من “صخرة عبعوب” إلى “بوبجي”.. مسلسل قرارات المسؤولين العراقيين يواصل حلقاته الكوميدية

بغداد- العراق اليوم:

 لا يكاد ينقضي شهر تخلو فيه مائدة الفيسبوك العراقي من طبق قرار حكومي مثير للسخرية والاستهزاء، ليس ابتداءً بالعدس ولا انتهاءً بنصب سياج أمان كمصد يلهم المنتحرين معاني الحياة فيعودوا أدراجهم متفائلين مقبلين بسبب هذا السور العظيم، حيث يتداول ذلك ناشطون كثيرون.

 وبعيداً عن الطرف الشعبي الساخر فإن استمرار اتخاذ قرارات تثير السخرية يطرح تساؤلا ملحاً حول موقف الطرف الاخر ” الحكومة” أو السلطات المختصة، وما هي نظرتها إلى موجات السخرية التي تصدر بين الحين والآخر، تعليقاً على قرارتها، أم أنها ترى مزاج الشعب العراقي صعب وسيستمر بذلك، بسبب التحامل على الحكومة؟!

وعلى مدى الأشهر الماضية فقد تحولت بعض القرارات والتصريحات السياسية إلى أيقونة سخرية دائمة تضاف إلى القاموس الشعبي في الاستخدامات اليومية، إذ لم تفارق قضية “العدس” مزاج العراقيين وكتاباتهم على مواقع التواصل، منذ إعلان رئيس الوزراء عادل عبد المهدي عن رغبة الحكومة بتوزيع نصف كيلو عدس ضمن مفردات البطاقة التموينية.

وتتبع قوة بقاء القرار أو التصريح في سُدة المواد المثيرة للسخرية بحسب قوّته أو غرابته أو صعوبة تنفيذه، فعلى سبيل المثال ما زالت تصمد “صخرة عبعوب”، ضمن التصريحات المثيرة للضحك والاستهزاء، رغم مرور سنوات على تصريحه حينها, إذ اتهم جهات بإلقاء صخرة وزنها 150 كغم في شبكات الصرف الصحي ما تسبب في إغلاقها، فضلاً عن تصريحاته الشهيرة بأن مدينة دبي الإماراتية “زرق ورق”. في إشارة إلى “المبالغة” في العمران والتطور الحاصل فيها.

كما يستذكر عراقيون بين الحين والآخر تصريحات وزير النقل السابق فنجان الحمامي أول مطار في التاريخ أنشئ قبل خمسة آلاف عام قبل الميلاد، وإن مركبات فضائية كانت تقلع منه.

من صخرة عبعوب إلى حظر بوبجي .. ضحك مستمر

قبل أيام قرر مجلس النواب حظر اللعبة الشهيرة “بوبجي” وعدد من الألعاب الأخرى مثل فورتنايت، والحوت الأزرق التي لا وجود لها أصلاً، وعلّل هذا القرار بجملة من الأسباب أبرزها العنف التي تنطوي عليه تلك الألعاب، ومع إنزال النواب في القاعة أيدهم من التصويت حتى أثار هذ القرار، عاصفة من التساؤلات والجدال المخلوط بالسخرية، فيما انسحب النقاش على الدوام إلى مسألة ترتيب الأولويات بالنسبة لمجلس النواب، وأهمية تشريع قوانين في صلب الأزمة العراقية.

لم تهدأ النقاشات بعد بشأن حظر اللعبة والتداعيات التي رافقت القرار، حتى فاجأت وزارة الداخلية الأوساط الشعبية بمقترح مرفوع إلى مجلس محافظة بغداد يرتكز إلى إنشاء سياج أمان على الجسور لمنع حالات الانتحار.

مقترح تساءل بشأنه أغلب شرائح المجتمع على منصات التواصل، وأشبعوه بحثاً وتقليباً ذات اليمين وذات الشمال، من الناحية النفسية والجدوى منه، وإمكانية تنفيذ المقترح، والسبب الداعي لذلك، وكل هذا بلغة ممزوجة برفض وسخرية لاذعة وتهكم من المسؤولين.   

كيف ترد الجهات المعنية؟

وغالباً ما تصمت الجهات الحكومية والسياسية عن السخرية التي تطال قراراتها وتصريحاتها، إلا أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي, اضطر للتعليق حول السخرية الواسعة من “قضية العدس”, فقال في مؤتمر صحفي إن الزيادة أفضل من النقصان, لايعني أنه مكرمة أو منحة عظيمة، بل توفرت زيادة فقررنا إضافتها إلى مفردات الحصة التموينية”.

لكن ذلك لم يُقنع العراقيين واستمروا في خطتهم، خاصة مع قرب حلول شهر رمضان الذي سيُوزع فيه العدس.

هذا المنحى الاجتماعي يراه الباحث المختص علي السيد أنه “حق مرتبط بالحرية، وأعتقد أنها ليست موضوعية دائماً، بمعنى أنها تنطلق من غضب وتنمّر وعدوانية أكثر من كونها ممارسة نقدية عقلانية، كما أن هناك صفحات إلكترونية تبحث عن الغريب والشاذ في قرارات الحكومة ثم تسلط الضوء عليه وتهمل باقي القرارات التي قد تكون جيدة أحياناً, لذلك مثلا رأينا تركيزاً على قرار مادة العدس أو السياج لتقليل حالات الانتحار,بالرغم من أن القرار الأخير كان مجرد اقتراح ضمن مجموعة مقترحات”.

ويضيف السيد أن “ذلك لا يعفي الحكومة من مسؤوليتها، إذ أن أغلب قرارتها تصدر دون الاستعانة بالخبرات الأكاديمية, كما يؤشر ضعف الجهاز الاعلامي لها, لذلك تأتي هذه القرارات وتصدر وتعلن بشكل غير مدروس”.

ويتساءل معنيون في الشأن السياسي هل سيدفع هذا الاحتجاج الجماعي من تلك القرارات إلى اتخاذ مسارات سياسية أفضل؟ واستشارة ذوي الاختصاص على الاقل فيما يتعلق بالقرارت التي تصدر، خاصة تلك التي يشك السياسيون والحكومة بأنها ربما تثير غضباً أو جدلاً ينعكس بالتأكيد على أعمال الحكومة وحتى تنفيذها لمثل تلك القرارات.

ويعزو الباحث الاجتماعي علي السيد هذا الامر إلى أن “الأمر يحتاج أيضا إلى دراسة شخصية المسؤول في العراق، حيث تطغى عليها النرجسية والغرور وعدم الثقة بالآخر, وحتى لو استعان بالخبرات الأكاديمية فإن البحوث والدراسات التي تقدم لهم تبقى في الدرج ولا ترى النور, فتصدر قراراتهم ارتجالية أو مبنية على أساس الانتماء الايديولوجي والفكري والحزبي، وليس على أساس عقلاني علمي”.

علق هنا