عن قاسم عبد الأمير عجام وشجاعته في الحياة والموت

بغداد- العراق اليوم:

جواد الحطاب

( الى موفق محمد .. تحديدا)

في الصداقات ليس من صدفة الا نادرا ..

وإنّما هناك تصميم عليها في الغالب، خصوصا مع من يستحقونها .

ولذلك كنت أسعى دائما للإحتفال، - مع روحي - حين أحقّق واحدة منها، لأنني أشعر يومها ان مساحة القلب قد اتسعت، وأن كريّات الدم قد بدأت تتفتّح فيها الزنابق، ويغسلها الندى.

هكذا عقدت صداقات رائعة مع كبار أدباء العراق، والذين أشي باسمائهم بين حين وآخر، ولا اذكرهم كلهم بخلا مني، وحرصا على الا تتسرّب هذه الأيقونات الى العامّة، فيركض اليها من لا يقدّر قيمتها فـ"تتفرهد"؟!!

لا سيّما انا أعرف ان اصدقائي والفرهود على صلح تام، لأن كرمهم، وطيب أخلاقهم يفتحان القلب لمن يريد الدخول اليه وأخذ ما يريد.. وكلّ ما لدى هؤلاء الأفذاذ هو في منتهى الجمال والثراء، وبما يغري الأنبياء وليس البشر.

قاسم عبد الأمير عجام، الشهيد، والنبيّ الأعزل، الذي سعيت اليه بقوّة وفزت بصداقته الباهرة، كان أحدى أيقونات قلبي التي كنت أضنّ بها على الكشف.

( وربما في منشور لاحق سأتحدث طويلا عن "ابو ربيع" الذي كان إضافة وطنيّة وإبداعية ليس للعراق وحده، وإنّما للإنسانية بشكل عام)

، لكني، وأنا أنشر رسالته- الوثيقة هذه، سأختصر الحديث في مناسبتها فقط.

في أول مهام استلامي لثقافية جريدة "الثورة" اتصلت بعجام، وكان اتصالي به هذه المرّة مختلفا عن اتصالاتي السابقة والتي امتدت لسنوات، لأنني لاحظت انقطاعه عن النشر منذ فترة ليست بالقصيرة، وهو العقل المبدع نقديا وفكريا، فأقلقني الانقطاع، فضلا عمّا تسرّب اليّ من خلال اجتماعي بالقسم الثقافي في الجريدة وسؤالي لهم عن انقطاع اسماء معيّنة عن النشر، وأسبابها ؟

وعرفت من الإجابات بأن مقالات "ابو ربيع" تتعرض للقطع، والتسويف في النشر، وتكرّر ذلك لمرّات كثيرة فآثر الانسحاب.

فأرسلت له رسالة شخصية، أدعوه فيها الى الكتابة ثانية، وان يعتبر نفسه هو القيّم على النشر، كما ان "الإتحاد" بكل فعالياته رهن موعد له.

وبالنبل المعروف عنه، وبدماثة الخلق التي طالما حسدته عليها، وحاولت ان اتعلّمها منه وأنّى لي ذلك، جاءتني رسالته التي تتحدث كلماتها عن روحية هذا الأديب الشامل، ونبل أخلاقه، وبرفقتها مقالة أجبرت "المنضّدين" على الإسراع بانجازها، مثلما وجّهت الزملاء في القسم الثقافي على متابعتها والإشراف على تصميمها لتظهر في اليوم الثاني من وصولها لي، وكانت له مفاجأة اعتزّ بها

كتب لي عجام بخطّ يده الجميل، والرائع التناسق

( صديقي العزيز الشاعر جواد الحطاب

طاب يومك،

ومباركة لك مهامك الجديدة في الإتحاد والجريدة،

مع صادق التمنّيات بالتوفيق والتقدّم.

ومع تحياتي،

يسرّني ان اعاود التواصل مع الصفحة الثقافية في "الثورة" وانت فيها.

لعلّ تطوّر الصفحة وانتظامها واحساسي بان تكون كلماتي سبيلا لإدامة الصلة بيننا، يكون حافزا لي لتجاوز ما أصابني به اضطراب الصفحة من قبل، من عدوى الإضطراب والكسل.

آملا ان تكون مقالتي المرفقة مع تحياتي بداية تواصل منتظم.

أحييك ثانية، وأشدّ على يديك مباركا

واسلم للكلمة الطيبة، ولأخيك ..

قاسم عبد الامير عجام

10 / 2 / 1994

..

(..مباركة لك مهامك الجديدة في "الإتحاد" و"الجريدة"

أشدّ على يديك مباركا )

هكذا يكتب ابو ربيع، المفكر، والناقد المسؤول، الذي يحتفي اتحادنا اليوم بذكراه الخالدة ..

ترى هل كانت هذه كثيرة على فاضل ثامر، أو على "عرّابيه" فلا يقابلا فوزنا بعضوية المجلس المركزي لإتحاد الأدباء، بالـ"مباركة" والـ" شدّ على يدينا"، كما قدّمها "عجام" بدلا من الدعوة الى تصفيتنا الجسدية، وقتلنا بتهمة الإرتباط بـ"ترامب" والتآمر على قلب نظام الحكم، ومقاتلتنا إيران.. وحزب الله في اليمن.. وفنزويلا، نيابة عن اميركا التي نسعى الى تسليمها النفط العراقي ؟!!

في ذكرى الإغتيال الفاجع لصديقي الرمز "قاسم عبد الأمير عجام"، ووفاء لدمه الطاهر، يحقّ لي أن أدين نزعة الكراهية والحقد اللا مبرر التي تعالت مؤخرا وبطريقة لا مسؤولة.

الا يكفي ما قدّمه أدباء ومثقفو العراق من قرابين على مذبح الكلمة الحرّة، ليقدّم "البعض" الدعوة للرصاصات الغادرة، والسكاكين مجهولة الهوية لكي تتربّص بأدباء "أبناء" ، ومبدعين "أخوة"، وكل ذنبهم انهم رفضوا شعار "ما ننطيها" الذين يرونه سائدا اليوم في الإتحاد..

ووقفوا بوجه السيطرة "المنفردة" بأموال هي من حقّ، وحصّة "الهيّأة العامة" وطالبوا باشراك اعضاء منهم في مراقبة أوجه صرفها، أو إحالة ذلك الى "المجلس المركزي" المنتخب ، فهل في ذلك "إجرام" أو "تآمر" على العراق، ليصرخ بهم شيخ الطريقة الإتحادية : لن تمرّوا ؟!!!

وجع يذكّرني بوجع ..

يكتب موقع " الناقد العراقي- السرمكي" عن أبي ربيع :

من ينسى الإبتسامة الحيية الدائمة والنظرة الآسية الحنون شبه المنكسرة والخدان المتوردان وكأنه خجل من وقوف إنسانيته العظيمة عند حدود لا يستطيع تعديها .. قاسم من النوع الآدمي الذي خلقه الله على صورت – هـ ” والهاء تعود على الله وليس على آدم ..

وأشهد انّه كان كذلك .. وأكثر

علق هنا