هذا هو سر اغتيال خاشقجي في بئر القنصل

بغداد- العراق اليوم:

طوال فصول كتاب "فظائع دبلوماسية: الأسرار المظلمة لقتل خاشقجي"، الذي أصدرته صحيفة "صباح"، المقربة من الحكومة التركية، استعيدت تفاصيل التسجيلات التركية التي وثقت جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

 وكانت "صباح" من المؤسسات الإعلامية الأولى التي نشرت تسريبات تتعلق بتفاصيل جريمة قتل خاشقجي، بقنصلية بلاده في إسطنبول، بالثاني من أكتوبر الماضي.

وجاء الكتاب، الصادر باللغة التركية في ديسمبر الماضي، في 352 صفحة، قُسِّمت على فصول عدة، متناولاً الأحداث بتفاصيلها، والظروف المحيطة بعملية القتل، وأسبابها، مع نظرة إلى الأوضاع المحلية بالسعودية، والأوضاع الإقليمية والدولية.

وفي القسم الثاني من الكتاب، الذي نشر تفاصيله موقع "العربي الجديد"، يظهر ما حدث منذ عملية القتل إلى البحث التركي عن الجثة، وفيه غاص الكتاب فيما واجهه الأتراك من عوائق، إذ أوضح أن السر لا يزال في بئر موجودة بمنزل القنصل، حيث لم يُسمح بتفتيشها حتى الآن.

وطلبت السلطات التركية شفط مياه البئر، وتُفتيشها بدقة، وهو الأمر الذي لم يحصل، بل سمح السعوديون فقط بأخذ عيّنات من المياه، لم يظهر فيها أثر جيني أو أي أثر لأحماض أسيدية.

ولكن رغم ذلك، فإن هناك احتمالاً مرتفعاً جداً يقول إن أجزاء الجثة ربما تكون ملفوفة بإحكام بالأكياس التي تمنع تحلُّلها.

ورغم تفتيش السلطات التركية أماكن عديدة في ولايات مختلفة، فإن شكوكاً قوية لا تزال تحوم حول البئر، إذ إن الحقائب التي دخلت إلى منزل القنصل حاملةً جثة خاشقجي، لم تخرج من المنزل، ولم يُعثر عليها في أثناء التفتيش.

وتحدّث الكتاب أيضاً عن مراحل تعاطي الاستخبارات التركية مع القضية، والتي جاءت على التفصيل التالي: عند الساعة 17:50، أبلغت خطيبة خاشقجي، المدعوّة خديجة جنكيز، السلطات الأمنية باختفاء خاشقجي.

وعند الساعة 18:00، أبلغ ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس الاستخبارات الوطنية هاكان فيدان بالأمر، فاتصل الأخير برئيس الاستخبارات في إسطنبول، الذي بدوره أرسل 10 فرق مختلفة إلى المكان، وحصلوا على التسجيلات.

وخلال ساعتين وبعد استماع متخصصين باللغة العربية للتسجيلات، تم التوصل إلى أن خاشقجي قد قُتل، فأبلغ فيدان الرئيسَ أردوغان عند الساعة 20:00 الأمر، في القصر الرئاسي.

وبعدها بأيام، قدَّم فيدان إلى أردوغان ذاكرة رقمية فيها التسجيلات، ليكلف الرئيس التركي كلاً من فيدان والمتحدث باسمه إبراهيم كالن، ورئيس دائرة الاتصالات فخر الدين ألطون، البدء بالحراك الدبلوماسي الذي تلا الجريمة، ومرحلة التسريبات.

من جهته، وبعدما عرف الجانب السعودي بموضوع التسجيلات الصوتية، أرسل فريقاً من الخبراء لفحص المبنى تقنياً، وقد عُثر فيه على 10 أجهزة تنصت.

وخلال تفتيش الجانب التركي القنصلية كانت الأجواء متوترة، ووُضع عنصران إلى جانب كل عنصر تركي جنائي، ولم يُسمح بتفتيش جميع الأماكن إلا وفق ما قبِلت به السلطات السعودية.

وإلى جانب منع تفتيش البئر في منزل القنصل، منعت السلطات السعودية الأمن التركي من الوصول إلى أماكن أخرى.

كما أن الكلاب المدربة التي شاركت في التفتيش ركّزت بوضوح على بعض أماكن التخزين في منزل القنصل، لكن عند تفتيشها كانت خالية، وهو ما قد يشير إلى أن أجزاءً من الجثة قد وُضعت هناك قبل تغيير مكانها.

وفيما يخص اللقاءات التي أجراها النائب العام السعودي سعود المعجب مع الأتراك، فكانت على الشكل التالي: اللقاء الأول كان لقاءً لاستماع كل طرف لمطالب الطرف الآخر (التركي والسعودي).

وفي اليوم التالي، انتظر الأتراك تلبية مطالبهم وهو الأمر الذي لم يحصل، فكان اللقاء متشنجاً، إذ كرر "المعجب" طلبه مرات عديدة، سائلاً عن هاتف خاشقجي، كما طلب نسخة من ملف التحقيق، فوافق الجانب التركي على تقديم نسخة وفق ما تسمح به القوانين وشروط التحقيق.

كما طلب "المعجب" من نظيره عرفان فيدان عدم التصريح الإعلامي خلال فترة التحقيق والتزام الصمت، وهو ما رفضه الأخير، بل أكد أنه سيقدم باستمرارٍ ما يستجد بالتحقيقات للإعلام.

كما أن "المعجب" طلب نسخة من التحقيقات مع موظفي القنصلية، وهو ما رفضه فيدان أيضاً.

وكان سبب هذا الرفض غياب التعاون السعودي، بعدما تجاهلت السعودية الرد على الطلب الرسمي التركي المتمثل بإعادة المطلوبين لاستجوابهم (فريق الاغتيال)، لتكون خلاصة زيارة "المعجب" أن هذا الأخير حاول أن يفهم ماهية الأدلة المتوافرة لدى الجانب التركي ونوعيتها، ومقابل ذلك لم يقدم أي مساعدة تسهّل التحقيقات.

خدعة شبيه خاشقجي

أما فيما يتعلق بمصطفى المدني شبيه خاشقجي، فإنه خرج برفقة سيف القحطاني، وهو الآخر من فريق الاغتيال، عند الساعة 14:53، من باب القنصلية الخلفي، ليستقلا سيارة أجرة إلى منطقة السلطان أحمد.

و"المدني" طوله 180 سنتمتراً ووزنه قرابة 100 كيلوغرام، ودخل حمامات جامع السلطان أحمد وكانت له لحية، ولكنه خرج من دونها، بملابس مختلفة، نازعاً بنطاله الجينز الأسود مع الجاكيت الأسود، والقميص الرمادي.

وبعدها استقلا سيارة أجرة أخرى وعادا إلى الفندق، وعلى مقربة من الفندق رمى "المدني" كيساً به ملابس خاشقجي في حاوية النفايات، ليدخل إلى الفندق بعدها، ويسافر في اليوم الثاني مع القحطاني ضمن رحلة مجدولة، بعدما جاء الاثنان بطائرة خاصة مع فريق الاغتيال قبلها بيوم واحد.

"المدني" نفسه بعد نشر صوره ضمن تسريبات صحيفة "صباح"، علّق من حسابه على "تويتر" على الصورة بقول يدين فيه نفسه، وهو أن الصورة ملتقطة له في وقت سابق.

ورغم محاولة الشبيه التضليل والهرب من عدسات كاميرات المراقبة، فإن الجانب التركي كلف 750 عنصراً مراقبة التسجيلات على مدار الخط الذي سلكه فريق الاغتيال، وكان واضحاً بسهولةٍ الدور الذي أداه "المدني".

إذ ظهر وهو يدخل منطقة السلطان أحمد بلحية ويخرج من دونها، إلى جانب موضوع الحذاء الرياضي، إذ إن خاشقجي دخل القنصلية بحذاء جلد رسمي، في حين كان الشبيه ينتعل حذاء رياضياً، وسبب ذلك هو أن مقاس قدم خاشقجي كان أصغر من مقاس قدم "المدني".

ولكن، ما الذي حصل لملابس خاشقجي؟ بحث عنها الأمن التركي كثيراً، وشمل نطاق البحث كلَّ القمامة التي جُمعت ونُقلت إلى نقطة تجميع القمامة وتكريرها في منطقة كمربورغاز، ولم يُعثر عليها.

والأمر الذي حقق إيجادها هو مرور ثلاثة أيام على اكتشاف رمي الملابس في القمامة، لأن تفتيش الكاميرات كلها يتطلب وقتاً طويلاً، إذ إن عملية التكرير تتم في 12 ساعة، والطمر في 24 ساعة، ورغم ذلك بحث نحو مئة عنصر من الاستخبارات في المنطقة، ولكن من دون نتيجة.

كما عرض الكتاب عملية نقل الحقائب، التي ضمّت أجزاء من جثة خاشقجي، إلى داخل منزل القنصل، والتي سُربت بعد تسجيلها بكاميرات المراقبة.

وأكد مؤلفو الكتاب أنه في أثناء طباعة هذا الكتاب، وصلت معلومات جديدة من الاستخبارات التركية عن معطيات ووثائق تشير إلى مكان بقايا أجزاء جثة خاشقجي، سيتم التأكد منها.

وقد تم التوصل إلى هذه المعلومات من خلال اختراق هواتف بعض أعضاء فريق الاغتيال. أما هاتفا خاشقجي، فما يزالان مقفلين، ولم تتمكن قوى الأمن التركية من فتحهما، وتعمل جاهدةً على الدخول إليهما.

وألقى الكتاب الضوء على فرق الاغتيال التابعة للاستخبارات السعودية المعروفة بفرق النمر، إذ إن جريمة خاشقجي كشفت عن وجود 10 خلايا سعودية نائمة مكونة من 30 عنصراً، يقطنون في بيوت آمنة تحيط بمنازل سكن المعارضة في إسطنبول.

وبحسب الكتاب، ربما يندرج لقاء رئيس وحدة الاستخبارات السعودية في القنصلية أحمد المزيني، مع بعض أعضاء الخلايا بغابات بلغراد قرب إسطنبول، في الأول من أكتوبر، ضمن آخر التعليمات المرسلة من الاستخبارات السعودية، قبيل عودته لاحقاً بعد الجريمة إلى بلاده للمرة الأخيرة.

ويوضح الكتاب أنه ربما كان هناك مخطط سعودي يهدف إلى إغراق إسطنبول بالضحايا من المعارضة السعودية، ولكن مع أول جريمة سقط المخطّط.

 

علق هنا