مجلس مكافحة الفساد يفتح باب الفساد على مصراعيه أمام شركة سومو !

بغداد- العراق اليوم:

يقال في فن الادارة الناجحة، ان مبدأ التقيد والتحجر والتطبيق الحرفي للقوانين، قد يتسبب في الاخفاق اكثر ما يوصل للنتائج المرجوة والمتوخاة، ولذا فأن الادارة الناجحة هي تلك التي تملك قدراً كبيراً من المرونة والقدرة على توظيف المقدرات والامكانات المتاحة، والبناء فوق الشواخص الناجحة، ومراكمة المنجز، وهذا بالتأكيد هو سر نجاح وتفوق الكثير من المؤسسات العملاقة حول العالم، سواء اكانت في حقول العلوم او الطاقة او التكنولوجيا. نسوق هذه المقدمة للاشارة الى ان بعض الاجراءات التي تأتي من باب الحد من الفساد في العراق اليوم، قد تؤدي الى نتائج عكسية، ان لم تراعى فيها اسس النجاح ومتطلباته، وكمثال على هذا نشير  الى مشكلة حقيقية ظهرت بظهور المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، إذ راح هذا المجلس يجري في كل النواحي والسواقي ويدس أنفه في التفاصيل الكبيرة والصغيرة، حتى بات يتدخل في الشؤون الفنية الخاصة بآلية عمل الوزارات والدوائر، ونحن هنا لسنا ضد عمله مهما كان، ولا ضد تدخلاته مهما تنوعت، خاصة حين تكون منسجمة مع الخطوط العامة، وتصبح قراراته نعمة للبلاد وليس نقمة عليها، لكننا ضد الخطأ مهما كان مصدره. وحتى لا نتهم بدعم الفساد، ودعم الفاسدين على حساب مجلس مكافحة الفساد، فإننا فقط ندعو هذا المجلس الخطير الى اعتماد الرأي الفني، والتشاوري مع أكثر من طرف من اطراف القضية - أية قضية تعرض عليه - وأن لا يعتمد رأياً واحداً يأتي به اليه هذا الوزير، أو ذاك المدير العام، مهما كان قريه، أو علاقته برئيس الوزراء، الذي هو رئيس مجلس مكافحة الفساد نفسه، وان لايثق بنوايا احد من المسؤولين، فليس بعد الأئمة المعصومين عليهم السلام، شخص معصوم قط!وكي نعرض بعض الامثلة التي وقع فيها هذا المجلس المحترم بالخطأ، خاصة حين يكون ثمن هذا الخطأ خسارة للبلد تتجاوز المليون دولار يوميا، فإن الواجب علينا كإعلام وطني مسؤول أن نقول بصوت عال لهذا المجلس: قف، فأنت أخطأت ياهذا ! وعليك ان تتوقف عن ارتكاب مثل هذه الأخطاء، وقبل ذلك عليك ان تصحح اخطاءك الجسيمة، او أن تحل نفسك وتغادر هذه المسؤولية الخطيرة التي تحملتها بمحض ارادتك ! نعم، فحين يعرض هذا المجلس مصلحة البلد للخطر، ويتسبب بخسائر مالية كبيرة لمجرد أن يرضي مزاج هذا الوزير، أو يداري تلك الجهة، فيعتمد قرارات كارثية، مثل قراره السيء بحصر بيع المنتجات النفطية بشركة سومو حصراً، وهو - أي المجلس - يعلم، أو كان عليه أن يعلم، إن لم بكن أحد قد أخبره، بأن شركة سومو هي أسوء شركة تسويق نفطي بين جميع شركات التسويق المصدرة للنفط في العالم، وفي سجلها كوارث لا تعد ولا تحصى في هذا المجال. ونحن هنا نتحدث بالأرقام الحسابية وليس بالتوقعات، أو الإحتمالات، فهذه الشركة لم تستطع ان تنفذ التزاماتها في حدود المسؤولية المناطة بها حالياً، ولا نعرف كيف ستنفذ التزامات كبيرة أخرى مضافة وان تتحمل أعباء وأثقالاً جديدة، وهي تعلم جيداً أنها غير قادرة على ذلك بالمرة، وقديماً قالوا أن "فاقد الشيء لا يعطيه" ! ونحن نقول ان ادارة سومو التي تعجز حالياً عن تصريف المنتجات النفطبة التي إنبرت لتصريفها متطوعة، وهي ضمن مسؤوليتها الحالية، بحيث توقفت مصافي نفطية عديدة نتيجة لهذا الفشل وهذا التقصير الكارثي، وسنتعمق بالتفاصيل، لكننا أردنا ان نوضح أولاً مسألة مهمة، مفادها ان مجلس الفساد - أو مجلس مكافحة الفساد - إعتقد بقراره المتضمن حصر عمليات بيع المنتجات بشركة سومو، انه سيعيد الاختصاص لصاحبه الرئيس، وهذا صحيح نظرياً وقانونياً، لكن الواقع يقول شيئاً اخر، كيف؟. في التفاصيل، نود الاشارة الى ان العراق يملك واحدة من اهم شركات توزيع  المنتجات النفطية في الشرق الاوسط، وهي الشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية، وتضطلع هذه الشركة بعمل استراتيجي وهام جداً، حيث كانت تقوم بتوزيع ما تنتجه المصافي الوطنية من مشتقات نفطية، بشكل يضمن لهذه المصافي الاستمرارية في العمل والانتاج، ويضمن وصول المنتج للمستهلك النهائي سواء اكان افراداً او معامل، أو حتى مؤسسات، بمعنى ان حلقة الانتاج ومهما تكن جاهزيتها، تعتمد كلياً على التوزيع، فلا انتاج مستمر دون تدفق سلس للمنتجات، وهذه بديهة معروفة. وللحق فقد نجحت شركة التوزيع نجاحاً ممتازاً، تؤكده الارباح المالية الكبيرة المتحققة، واستمرارية العمل بشكل آلي دون أي توقف سواء لدى جهة المصافي المنتجة، أو الناقلة، او المستهلكة، لكن ماحدث ان قرار مجلس مكافحة الفساد اعاد او سحب صلاحية تصريف المنتجات النفطية من شركة التوزيع، وأوكل المهمة الى شركة سومو دون أي مسوغ مقنع، سوى تلبية رغبات بعض الجهات، وهي لعمري جهات معروفة بالأسماء والعناوين، لا يفيد ذكرها كل مرة، وهنا يجب ان نوضح للقاريء الكريم بأن المنتجات النفطية التي اعيد أمر تسويقها الى شركة سومو، هي منتجات ثانوية لا تتعلق بتسويق النفط"البترول" الذي تشرف على تسويقه عالمياً شركة سومو، ولا تنافسها عليها اي جهة عراقية، إنما هو منتوج (النفط الأسود والنافتا) فقط. أظن ان اعتقاد مجلس مكافحة الفساد بأنه ينفذ فقرة قانونية مدونة في قانون شركة التسويق " سومو " هو إعتقاد صحيح شكلاً وتدويناً، لكن ما حدث بعد تنفيذه هو الأمر غير الصحيح، خاصة وقد أصبحنا امام مشكلة عويصة، حيث أن شركة سومو، ونظراً لاتساع مسؤولياتها، وسعة عملها، فضلاً عن ما تعانيه من مشاكل في نوعية ادارتها، وضعف الخبرة التي تملكها هذه الادارة، وما يدور في الأروقة النيابية عن فساد ومشاكل مالية وفنية جمة تعاني منها هذه الإدارة، وهو أمر لم يعد خفياً قطعاً، كل هذا جعل من سمعة شركة سومو في حال لا تحسد عليه. لذا نرى ان فشل سومو في تصريف المنتجات النفطية المتكدسة في المصافي قد تسبب بعطل عملية الإنسياب، ومن ثم عدم تخليص المصافي من مادتي النفط الاسود والنافتا اللتي تسببتا بتوقف تام لأغلب المصافي النفطية في العراق. ان ضعف اجراءات التوزيع من قبل شركة سومو وبطئها، فضلاً عن عدم اختصاصها، قد ولد مشكلة كبيرة تمثلت في امتلاء خزانات المصافي بهاتين المادتين، مما تسبب في ايقاف الوحدات التكريرية عن العمل تماما، كما هو الحال بحسب المعلومات في مصافي كركوك والقيارة وميسان  والنجف وغيرها من المصافي. هذا الامر استوجب  ان تسارع سومو الى اتخاذ اجراءات سريعة من اجل حل هذه المعضلة، مما دفعها لاستخدام آلية حقن البنزين المستورد وخلطه بهاتين المادتين في مصفى كركوك، مما يتسبب في هدر كبير يصل الى حوالي مليون دولار يومياً، حيث ان سعر الطن الواحد من النفط الاسود هو ٤٠٠ دولار، فيما سعر طن النافتا هو ٦٠٠ دولار، وبحسبة بسبطة يتضح اننا نخسر حوالي من ٨٠٠ الف الى مليون دولار يومياً، بسبب هذه العملية. كما ان لعمليات الحقن أضراراً صحية سرطانية وبيئية خطيرة فضلاً عن تسببها بتضرر المستهلك الاخير وهو  المواطن ومركبته. وبحسب مصادر، فأن توقف المصافي عن العمل بسبب امتلاء خزاناتها بالنفط الاسود والنافتا تسبب بزيادة عمليات الاستيراد للبنزين والمشتقات الاخرى بنسبة ٤٥٪؜ تقريباً، وهي خسائر اضافية عما يخسره البلد من جراء هذا القرار . وهو امر يثير الاستغراب خاصة وان رئيس مجلس مكافحة الفساد السيد عادل عبد المهدي كان وزيراً للنفط، ويعرف جيداً حجم هذه الكارثة، وأضرار مثل هذا القرار غير المدروس. واذا كان في نية المجلس ان يضع الامور في نصابها القانوني، فإن القرار قد اتجه اتجاهاً اخراً كما هي المعطيات والارقام على الارض. واذا احسنا الظن بمثل هذا القرار، فكيف نقرأ مثل هذا التدخل في شؤون فنية تفصيلية لوزارة تخصيصية مثل النفط، لاسيما وان  المجلس يريد الاصلاح وهو مشروعه كما يدعي. لقد كان الأولى به دراسة قراراته من الجوانب كافة قبل الاقدام على اتخاذها، حتى نصل للمبتغى المتمثل بنجاح العمل وغلق الفساد، فليس من المعقول ان نوقف الفساد بايقاف العمل، او التسبب بخسائر مالية هائلة كما حدث في مثل هذا القرار الإرتجالي! علماً بأن الفساد في سومو قد وصل الى مستوى لم بصل اليه احد سواء أكان في وزارة النفط او في غيرها من الوزارات العراقية !

علق هنا