قانون العشائر، الحاجة لدراسة اوسع

قانون العشائر المطروح امام مجلس النواب يفتح نقاشاً معمقاً. فهناك عموماً موقفان متطرفان. الاول يرفض العشائر جملة وتفصيلاً، ويعتبرها من مخلفات النظم القديمة، الحاجزة للدولة المدنية. والثاني، عكسه تماماً ويرى كل شيء من خلال العشيرة، عملياً ان لم يكن نظرياً. فأين نموضع العشيرة؟

 - العشيرة تكوين تاريخي وطبيعي.. فهي احد الخطين التاريخيين لروابط المجتمعات، اي رابطة الاقليم والموقع، ورابطة الدم والنسب. ورغم ان الثانية هي الاقدم، لكن الاولى تقدمت في المجتمعات الحديثة، رغم ان الخطين كانا وما زالا من اهم اسس تكوين المجتمعات والدول، ومن المحركات الاساسية لحراكها وتفاعلات نسيجها وقوانين عملها الداخلية.. يقويان ويضعفان حسب الظروف.. ويتداخلان ببعضهما ويتقاطعان. فالقضية لا تختزل بمفاهيم "تقدمية" و"رجعية، بل تتعلق بالواقع ومركباته الطبيعية.. واية رؤية تقفز عليه، هي نظرة فوقية تعسفية. والامر ليس ما نحب ونكره، بل الواقع الطبيعي الذي بفهمه جيداً يتسنى استثمار الايجابي، وتحييد السلبي. فالعشائرية ليست ضد المدنية بالضرورة، الا بتجاوزها حدودها.. وان احدى شروط تنظيم الحياة المدنية لدينا هي تنظيم الوضع العشائري.

 - ان "بدائل القضاء" معمول بها في جميع الدول، وبتشكيلات مختلفة ومنها العشائرية، وهي عون للقضاء، بشرطه وشروطه، وليس تجاوز عليه. لكننا نرى تجاوز الكثير من السلوكيات العشائرية، لتصل لحدود مقلقة جداً، تطغى على الكثير من الجوانب الايجابية، مما يتطلب المعالجة.. ولهذا ينص الدستور (المادة ٤٥/ثانياً): "تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون، وتعزز قيمها الانسانية النبيلة، بما يساهم في تطوير المجتمع، وتمنع الاعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الانسان".

 - العشيرة بالتعريف الاول هي النمو التراكمي والطبيعي، من الفرد والاسرة والفخذ والعائلة والحمولة والعشيرة والقبيلة. فطبقاً للبيئة والحياة الاجتماعية التي قد تساعد في ترسيخ هذا النمو او تقوم على تفكيكه، تتطور العشيرة او تضعف. فيصل التفكك والتفكيك في المدن، والدول المركزية، والمجتمعات ذات النزعات الفردية، وغيرها، الى مستوى الاسرة.. بينما تصبح الروابط الجماعية كالعشيرة في المجتمعات حيث النزعات الجماعية، او ضعف القانون والقضاء، وكثرة المنازعات الاجتماعية، وسيطرة البيئة الريفية او التجمعات النائية، هي الحامية والمنظمة للحياة. وان محاولات فرض بدائل قسرية لا تجدي نفعاً، لان الطبيعة سرعان ما تعيد تكييف نفسها. لذلك نجد لدينا، ان النزعات العشائرية، نمت لعوامل عديدة، وليس كما يقول البعض لضعف الدولة فقط. فهي قد نمت وانتقلت الى مراكز المدن، والدولة في اشد عنفوانها وبأسها، كما تشهد فترة السبعينات والثمانينات. بينما نلاحظ تراجع متنامي لدور العشائر -في المدن على الاقل- خلال الفترة الملكية، وبدء العشائر بـ"التعمرن"، رغم قوة الطبقة العشائرية اقتصادياً وسياسياً، ورغم "نظام دعاوى العشائر المدنية والجزائية".. والذي الغي بمرسوم جمهوري (٥٦ لسنة ١٩٥٨/الوقائع (٣) ٣/٨/١٩٥٨)، بينما  نرى "عشرنة" المدن رغم المركزية الشديدة وتراجع الدور السياسي والقضائي والاقتصادي للعشائر.. علماً اننا وجدنا في موقع "هيئة النزاهة"، ان القانون ما زال ساري المفعول. فهل هناك خطأ، او فهم آخر؟

 - القانون المقترح يهتم جوهرياً حسب المادة (٢) منه بتأسيس "مجلس قبائل وعشائر العراق" الذي يمنحه شخصية معنوية واستقلال مالي واداري.. وله تأسيس مجالس محلية.. ويحدد له اهدافاً (المادة ٤) كحماية وحدة العراق وسيادته.. والنهوض بالواقع العشائري بما يساهم في تطوير المجتمع من خلال تنظيمه تنظيماً مدنياً.. ومنع الاعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الانسان والمرأة ومكانتها.. وتنظم المادة (٥) مهامه بتقديم المشورة لمؤسسات الدولة، واشاعة ثقافة بناء الدولة وفق الدستور، الخ.. اما بقية المواد (٦-١٥) فتتعلق بطريقة تشكيل المجالس، وعضويتها وصلاحياتها.

 - يتضمن القانون دعوات نبيلة، لكن الامر اكثر تعقيداً. فما معنى الشخصية المعنوية والاستقلال الاداري والمالي.. فهذه عناوين كبيرة، ان اطلقت بدون تحديد، فقد تشكل فتنة بين العشائر، وبينها وبين تكوينات المجتمع والدولة. فلابد من مراجعة الامر، بما يضمن نهضة العشائر وابنائها اقتصادياً وخدمياً وامنياً ومستقبلياً واجتماعياً وقيمياً، لكي لا نعيد تجارب سلبية سابقة اساءت واضعفت العشائر قبل ان تساعدها. (للبحث صلة)

علق هنا