فؤاد سالم ...يعرّي المرتزقة من عليائه

بغداد- العراق اليوم:

من هناك، من هناك من فردوسه، في عليائه، لا يزال صوت فؤاد سالم، المطرب، والفنان، وقبلَ ذلك الإنسان، يصلنا محملاً بشجن العراق، وممزوجًا بروح الثورة والتمرد، روح الثورة العاشقة، روح العشق الممزوج بود وعاطفة ومشاعر الصدق والدفء.

نعم، هو فؤاد سالم الذي عرفناه صوتًا رافضاً في زمن الخنوع، نحن أخر جيل كان شاهدًا على الكاسيت قبل أن يودع عالمنا، مأسوفاً على روعته، فؤاد الذي اشبعنا صوته ايام المسغبة الطوال، ومدنا بعزم الثورة في قلوب غضة تتجرع كؤوس الديكاتورية المرة، في تلك الايام الصعاب، حيث كان الاصدقاء والمعارف القادمون من سوريا تحديدًا يخفون في امتعتهم العائدة معهم من بلاد الشام، كاسيتات تحمل صوتًا مغايراً، صوت يأسرك، شجيًا، دافئاً كأنه الجنوب، حلواً كأنه رطب البصرة، هادراً كأنه صوت صادر من عمق أهوار الرفض والثورة الدائمة منذ ثورة الزنخ، أسالُ أبي عنه، يجيب وعيناه تلمعان، أنه فؤاد سالم يا ولدي، أنهُ الوردة التي قطفتها الغربة، والزهرة التي اقتلعت من جذروها لتنبت هناك بعيدًا، لكن أريجها يصلنا من هناك، ولا ينقطع.

سنوات كانت مرة وحلوة، فمع كل أغنية لفؤاد سالم من معلقاته الرائعة، كنتُ استشعر الثورة، وتتورد في روحي الطرية، نبتة التمرد المعجونة بتوق للتحرر من ربقة تلك الحياة.

فؤاد سالم شكل لجيله واجيال غنائية تلته استثناءً من القاعدة، هذا الصوت البصري القادم من أسرة ميسورة، ومن عائلة محافظة، هذا الشاب الوسيم الذي سيغدو في بغداد الضاجة غنجًا ودلالاً في سبعينات القرن الماضي، ظاهرة لوحده، وسيكون محط أنظار المعجبين، سيضطره اختلافه هذا الى أن يكون ضحية سلطة لا تعرف الا لون واحد، ولا تترك للمختلف ان يعيش كما هو، كان فؤاد ضحية رغم وداعته وروعته لسلطة رفض الانضمام الى جوقها، فصوته الممتلئ المميز يرفض أن يكون ضمن جوق المداحين.

غادر بغداده قبيل عقد الثمانينات الرهيب، فاراً بفنه الجميل ويساريته الشفافة الزاهدة، ليكمل رحلة الفن والنضال، وما أورع ان يقترن الفن بالنضال،  ليكون ثورة مثقفة عالمة، تنداح فيها معاني الجمال بين دعوات التمرد ولربما العنف الثوري!.

شكل حضور فؤاد سالم الفني في صفوف المعارضة، مدًا وقوةً للمثقف العراقي المعارض، وكذلك آرقاً للسلطة الغاشمة في بغداد، لم يتوقف الرجل عن اناشيده وغنائه في كل محفل وفي كل بلد توقفت به قافلته التي عرفت بلداناً ومدنناً لم يكن ليصلها لو هادن!

آه، لو تعرفون كم كان هذا الفنان يحمل من حب للعراق وللحياة، وكيف واصل مسيرته القلقة والمتعبة حاملاً جمرة الوطن على كفه، هناك حيث الموت المتربص بكل من يقول لا للدكتاتور ولنظامه المتوحش، وكيف كانت آلة الموت تطارد المنفيين في كل زقاق، لم يتوقف فؤاد عن معارضته وايمانه اليساري، لم يهادن رغم سنوات الفاقة والحرمان ولربما الجوع، لكنه كان يعرف ضريبة أن تكون فناناً للشعب، وثمن ان تكون لك كلمة وموقف!

لقد فضح  فؤاد سالم بهذه الروح العظيمة وهذا الأرث الغنائي الثر كل من ارتزق وارتضى أن يكون ولا يزال للأسف جزءًا من جوق المديح مدفوع الثمن لأي كان وبإثمان بخسة للأسف.

واذا جاز لأحد ان يفتخر بفنان عراقي ملتزم فلن يعدو فؤاد وموقفه الرائع. فسلاماً لروحه في عليائها وهي تحلق بعد ان ترك خلفه ارثاً من الجمال الممزوج بنظافة اليد والضمير.

علق هنا