ببغداد لتصل إلى 4 مئوية ليتسلل معه البرد إلى معقل المحتجين الذين يقولون إنهم لن يبرحوا مكانهم تحت أي ظرف كان إلى حين تحقيق مطالبهم”.

وقال خالد السيد، وهو معتصم في ساحة التحرير منذ أكثر من شهر، إن “الأجواء تكون باردة نوعا ما في ساعات المساء حتى بزوغ الفجر”.

وأضاف “هذا لا يعني شيئا بالنسبة لهم، مشددا بالقول، “إذا لم تنجح ثورة أكتوبر في تحقيق مطالبها، فهذا يعني بأننا حفرنا قبورنا بأيدينا. سيلاحقون كل واحد منا لحين تصفية كل الناشطين”.

وأكد السيد على عزم المتظاهرين الاستمرار في الاعتصام بساحة التحرير لحين تحقيق مطالبهم ورحيل “الطغمة السياسية الفاسدة”.

ويرابط المئات من المتظاهرين في ساحة التحرير ليلا ونهاراً وينضم إليهم آلاف آخرون في ساعات بعد الظهيرة قبل أن يغادروها مجددا إلى منازلهم مع حلول الليل.

ويلجأ المتظاهرون المعتصمون إلى كل ما يتيسر لهم لتدفئة أجسادهم من برد الشتاء من خيم صغيرة أو إشعال النيران في الحطب أو المدافئ الكهربائية وأخرى تعمل على الوقود.

وفي أسفل نصب الحرية للنحات العراقي الشهير جواد سليم، نصب المتظاهرون شجرة عيد ميلاد غير اعتيادية إلى جانبها صورة لمريم العذراء ومجسم للسيد المسيح.

ولم تعلق على الشجرة زينتها المعتادة، بل صور عشرات المتظاهرين الذين قتلوا منذ بدء الاحتجاجات الشعبية قبل أكثر من شهرين، في مشهد يضفي الحزن على المكان.

وقال حميد الجابري، بعد أن انتهى من قراءة سورة الفاتحة على أرواح القتلى أمام شجرة عيد الميلاد، إن الناس لن تعود أدراجها بعد إراقة كل هذه الدماء.

وأردف بالقول، “انظر إلى صور هؤلاء الشبان اليافعين. يجب أن ينال قتلتهم جزاءهم. لن نغادر هذا المكان وسنصمد إلى أن نلتحق بهم أو نقدم قتلتهم إلى القضاء”.

وبشأن أزمة اختيار رئيس جديد للحكومة، قال الجابري، إن المتظاهرين يطالبون بشخص مستقل تماما وليس مستقيل، ونزيه وانتماؤه للوطن ولا يخضع للخارج.

ويشهد العراق احتجاجات شعبية غير مسبوقة منذ مطلع تشرين الأول الماضي، وتخللتها أعمال عنف خلفت 496 قتيلا وأكثر من 17 ألف جريح، استنادًا إلى أرقام مفوضية حقوق الإنسان ومصادر طبية وأمنية.

ويوم أمس، كشف تقرير صحفي أن عدد الخيام في ساحة التحرير ازداد مؤخرا من 90 خيمة إلى 250، مشيرا إلى أن الأمر على علاقة بالطقس.

وقال التقرير الذي نشرته صحيفة “الشرق الأوسط”، وتابعه “ناس”  (19 كانون الأول 2019)، إنه “قبل نحو شهر، لم يكن في ساحة التحرير أكثر من تسعين خيمة، ينام فيها المعتصمون”.

وأضاف، “كان عدد الخيام يكفي ويفيض، ليس لأن أعداد المعتصمين قليلة، إنما لأن أعداداً منهم تفترش الشوارع والأرصفة وتلتحف السماء. فطقس العراق في شهري أكتوبر (تشرين الأول) ومنتصف نوفمبر (تشرين الثاني) تطيب نسائمه ويرقّ هواؤه، لذلك كان الشباب لا يكترثون كثيراً لمسألة النوم، فحيث ما تسهد عيونهم يمكن أن يغمضوها”، مشيرا إلى أنه “مع حلول النصف الثاني من شهر نوفمبر والنصف الأول من شهر ديسمبر (كانون الأول) ومع الانخفاض المتواصل في درجات الحرارة، أصبحت الأمور أكثر تعقيداً، لذلك بدأت منذ نحو ثلاثة أسابيع تزداد باطراد عدد الخيام وربما تجاوزت الـ250 خيمة”.

وجاء في التقرير، الذي أعده الصحفي العراقي فاضل النشمي، أنه “عند مدخل الساحة من جهة شارع السعدون نصبت خيام جديدة وامتدت لتشمل جميع مقتربات الساحة تقريباً، في الشارع المؤدي إلى ساحة الطيران والآخر المرتبط بساحة الخلاني، وفي نفق التحرير الذي كان خالياً تماماً”، مشيرا إلى أن الخيام “تتوزع في كل مكان من الساحة على أمل أن تقي المعتصمين ولو بدرجة معقولة برد الشتاء وأمطاره التي لم تتساقط لحسن الحظ بغزارة حتى الآن ما قد يؤدي إلى انسحاب المعتصمين اضطراراً، وهي أمنية غالية على قلوب السلطات وأتباعها على أي حال”.

وذكر التقرير، أنه “في جو تقل درجة حرارته ليلاً عن 8 درجات مئوية، تغدو الأمور صعبة على مواطني المناطق الحارة مثل العراق، إذ إنهم لم يألفوا البرد وصيفهم تزيد درجة حرارة بعض أيامه على الخمسين درجة، مضيفا أنه “مع ذلك، وهذه ربما أحد أسباب مطاولة “شباب تشرين” وصمودهم لأكثر من شهرين في ظل أقسى الظروف، يكاد لا يسمع المار من هناك وحتى في هذه الساعة المتأخرة من الفجر عبارة تذمر واحدة، وإن سمع فقد تتعلق بنقص التجهيزات أحياناً أو عدم المعرفة الدقيقة بالوقت اللازم للبقاء في الساحات لتحقيق المطالب.

ويقول التقرير إن الخيام ليست مخصصة للنوم جميعا، فبعضها للمؤن وآخر لمعدات الطبخ، وثمة خيم مخصصة للطبابة ومعالجة المرضى، مشيرا إلى أنه لا عدد ثابت بالنسبة لسكان الخيمة، أحياناً يكثر ليزيد على العشرة في الخيم الكبيرة، ولا يتجاوز الثلاثة أو الأربعة في الخيمة الصغيرة، وبعض الخيام من النوع الصغير الذي يتسع لشخص واحد للمبيت ونادراً ما تجد وسائل التدفئة في الخيام. بعض الشباب يعمدون إلى حرق الأخشاب في الشارع أو قريباً من الخيمة للتدفئة والتخلص من الإحساس بالبرد ولو إلى حين.

ويقول التقرير، “أثناء دخولنا ساحة التحرير بحدود الساعة الثانية فجراً شاهدنا أربعة فتيان، بملابس شبه صيفية، يرقصون بمرح على أنغام موسيقى أغنية حماسية حول المظاهرات وانتفاضة الشباب من النوع الشائع جداً هذه الأيام. في إحدى الخيام سمعت مجموعة من الشباب يرددون على وقع آلات إيقاعية أغنية شهيرة لمطرب محلي. حاولنا الدخول والسلام فلم أفلح. كانت (أبواب) الخيمة مغلقة بإحكام تلافياً للبرد”.

ويضيف، “عند مدخل ساحة التحرير واجهتنا عبارة «أنا أحب التحرير» كتبت بالحروف الإنجليزية ووضعت مؤخراً في الساحة. وقفنا عند منتصف اللوحة من الجهة المقابلة وقمنا بالتقاط مجموعة كبيرة من الصور على أمل أن تكون إحداها قابلة للنشر”.

يقول كاتب التقرير، “لفت الحاحي أحد الشباب الواقفين، فسألني قائلاً: «لماذا تلتقط هذا العدد الكبير من الصور؟ لم أشرح له وباغته بسؤال آخر: هل أنت خائف؟ فرد لا طبعاً ولماذا أخاف. كان تقديري أنه تعرض للإحراج فاضطر ليكذب، فمسألة التقاط الصور من قبل الغرباء لا تحظى بالترحاب دائماً في ساحة التحرير نتيجة خشية كثيرين من أن يكون المصور أحد عناصر الأمن أو أفراد «الطرف الثالث» كما يسمونهم. عقب سؤالي بادرته مبتسماً: لا تخف عزيزي إنما أنا صحافي وأعمل على قصة عن ساحة التحرير في هذا الوقت من الفجر. فضحك هو الآخر بين مصدق وغير مصدق وطلب أن نلتقط معاً صورة للذكرى!”.

يضيف، “بعد ذلك، ذهبت إلى خيمة تحت نصب «الحرية» فيها أصدقاء «ثوريون». بعد التحية والسلام والحديث الصاخب عن الثورة ومآلاتها، طلبت من أحدهم أن يصحبني بجولة في الساحة وصولاً إلى المطعم التركي أو ما بات يعرف بـ«جبل أحد»”.

وتابع، “عند استدارة ساحة التحرير المؤدي للجبل، شاهدت مجموعة من الشباب وهم يلعبون كرة القدم، وعلى بعد أمتار قريبة منهم ركن شاب متبرع سيارته «الكيا» وقام بتوزيع حساء العدس (الشوربة) على المارين”، مضيفا “سألني رفيقي: هل أجلب لك صحن شوربة؟ أجبت: سيكون من المناسب جداً أن تدفأ أحشائي بصحن ساخن. ذهب مسرعاً وجلب صحنين، التهمناهما على عجل وتوجهنا إلى المطعم التركي”.

علق هنا