الهميم ينزع عمامة الهيبة عن رأس أستاذه عبد الملك السعدي، وينهال عليه بمطرقة الكلمات الحديدية !

بغداد- العراق اليوم:

وجه الشيخ الدكتور عبد اللطيف الهميم رسالة شجاعة ونارية، بل وشرسة الى معلمه وأستاذه الشيخ عبد الملك السعدي، بعد ان قام الشيخ السعدي بسحب شهادة الدكتوراة عن الشيخ الهميم .. اليكم نص الرسالة كما هي :

‏بسم الله الرحمن الرحيم

‏"ألم يعلم بأن الله يرى"

‏صدق الله العظيم

‏يا صاحب الفضيلة..

‏هذا حديث ضمير بيني وبينك.. ورجائي ودعائي أن لا يدور في خاطركم، في هذه اللحظة من الزمن، أن الكتابة إليكم من الضمير، لها دواع ذاتية، أو مقاصد وأغراض، فيفقد الحديث منذ البداية قيمته.. لكني وجدتُ اليوم، ولأن آجالنا في يد ليس لبشر عليها سلطان، أن أتوجه إليكم، في لحظة من الصفاء بحديث من الضمير طالما رزح كالحمل الثقيل على صدري.. ولأن كل إنسان في الحياة تجربة، وكل تجربة عمر، وكل عمر زمن.  

‏لقد ذكرتني حكايتك بسحبك الإجازة العلمية عني بحكاية ذلك الإعرابي حين شهد على رجل. فقال المشهود عليه للقاضي: هذا الشاهد غير مقبولة شهادته فهو يملك النصاب ولم يحجّ. فسأل القاضي الشاهد: هل حججت؟ قال: نعم! قال: صف لنا بئر زمزم!. قال: لقد حججتُ بيت الله قبل حفر بئر زمزم!.

‏لهذه النكتة، كما ترى، أكثر من وجه للسخرية تذكرني بمسرحية "أهل الكهف" لتوفيق الحكيم.. وكذلك يريد، فضيلتكم، أن يعلّمنا ديننا، وشهادتنا، وصلاتنا، وصيامنا، وزكاتنا، وحجّنا، وقعودنا، وقيامنا، ونسكنا، وثقافتنا، بعدما حفظنا القران الكريم وكتب الصحاح والسيرة.. فشرّقت مع المغرّبين، وغرّبت مع المشرّقين، ووقفت مع غزيّة التي لم ترشد، ترمح بسيف من خشب: "أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب" وكنت تخادع نفسك وتضلّلها، وتؤدي دور "حارس شرف الأمة"، وترمي الحجارة على جميع النوافذ والشبابيك، وتسوق القافلة بلا بعير، لتكسر عيون أسواق الزيت كلها، وأنت لا زيت عندك في السوق ولا زيتون!.

‏ولأننا نحاول أن نفهم.. فقد نحاول أن نعذر.. كلما تذكرنا قصة النفاق والمنافقين في المدينة، ولأنّ النفاق يدرّ مالاً وذهباً وحظوظاً وأسلاباً ومغانم في الحياة الدنيا، وكلما تذكرنا الدينار والدولار فغلبت المطامع على المبادئ، وأصبح الحق عرشاً أو عروشاً، وأصبح الواجب مغنماً أو مغانم.. وكلما تذكرنا من يتقنون آداب التقدم والتأخر في الكلام، فيخرجون بطرود الهدايا، كلما أفلسوا من عصر بدأوا ينافقون عصراً جديداً.. وفي القران الكريم سورة كاملة اسمها "المنافقون"، والشاعر يقول: "ما دمتَ في عالم النفاق/ فاعدلْ بساقٍ وملْ بساق".. وكلما تذكرنا سعيد بن عروة في قوله: "لأن يكون لي نصف وجه ونصف لسان، على ما فيهما من قبح المنظر وعجز المخبر.. أحبّ إليّ من أن أكون ذا وجهين، وذا لسانين، وذا قولين مختلفين" وكلما أعدنا قراءة رواية الأديب يوسف السباعي "أرض النفاق" فهي تلخص لنا حكاية النفاق العربي من الألف إلى الياء، الذي ألحق بنا هزائم نكراء، بل كلما تذكرنا قول البدويّ العاشق:

‏هنيـئاً مريـئاً غيرُ داءِ مخامـرٍ

‏لعزّةَ من أعراضنا ما استحلّت ِ

‏يُكلّفها الغيـرانُ شتمي وما بها

‏هواني.. ولكنْ للمليك ِ استذلّت ِ

‏والناس أشكال وألوان، يا صاحب الفضيلة، عجائب وأسرار: ومن الناس من يقابل الحسنة بالسيّئة، وينالك بالشر كلما صنعت له المعروف.. ومنهم المعادن الغالية النادرة النفيسة، ومنهم المعادن السيّئة الرخيصة.

‏لذلك لم أستغرب وأنت تخرج علينا من العتمة لتنشر على الملأ الظلام، وتحتال على التاريخ، وتوجّه لنا سهامك الطائشة التي تأني كل مرة في غير مرماها، فزعمت غير راشد، وادعيت بلا هدى، سحبك إجازتنا العلمية بدعوى "الاندماج في العمل السياسي".. وهو كلام باطل يُراد به باطل!.

‏حسناً، وليكن الأمر كذلك، ويا لبؤسها من إجازة، ولكن هل يأذن لنا فضيلتكم بالسؤال:

‏إذا كنت تقول إنني دخلت عالم السياسة ما جلب الويل لأهلنا، طبقاً لتعبيرك، فلعلك تدرك أن للتاريخ ذاكرة لا يمكن أن تمحوها الحوادث والأيام.. ومن هذه الذاكرة سؤالي لك:

‏ماذا جلبت أنت بالذات حين وقفت في ساحة اعتصام الرمادي تستعطف البسطاء من الناس، وتستمطر دموعهم، وتهزج على جراحهم، وتخدعهم بالشعارات الدجّالة، وتخطب فيهم خطبتك النارية المحرّضة على الفتنة، وقد أوغلت بالفتاوى الظالمة في الدماء حتى بلغت الرّكب، تصبّ على النار الخابية زيتاً حتى يشتعل أوراها. وكان من نتاج تلك الفتاوى السوداء والخطب العمياء أنها كانت واحدة من أسباب التخريب واحتلال مدننا من تنظيم داعش الإرهابي، وقد استبيحت من الوريد إلى الوريد من قساة وجلادين، يحزّون الرقاب على نصل السكاكين، ويجتمعون على الضحية مثلما يجتمع الذباب على قطعة جبن فاسدة، ويتقاذفون برؤوس الأطفال كصحاف طعام على مآدب الذئاب.

‏وعلى هذا النحوّ كان تهجير أهل السنّة في العراق ونزوحهم من بيوتهم لا يحملون سوى أمتعتهم الشخصية، ولا يعرفون أين يذهبون، بينما كنتم أنتم ومعشركم ترفلون بالعز والترف والأبّهة والحياة الناعمة الوفيرة في بيوت فواحة بالرحيق.. حتى لم يقدر قابيل أن يخفي دم هابيل، ولا أن يكون أحدكم مثل الغراب يواري سوءة أخيه؟!.

‏هل تتذكرون، فضيلتكم، الصور الموجعة من جسر بزيبز الخشبي على أطراف بغداد لآلاف العائلات الهاربة من جحيم الرمادي ومعاركها التي كانت تخلع القلب لمن بقي لديه قلب. صور لم تكن تحتاج إلى البيان والتبيين لشعب أنباري، كان ولا زال يتصف بالكرم السخي مع ضيوفه حدّ الإسراف، لكنه وقف يتوسّل السماح له بالدخول إلى عاصمته بغداد، كما لو أنه يتسوّل الصدقات من جيوب المحسنين.

‏قل لي أين كنتم أنتم من تلك الصور يا فضيلة الشيخ؟ وأين كانت الفتاوى والخطب والقصائد غير العصماء؟!.

‏أين كنت أنت في سنوات النزوح والعذاب الثلاث، وماذا قدّمت لمن وقفت تخطب فيهم بالتكبير والتهليل؟!.

‏كم تمنيت يومها لو أن فضيلتك تواريت عن الأنظار. كم كنت أتمنى لو أنك أثبت شجاعتك وقدّمت اعتذارك إلى حشود النازحين الفارين من جحيم الموت، مشفوعة باعتراف منك أنك كنت واحداً من أسباب النكبة، والفتنة، والخيبة!.

‏هل يريد فضيلتكم تذكيركم بقصة ولائم، وصفقات، وعمولات، وعباءات.. وأين جرت، وكيف جرت؟!.

‏فلولا الحرص على خيط من ودّ بيننا قديم، وأسرار ناس لم يحافظوا هم عليها لكتبنا لكم في هذه اللحظة قصصاً مشوّقة مخزية في نفس الوقت تغري بالقراءة والإثارة.. منهم شيوخ عشائر بعقال وكوفية، ومنهم علماء دين بعمامة، ومنهم سياسيون بكامل الأناقة، ومنهم متآمرون خائبون صغار.. يتقاتلون على الجشع، ويتاجرون بالنار، ويقبضون المال الحرام مرة باسم المهجرين والنازحين، وأخرى باسم الفتنة والدين، وثالثة بتسخير الطائفية لتبرير الجريمة.

‏لكننا سنؤجل كتابتها حتى حين.

‏يكفيني شرفاً أن تسأل عني أية عائلة نازحة في محافظات الأنبار، ونينوى، وصلاح الدين، وديالى .. وسيأتيك الجواب بما لا تشتهي!.

‏ولولا أن ارتفعت يد العناية الإلهية ما انتصر الشرف على الشر.. ولولا تضحيات الأبطال في الميادين والشهداء الميامين من الذين ارتفعوا بصدورهم العارية فوق العابرين على خطوط النار نوراً على نور، والدماء الطاهرة التي تدفقت من جراحهم، لترسم لنا طريق النصر المبين، وتكتب قصة تحرير معطرة بالزعفران، منداة بأباريق الفخار، ووقوفنا إلى جانبهم في الحرب العظيمة ضد تنظيم داعش الإرهابي لما عادت عائلة نازحة واحدة إلى بيتها.

‏وماذا بعد؟!.

‏أرجوك، يا صاحب الفضيلة ، أن لا تشعر بالملل لحديث طويل أثقل به عليك، وحكايات تعرف من تفاصيلها مثل ما أعرف.. والأيام تمضي إلى أمام ولا تعود إلى وراء.

‏وبيننا قصص جذورها عميقة ضاربة في أغوار الماضي.

‏وصدقني أنني أتمنى لو كان الحاضر كضوء للماضي، أو لو كان الحال غير الحال.

‏وكيف السبيل يا صاحب الفضيلة؟.

‏كيف يمكن أن تعود إلى النفس قداستها؟!.  

‏إن مصالحة الذات قد تحتاج شيئاً يشبه الاستشفاء..

‏دعني أسألك: هل أنت متصالح مع ذاتك؟!.

‏تتحدث لنا عن السياسة وأنت بنفسك تختار توقيتاً سياسياً وتكتب رأيك مدفوعاً بهوى سياسي يقف وراءه أصحاب رؤوس المال!.

‏وإلا، قل لي ما الذي ذكّرك بإجازتي العلمية بعد كل هذه العقود من السنين، وقد بدت العورات في حديثك واضحة بل أكاد أقول فاضحة؟!.

‏ما الذي ذكّرك بهذا كله؟.  

‏ومع هذا.. فانك لم تقدّم لنا الدليل لتشفي الغليل، ولم تقل في هذا الحديث ما ينبغي أن يُقال، بل اكتفيت بطلاسم، وألغاز، واستعارات، وإشارات لم نفهم منها شيئاً!.

‏ولعلك لا تدري أن ابن رشد كان من المشتغلين في السياسة، وكذلك كان ابن خلدون، والعشرات بل المئات من هذا الطراز الشامخ في التاريخ.. فهل فضيلتك أعلم من ابن رشد ومن ابن خلدون؟!.

‏واقرأ التاريخ ابتداء من "ابن اسحق" و "ابن سعد" و "الطبري" إلى "أحمد أمين" و "طه حسين" و"ماسنيون".

‏ومن العجب ، وما أكثر العجب في حكاياتك.. أن تساهم بنفسك في عزل نفسك عن نفسك.. وهنا عتابي الشديد، ليس عليك، ولكن على العجب نفسه، وعلى الحظ التي تركتك تكابر تائهاً في البيداء وحدك.. تعرف من أين، لكنك لا تعرف إلى أين؟!.

‏هل يضايقك إذا عدنا قليلاً إلى الوراء؟.

‏أنت تعلم، والله فوقنا أعلم، أننا تركنا التتلمذ على أيديكم منذ أن افترقت بيننا الهويات والدروب والولاءات والقلوب، فقد اكتشفنا منذ تلك السنوات الغابرة أنكم تنتمون إلى مدرسة بائسة فقدت البوصلة وأضاعت الرشد ونخرها السوس، بينما كنّا ننتمي إلى مدرسة فكرية عظيمة تحافظ على ثوابت الأمة وهويتها وعلى وحدة العراق أرضا وسماء وماء، فهو الجزء الفاعل، والمتحرك في هذه الأمة.

‏ولكي لا تنظر إلى التاريخ بعين واحدة.. فأنت تعلم، أنك بنفسك من طلبت مني وألححت في طلبك على منحي إجازة من لدنك، لم أكن في حاجة لها، لأنها مجرد حصرم لا تقدّم ولا تؤخر ولا وزن لها في الحساب.. وليس من باب الفخر أن أجد نفسي في هذه اللحظة، أن أدعوك وجميع معشرك إلى مناظرة فكرية مفتوحة على أية فضائية تختارها أنت بنفسك، ولك أن تدعو من شئت يكونون سنداً لك فيها وأكون أنا بمفردي، وليكن جمهور العلماء، والفقهاء، والمفكرين، والمثقفين هم الحكم بيني وبينكم.

‏نعم أنت عالم على قدر علمك، لكنك تعلم قبل غيرك أنني تفوقت عليك في الدراسات والشهادات والكتابة والتأليف، وقد منحني الشهادات الدراسية من هو أعلم منك بكثير وكثير.. وإذ تجاوز عمرك الثمانين، أطال الله في عمرك، فانك لم تحصل في حياتك على جائزة واحدة، كان الله في عونك، بينما تقاطرت عليّ عشرات الجوائز والشهادات العالمية والإسلامية من جهات العالم الأربع ومن جامعات عريقة ومن روابط التجديد والوسطية والاعتدال ومن مشيخة الأزهر ذاتها.

‏وليتك مع ذلك تسأل نفسك، وأنت في خلوة حين تصفو إلى نفسك:

‏من بقي من تلاميذك؟ وأين هم الآن؟.

‏هل أضيف شيئاً آخر؟!.

‏لقد أوردتُ هذه اللمحات من تجارب سابقة لكي أضع حديث الضمير في محله، برغم أن الضمير هذه الأيام، يا صاحب الفضيلة، ليس في محله!.

‏لقد غفرت لك أخطاءك معي، ولعلّ من أعذاري، دائماً ، في طلب المغفرة.. أن الغفران ليس مُلك البشر، وإنما مُلك التاريخ وحده، بمقدار ما أن التاريخ كله مملكة الله!.

‏ثم نصيحة لك، والدين نصيحة، أن لا ترهن آراءك تحت وصاية الأفاقين والدجالين والمنافقين والمزورين، ولا تبع ماءك في حارة السقّائين.. لأنكم إن عدتم عدنا.. وآنئذ سنكتب القصة الكاملة مهما كانت المرارة.. مهما كانت المرارة، وحتى يستبدّ بك العجب ولا عجب!.

‏عبد اللطيف الهميم

علق هنا