في جنوب السويد… العراقيون يحتفون بثورة الصكر الهادرة، ويسلطون الضوء على ابشع جرائم البعث

حيدر قاسم - خاص العراق اليوم:

في جنوب السويد، هذا البلد الاسكندنافي القصي، وتحديدًا في مدينة لوند، تنادت الجالية العراقية من مختلف دول اوربا وامريكا والعراق، لتشعل نار الثورة في تلك المدن الباردة، هناك حيث لم تنس تلك الجالية وطنها الذي تركته بعد سنوات عجاف من الديكاتورية القاتلة، استذكرت رمزًا من رموز الثورة اليسارية، وصوتًا من اصوات الرفض المبكر لتسلط حزب الموت، حزب البعث وزبانيته الفاشية، هناك استذكروا القائد الشيوعي الشهيد ستار خضير الصكر، هذا العلم العراقي الذي خفق ولا يزال يخفق في سماء البطولة والتضحيات، ذلك العماري المكافح حد الاخلاص، والوفي حد الشهادة،كما قال عنه المحتفون، هولاء الوطنيون القادمون من مختلف بقاع الارض جمعهم رابط الوفاء، ووحدتهم ذكرى ثورة مهضومة، لكنها لا تموت ولن تموت.. وهل يموت الرجال الذين يقفون على طرق الحق والحقيقة؟! حفلُ مهيب ذلك الذي تنادت لاقامته عائلة القائد الشهيد الشيوعي المغدور ستار خضير، بالتعاون مع منظمة الحزب الشيوعي العراقي في السويد، وعدد من منظمات المجتمع المدني الديمقراطية والتقدمية، بعد مرور خمسين عامًا على ابشع جريمة قامت بها عصابات الاجرام البعثي  في اغتيال هذا الرجل الثوري، الرجل الاستثناء في مسيرة حزب استثنائي هو الاخر، رجل كان يحمل من الفكر والرؤية ما مكنه من تشخيص خطل التحالف مع البعث الذي دفع العراقيون ثمنه لاحقًا، ودفع الحزب ثمن هذا التكتيك كنوزًا من كوادره الباسلة، تميز هذا الشهيد كما قال عنه الشاعر التقدمي فالح حسون الدراجي، بأنه لم يكن شيوعيًا تقليديًا، او رجل تنظيمي فحسب، بل انه ثورة متحركة، وهو بالفعل ثورة هادرة، لا يؤمن الا بتحريك قوى الاحتجاج الشعبي واستثمار مواطن القوة في ضمير الامة، لتكتب هي خلاصها من كوابيس الاستعمار والجهل والرجعية.

حفل استثنائي لشهيد استثنائي

بالفعل كما وصف الدراجي هذا الشهيد، فقد كان حفل التأبين استثنائيًا هو الاخر، فهو فعالية ثقافية كبرى، تنادت عليها القوى والشخصيات الوطنية من كل حدب وصوب، لتعلن الولاء والتجديد لروح الثورة التي حملها (أبو مي) في صدره الشريف، ولتعلن ان مشروعه وفكره لا يزالا طريين، وان الثورة التي حملها ستظل مطلبًا لتحقيق العدالة والغاء التمايز الفج بين ابناء الشعب العراقي. الاحتفالية التي ادارها  بجدارة  كل من الاستاذ  صلاح الصگر والسيدة زهور بابل، كانت محطة للكشف عن مثالب الدكتاتورية البعثية والتذكير بجرائم حقبة الحكم العفلقي البغيض، وايضاً محطة لتعريف الاجيال برجل شجاع نذر حياته من صباه من اجل الوطن والناس، فكانت قصائد الشعراء التي القيت في المناسبة اضاءات شديدة الالتماع في افق الشهادة، فمن قصيدة الشاعر الكبير رياض النعماني وما حملته من دفق عذب، وموسيقى تلامس شغاف القلب  والوجدان، حيث تتسم لغة النعماني بدفئ النبضات وشفافية الصدق، وتضيء بوهج الإنتماء للوطن والإنسان، الى قصيدة الشاعر الكبير فالح حسون الدراجي الذي جاء قادمًا من الولايات المتحدة الامريكية، ليرتل في حضرة الشهادة اناشيد الحب والعرفان والصمود للرجل الذي كتب بدمائه ملحمة المقاومة والممانعة ضد الطغيان والجبروت الصدامي، الدراجي الذي كانت قصيدته الجديدة، المسماة، (اذا مات النهر)، هي برأيي ثورة بحد ذاتها، فأنها كانت قراءة عميقة لمسار  ومآلات الواقع العراقي في العقود التي تلت استشهاد الصكر ستار، وما دفعه الحزب من ضريبة باهضة، بل باهضة جداً.

العشق في ثنايا الاستذكار

وكعادته فأن الدراجي الذي القى قصيدته الرائعة، لم يبتعد عن رهافة القصيدة، ولم يذهب لتكون تقريرًا تسجيلاً لما جرى ولما يعرفه، بل كانت قصيدة عشق خالصة، قصيدة حب عميقة المعاني، جزلة في ما تريد قوله، ومن بين كلماتها الضاجة بأسماء ابطال الميدان التقدمي، تقفز رهافة ابيات الغزل المتسامي الذي يميل اليه في كتاباته الشعرية، يقول في احد ابيات هذا المطولة العذبة ( ثلثين العمر خلصته شوگ وياك /  ما اريد بتوالي اسنينه اندمره / ما اغير هواك ولا اغير الشوگ /الف موته اموت وشوگي ما اغيره / يا طعم الثمالة واحلى ما بالكاس/ اريد الليلة اشربك واختم السهرة…)، ولم يختم الدراجي سهرته الصاخبة بالاستذكار النقي، بل انه تألق مع الملحن الكبير طالب غالي في نشيد صوفي يليق بمقام الشهادة السامي، حيث كتب اغنية ( خمسين عام) ولحنها غالي، وقد قدمت هذه الاغنية بصوت المطرب العراقي آشور ومعه كورس جميل من الاصوات الآخاذة التي تعود اغلبها الى عائلة الفنان العراقي الوطني سامي كمال، مما اضافت هذه الاغنية بعدًا روحياً لهذا الحفل الاستذكاري الذي يشكل وقفة نوعية من وقفات الاستذكار الرفيع . وهكذا يؤكد طالب غالي علو كعبه في صناعة الاغنية العراقية الوهاجة، والملتزمة بجوهر الوطنية، وبقوانين الجمال والاصالة الغنائية الرصينة. الموسيقى والغناء استمرا عبر صوت المطرب المغترب عدنان السبتي الذي جاء قادمًا من المانيا ليقدم اثنتين من روائع اغنياته الوطنية، فيما كانت الشهادة القانونية حاضرة من القاضي المعروف الاستاذ زهير كاظم عبود الذي اضاء على تفاصيل مهمة ومغيبة في جريمة اغتيال الشهيد ستار خضير، وهي جزء من جرائم الاغتيال السياسي التي ترادفت فيما بعد وطالت العديد من الشخصيات والقوى التقدمية، واغتالت حملة الفكر والقلم والوعي، وحيث ابعاد هذه الجريمة اخذت مساحات من التأثير، فأن القاضي طالب بفتح ملف جرائم الاغتيال السياسي مجددا، والتوصل  الى نتائج تفصيلية لهذه الجرائم ومحاكمة كل اركانها الصغيرة، فكانت وقفته ورقة مشبعة بالمعلومات والتفاصيل الدقيقة. كما شهدت الاحتفالية فعاليات اخرى، كالفنون التشكيلية والعرض  المسرحي الرائع بل الاكثر من الرائع الذي قدمه الفنان المعروف سلام الصكر،  وكذلك الافلام وكلمات الاستذكار ورسائل الاصدقاء وبرقيات التضامن ورفاق الشهيد من مختلف اصقاع الارض.وكانت عائلة الشهيد ستار خضير قد بدأت الاستذكار بكلمة القتها كريمة الشهيد (منى) وهي كلمة أثارت شجون واحزان الحضور، ولا يفوتني ان اشير الى الكلمة الرائعة جداً،  والتي القاها الاستاذ محمد جاسم اللبان عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، وهي كلمة وطنية قبل ان تكون حزبية، ونضالية قبل ان تكون عقيدية، ما جعل الجمهور يصفق طويلاً لكلمة الاستاذ اللبان. تحية للشجاع الباسل، فتى الكحلاء وابن الطائفة المندائية، وفخر العراق ستار خضير، وتحية لعائلته واخوته وحزبه لهذا الاستذكار المكتنز بالابداع والجمال والدقة والضبط، وتحية لكل من ساهم في انجاح استذكار لم يضجر منه الجمهور رغم اتساع مساحة وقت وبرنامج الحفل.

علق هنا