تقرير دولي”مخيف” عن مياه البصرة: الأقمار الصناعية كشفت تسرباً نفطياً!

بغداد- العراق اليوم:

قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن السلطات العراقية لم تضمن على مدى نحو 30 عاما حصول سكان البصرة على كفايتهم من مياه الشرب المأمونة، مما أدى إلى استمرار المخاوف الصحية، ووصل هذا الوضع إلى ذروته مع أزمة مياه حادة تسببت بدخول 118 ألف شخص على الأقل إلى المستشفى في 2018 وأدت إلى احتجاجات عنيفة. وذكر التقرير الذي صدر في 116 صفحة، بعنوان “البصرة عطشانة  أن “الأزمة هي نتيجة لعوامل معقدة والتي، إذا تُركت دون معالجة، ستؤدي على الأرجح إلى تفشي الأمراض المنقولة بالمياه في المستقبل واستمرار المصاعب الاقتصادية”. وتقول المنظمة إن “السياسيين قصيرو النظر يتخذون من زيادة هطول الأمطار سبباً لعدم حاجتهم للتعامل بشكل عاجل مع أزمة البصرة المستمرة، لكن البصرة ستستمر في مواجهة نقص حاد في المياه وأزمات تلوّث في السنوات المقبلة، مع عواقب وخيمة، إذا لم تستثمر الحكومة الآن في تحسينات مُستهدَفة وطويلة الأجل ومطلوبة بشدة”. وأضافت أن “السلطات تقاعست عن إدارة وتنظيم الموارد المائية في العراق بشكل صحيح، مما حرم الناس في محافظة البصرة بجنوب العراق – عددهم 4 ملايين نسمة – من حقهم في الحصول على مياه شرب مأمونة لعقود من الزمن، بما في ذلك خلال فترة الاحتلال من السلطة المؤقتة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا. لكن الإخفاقات الحكومية المتعددة منذ الثمانينات، بما في ذلك الإدارة السيئة لمنابع المياه في أعلى النهر، وعدم كفاية التنظيم المُطبّق على التلوّث والصرف الصحي، والإهمال المُزمن وسوء إدارة البنية التحتية للمياه، تسببت في تدهور نوعية هذه المجاري المائية. ونقلت المنظمة عن جعفر صباح، وهو مزارع من أبو الخصيب قوله: “كل عام كنت أحصل على 50 بالمئة من إنتاج العام السابق، ثم في 2018، لم ينج أي شيء تقريبا. في 2018، كان مستوى الملوحة في الماء مرتفعا لدرجة أنه كان بإمكاني التقاط الملح من الماء بيدي”. و تفاقمت الأزمة بسبب انخفاض معدلات تدفق المياه العذبة في الأنهار والذي يُعزى إلى بناء سدود في المنبع متصلة بمزارع السكر وغيرها من المشاريع الزراعية، وخاصة في إيران، وانخفاض هطول الأمطار في العقود الأخيرة، نتيجة لارتفاع درجات الحرارة بسبب تغيّر المناخ، من المتوقع أن تزداد ندرة المياه في المنطقة، مع ذلك، لا توجد سياسات كافية لتقليل الآثار الضارة،  تفاقم هذا بسبب الاستخدام غير المستدام للمياه في الزراعة وللأغراض المنزلية، وأدى نقص المياه الكافية إلى تسرّب مياه البحر إلى شط العرب، مما جعل المياه غير مناسبة للاستهلاك البشري وري العديد من المحاصيل. وجدت هيومن رايتس ووتش أدلة على تكاثر كبير محتمل للطحالب الضارة على طول شط العرب وسط مدينة البصرة، والذي قد يكون ساهم في الأزمة الصحية في صيف 2018. كما أظهرت صور الأقمار الصناعية التي حللتها هيومن رايتس ووتش تراكم النفايات على طول القنوات في جميع أنحاء البصرة التي تصب في شط العرب وسط مدينة البصرة، من مارس/آذار 2018 إلى فبراير/شباط 2019. محطات المياه العامة في البصرة غير مجهزة بالتكنولوجيا اللازمة لجعل مياه البحر صالحة للشرب. هذا يجعل الكلور، مادة كيميائية شائعة الاستخدام لمعالجة المياه، أقل فعالية. علاوة على ذلك، يقول الخبراء إن سلطات المياه تعاني للحصول على كميات كافية من الكلور بسبب الضوابط الصارمة التي تهدف إلى منع وقوع المادة الكيميائية في أيدي الجماعات التي استخدمتها كسلاح. حتى عند إضافة الكلور، فإن المستويات العالية من التعكر أو الملح في الماء تجعل الكلورة (إضافة الكلور) أقل فعالية لقتل البكتيريا. كما أن شبكة أنابيب البصرة مشققة، وتدخل المياه الجوفية الملوّثة بالبراز إلى الشبكة بحيث أن كمية الكلور المُضافة في محطات المعالجة لن تُعالج على الأرجح بشكل فعال الملوّثات الجديدة التي تدخل النظام. علاوة على ذلك، تغض السلطات الطرف عن الأنشطة التي تلوّث موارد البصرة المائية. عبر مراجعة صور الأقمار الصناعية، اكتشفت هيومن رايتس ووتش تسرّبين نفطيين محتملين في شط العرب في وسط البصرة خلال 2018، بالإضافة إلى خطي أنابيب تحت الأرض يُطلقان دوريا ما يبدو أنه كميات كبيرة من المخلّفات في المياه. في صيف 2018، أُدخِل ما لا يقل عن 118 ألف شخص إلى المستشفيات بسبب أعراض حددها الأطباء على أنها مرتبطة بنوعية المياه. لم تنشر السلطات بعد أي تحقيقات رسمية في سبب الأزمة الصحية. الأسباب المحتملة للأمراض في 2018 تشمل الفيروسات (مثل النوروفيروس)، والطفيليات (الجيارديا أو الكريبتوسبوريديوم)، والبكتيريا (الإشريكية القولونية)، والمعادن السامة من مياه الصرف الصحي والتلوّث الزراعي والصناعي. قد تكون الملوحة العالية للمياه قد ساهمت أيضا في تفشي المرض، وفقا لخبراء شاركوا في اختبار عينات المياه خلال الأزمة.عثرت هيومن رايتس ووتش على أدلة على تكاثر كبير محتمل للطحالب في شط العرب أثناء تفشي المرض. يمكن أن تساهم النفايات في المياه وارتفاع درجات الحرارة المرتبطة بتغيّر المناخ في هذا الوضع، لكن يبدو أن الحكومة لم تنظر فيه. المختبرات التي اختبرت عينات المياه في ذلك الوقت لم تقم أبدا بفحوص بحثا عن الطحالب الضارة. لا يوجد في العراق نظام تحذيري في مجال الصحة العامة لإبلاغ السكان عندما تكون مياه الشرب في مجتمع ما ملوّثة، أو يُشتبه بتلوّثها، وعن الخطوات التي ينبغي اتخاذها لتخفيف الضرر. ظهر صور الأقمار الصناعية ما يبدو أنه تسرب نفطي محتمل إلى شط العرب بالقرب من حقل نهر بن عمر النفطي، وهو موقع تديره “شركة نفط البصرة” الحكومية، على بعد حوالي 25 كيلومتر من مدينة البصرة. استمر التسرب 10 أيام على الأقل. لم تُنجَز المشاريع الهندسية الحكومية لتحسين نوعية المياه بسبب سوء الإدارة والفساد. لسنوات، كان المزارعون والشركات يستغلون قنوات المياه العذبة ولا يتركون ما يكفي من المياه لمحطات معالجة المياه العامة في البصرة لتأمين مياه الشرب. هذه الإخفاقات مجتمعة تنتهك حقوق سكان البصرة في المياه، والصرف الصحي، والصحة، والمعلومات والملكية (الأراضي والمحاصيل) التي يكفلها القانون الدولي والوطني.

علق هنا