الحلبوسي يسمع نداءات الناصرية، ويتحرك نحوها، فهل ستبدأ بوجوده رحلة انهاء معاناة ابناء الجنوب ؟

بغداد- العراق اليوم:

 بقلم جواد شاكر حسون

اليوم ايضاً سجل رئيس مجلس النواب العراقي محمد ريكان الحلبوسي موقفاً آخر في سلسلة المواقف الوطنية الجامعة التي يسجلها منذ تسنمه منصبه في الدولة العراقية، مؤكداً عراقيته الخالصة، ووعيه السياسي والوطني المتطور، حينما انتفض كأي غيور عراقي لمأساة مرضى السرطان في الناصرية، واستجاب للمناشدات عبر اجراءات سريعة وحاسمة. ففي الوقت الذي طلب فيه رئيس مجلس النواب من النائب ستار الجابري تزويده بالتقارير الخاصة بنقل المنحة الكويتية من محافظة ذي قار الى محافظة اخرى، وهي المنحة المقدمة لانشاء مركز للكشف ومعالجة الاورام السرطانية في المحافظة التي تعاني من ارتفاع مخيف في حالات الاصابة بهذا الداء الفتاك، وحصر المدة لتقديم التقرير  ب ٢٤ساعة فقط، فأنه وعد باجراءات سريعة من بينها اصطحابه لوفد نيابي وحكومي لزيارة المحافظة والوقوف على حقيقة الاوضاع هناك، وايضاً وضع معالجات سريعة وحاسمة لمثل هذا الملف الحساس،في موقف نال رضا واعجاب الكثير من النواب والمراقبين والمواطنين العراقيين الذين وجدوا في هذا النفس الوطني املاً جديداً، ولحظة فارقة في اداء رأس السلطة التشريعية الذي انبرى وينبري للاهتمام بملفات خدمية وتنفيذية ورقابية ايضاً، في وقت تسجل السلطة التنفيذية نكوصاً مفجعاً في معالجة مثل هذه الملفات.

رئيس لكل العراقيين

ورأى مواطنون في خطوات رئيس مجلس النواب المتتالية بأنها تشكل تحولاً في شكل العلاقة التي شهدت قطيعة طويلة بين رأس هذه السلطة وبين الشارع العراقي، لا سيما في وسط وجنوب العراق، في وقت كانت بعض رئاسات هذا المجلس تنحاز الى منطقة جغرافية معينة، وتغض النظر عما يجري في سائر مناطق البلاد، وهو أمر كرس للأسف مفهوم الانقسام المجتمعي المبني على جذر سياسي خاطئ، الا ان التحول الاخير قد يغير قواعد اللعبة ويكسر مثلث القداسة الطائفية، حين ينفتح سياسي مسؤول مثل الحلبوسي على كل الفضاء الوطني ويؤدي مهاماً متعددة، مغلقاً بذلك الفراغ الذي خلفته السلطة التنفيذية الضعيفة خلفها، ومؤكداً بقوة الواقع، قدرته كقائد وطني شاب على تكريس التجاوز الطائفي والقومي الى واقع جديد، تؤدي فيه  احدى السلطات الحاملة لمشروع الدولة دورها بقوة واقتدار، وتنجز مهامها ومسؤولياتها الوطنية تجاه المواطن اياً كان انتماؤه او قوميته. هذا التغيير الجذري يضع الجميع امام مسؤولية كبرى في تعميق هذا المسار، والبناء فوق هذه الاسس الصحيحة التي ظهرت للمرة الاولى في الواقع السياسي، وتكاد تتحول الى شاخص في استكمال حلقات الدولة الناجزة، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.

الحلبوسي … السير في حقول الملفات المتفجرة

ان ينبري رئيس مجلس نواب لمهام تنفيذية كهذه الخطوة، والخطوات التي سبقها في معالجة ملف المغيبين، وملف استهداف الحشد الشعبي، وملف النفط والتوتر الهائل الذي يحيط العلاقة القلقة التي تهدد بالإنفجار بين الاقليم والمركز، وان ينجح الرئيس في نزع فتيل النزاعات في اللحظات الأخيرة، يعكس كما اشرنا قدرة هذا الرجل على الحراك والمرونة العالية، وتحرره الذاتي والموضوعي من نزعات الطائفية او المناطقية، لكنه يؤشر ايضاً  الى ان ثمة خللاً بيناً في أداء السلطة التنفيذية ادى الى ان ينبري رئيس السلطة التشريعية - مضطراً - الى اخذ زمام المبادرة، واكمال المهام التي تتعلق بحياة الناس ومستقبلهم واقتصادهم وأمنهم، وإلا فإن حرائق التوترات والأزمات السياسية والصحية والمعيشية والطائفية ستشتعل في كل المناطق والمواقف العراقية، وتحرق الأخضر واليابس.

ولادة بعيداً عن تشوهات الماضي وعقد الحاضر

هنا يتوجب علينا أن نشخص بموضوعية وجود نقلة نوعية في الاداء السياسي العراقي، عبر ولادة  قيادة شابة من الداخل العراقي اولاً، وغير ملطخة بأرث النظام السابق، او متورطة في طائفية اللاحق، قادرة على السير بلا عقد ترهقها، ولا ازمات تعيقها، بمعنى ان الحلبوسي وربما صفاً آخر سيأتي معه ومثله، لا يرتدي الآن غطاءً سوى الانتماء الوطني بمفهومه العام، فالرجل يصنع تاريخه ومستقبله السياسي معتمداً على إيمانه بالمواطنة نهجاً وسلوكاً، وبرفضه القاطع لتحويل الطوائف والقوميات الى متارس وخنادق للاحتراب الداخلي، بل ان البعض حولها الى نافذة للإختراق الاجنبي وارتهان القرار السيادي والوطني للأسف. لكن الاشارات والبشارات التي يطلقها الحلبوسي تباعاً تدفعنا الى التكهن بقرب فك اسوار الطوائف الشاهقة، وظهور الروح الوطنية كصيغة عليا، وقيمة فريدة، ولغة حقيقية للتفاهم والتقارب الوطني، وهذا يعني اننا نقترب من الانتهاء من حقبة العزف الطائفي او الاثني، والبدء بمرحلة جديدة تماماً معيارها الكفاءة والولاء الوطني والقدرة على الإنجاز، ففي الواقع لا نحتاج الى سني في رأس السلطة التشريعية لكونه سنياً فحسب، ولا نحتاج الى رئيس حكومة شيعي، لكونه شيعياً فحسب، ولا لرئيس كوردي لكونه كوردياً فحسب، بل ان العراق بحاجة الى قادة عراقيين فقط، وهو ما يحققه الآن الحلبوسي بكثير من الثقة والاطمئنان لنجاح مهمته السامية، مما يدفعنا الى الاشادة بهذا الدور الوطني والدفع بأتجاه تكريسه في اعراف ومسلمات عمليتنا السياسية المتعثرة للأسف الشديد، آملين أن يستمر في هذا التوجه الوطني، وعلى هذا الخط المستقيم، حتى لو إعترضته - بل وستعترضه حتماً -الكثير من الموانع والحواجز والألغام، وأن لا يتراجع قيد أنملة عن فقرات برنامجه الوطني والقيمي والأخلاقي الإنقاذي.

علق هنا