مقتدى الصدر، الفائز الأكبر .. وعبد المهدي الخاسر الاكبر !

بغداد- العراق اليوم:

 

سليم الحسني

 

كسب السيد مقتدى الصدر الجولة بجدارة. فمرشحه لرئاسة الوزراء، قدّمه خصومه السياسيون بأنفسهم وتواقيعهم ورفعوا راية الاستسلام في وقت واحد.

 

استطاع مقتدى الصدر أن يوهم الكتل والقيادات السياسية بالجلوس والقيام من طاولات المفاوضات، والدخول والخروج من قاعات الحوار، من دون أن يقرأوا ما كان يخطط له، وعلى أي شخصية يضع يده ليتولى أهم مناصب الدولة.

 

نجح في إيهام حيدر العبادي بالدعم، وظل العبادي يعيش حلم الولاية الثانية، بينما كان مقتدى الصدر مع مقربيه يسخر منه بعبارته: (حيدر العبادي الله يرحمه) في إشارة الى ان أمره انتهى في الحكم.

 

وتمكن مقتدى الصدر أن يسحب هادي العامري من قلب تحالف الفتح ومن وسط كتلة البناء، فيبرم معه الاتفاقات التي جعلت كتلة البناء مجرد تجمع برلماني بلا رأي موحد ولا قرار محدد.

 

وكانت للسيد مقتدى الصدر حركته الموجّهة للسيد عمار الحكيم، في الوقت الذي يظن فيه الأخير أنه صاحب الرأي المؤثر على قناعة زعيم التيار الصدري. وقد جرّب مقتدى الصدر هوايته المفضلة في العبث بمشاعر القيادات السياسية، فقد جعل عمار الحكيم يتصل به هاتفياً وبمساعديه لمدة أسبوعين كاملين، من دون أن يظفر بحديث هاتفي، مما حمله للشكوى من هذا الإهمال لعدة شخصيات في تحالف النواة بأنه لا يستطيع لقاء مقتدى الصدر.

 

 في الحسابات الشخصية للسياسة، لا يكون الفرق كبيراً بين الانتماء لإيران أو الانتماء للسعودية أو لغيرهما، فكل الكتل السياسية العراقية تعتمد على المحاور الإقليمية والدولية، وستبقى تعتمد عليها، فكل القياديين يبحثون عن قوة إضافية في سباق الأفق المحدود.

 

وفق هذا المنطق، اختار مقتدى الصدر منذ سنوات محور السعودية، وأقام علاقة وثيقة مع بن سلمان. ويبدو أنه كان يعرف بأن إيران لا تفرط به، فمن طبيعة الإيرانيين أنهم لا يغلقون الباب، بل يتركونه موارباً على الدوام.

 

كان مقتدى الصدر قد تلقى عرضاً مغرياً من عادل عبد المهدي، بأن يرشحه لرئاسة الوزراء، مقابل أن يكون طوع أمره ورهن إشارته والموظف الذي لا يرد له طلباً. وقد وافق على ذلك، لكنه أحاط الاتفاق بسرية تامة، ولم يُطلع على ذلك سوى السيد محمد رضا السيستاني، وبقي هذا الاتفاق طي الكتمان، بينما القيادات الشيعية والسنية والكردية تدور حول بعضها البعض لعقد تحالف الكتلة الأكبر التي تتولى تحديد رئيس الوزراء بحسب الدستور.

 

وفيما كان الجنرال سليماني والمبعوث الأميركي ماكغورك يخوضان معركتهما التقليدية على تشكيل الكتلة الأكبر واختيار المرشح، فان مقتدى الصدر كان يقطع الخطوات المتلاحقة بالتنسيق مع السيد محمد رضا السيستاني لتمهيد الأجواء لعادل عبد المهدي، وبطبيعة الحال كان ماكغورك مسروراً من هذا الاختيار ومتكتماً عليه أيضاً.

 

ترك مقتدى الصدر حليفه حيدر العبادي يعيش أوهام الولاية الثانية لكي لا يتحالف مع المالكي. كما أنه جعل هادي العامري يُسهّل عليه المهمة في تأخير تشكيل الكتلة الأكبر. وقد كان العامري في تلك الأيام يعيش وهماً أكبر من وهم العبادي بأن يكون هو رئيس الوزراء.

 

في الساعات الحرجة التي توشك ان تنتهي فيها المهلة الدستورية، وجد الجنرال سليماني أن من الأفضل له أن يغير اتجاه حركته، فمع الاختلافات الحادة بين العبادي والمالكي صار الأمر صعباً عليه، وفي نفس الوقت وجد أن تبني السيد محمد رضا السيستاني لعادل عبد المهدي، سيزيد موقفه حراجة، فقرر أن يتصرف بطريقة سريعة، بالاتفاق مع المبعوث الأميركي على ترشيح عبد المهدي، وبذلك يمكن أن يستغل هذا التفاهم في تقليل التأزم الحاد بين إيران وامريكا.

 

لقد تم إعداد كل شيء في وقت وجيز، فبينما كان البرلمان يصوت على رئيس الجمهورية، فان عادل عبد المهدي كان قد دخل البرلمان ينتظر تكليف برهم صالح له بتشكيل الحكومة، وبيده أوراق موقّعة من قادة الكتل السياسية بترشيحه، من دون تحديد الكتلة الأكبر. فحين تصدر الأوامر من الكبار، لا تكون هناك حاجة الى الالتزام بأحكام الدستور.

علق هنا