تحالف اطفاء الحرائق

بغداد- العراق اليوم:

عبد الحميد الصائح

  العراق ميدان ، اما أنْ تلعب داخلَه الى النهاية أو تخرج منه دون أنْ تمدّ لسانك لتذوّقِ شيءٍ من حلاوته ، فاذا احترق لسانُك بسبب سوء تقدير ، ستفقد الحلاوة المتوقعةَ والنطقَ معا.

ميدان العراق السياسي اليوم يقوم على قاعدة واحدة  القوة ، والقوة فقط ، إذا كنت قويا تستطيع أنْ تصبح ماتشاء ، عالماً، حكيما،  معارضاً ثائراً على السلطة ، حاكماً متحكماً بها ، تقف ، تتحرك ، تقبل ترفض ، تتفاوض تتحالف تتخاصم ، كيفما تشاء تجد ماتشاء، لأن القوة هي الضوء الاخضر الوحيد الذي تعطيه لنفسك بازاء اي فعل تراه وتقوم به بنفسك.

اذا غَفلْ أحدٌ هذه الحقيقة يُصبح شخصا فارغا ، مجرد مرآة للاحداث ، ومعلقٍ رياضي لايجيد سوى وصف المباراة وفي أكثر تقدير استعراض تاريخ الفريقين ، وعدد مبارياتهم واهدافهم وخساراتهم وفوزهم وضربات الجزاء التي حدثت في مرماهم او مرمى خصومهم .

هذا الفخ وقع فيه كبار المحللين والمتنبئين العراقيين بل كبار دهاقنة السياسة التقليدية الذين مازالوا يَروْن أن الأحزاب لها نظريات ، وان الحزبيين لهم ثقافات متنوعة، وان العملَ السياسي له قواعد متعددة .وظلوا يأملون ويأملون حتى تعفنوا من الأمل ، بل توهموا أن للاقوياء أعداءً في العراق ، القوي في العراق لا أعداء له ، له أصدقاء فقط ، أصدقاء أقوياء يقاسمونه النفوذ ، وأصدقاء ضعفاء يسعون الى رحمته وحمايته، لاثمن يدفعونه، الا تصفير الملاحظات والتسليم بالقدر والاعتماد على القوي العزيز ، والعزيز في العراق وربما في العالم اليوم ليس سوى القوي ، ايران لاتحترم الا القوي واميريكا لاتحترم ولاتفاوض الا القوي وتركيا تسخر من الضعيف حتى لو صلى الليل والنهار لدولة الخلافة ، وعليه ، فقد خاب ظن الذين توهموا خلافا عقائديا فكريا بين السيد مقتدى الصدر والسيد هادي العامري او بين السيدين الحكيم والمالكي او بين ملا بختيار ومسرور البرزاني ، هذه الرؤى رؤى الأقوياء الذين لايختلفون الا لكي يتصالحوا  ويتحالفوا ويقودوا دفة القرار العراقي في الظروف الحالية ، ومن المنطقي جدا ان ينصرف جمهور الميدان عائدا الى البيوت وفضلات الاخبار بعد (سائرون - الفتح) الخبر الصحيح المؤكد المطلوب دوليا وعراقيا واقليميا ، سواء كان هذا الجمهور من المراهنين على السباق ام من المتفرجين فقط .

اهمية التحالف الجديد بين الفتح وسائرون هو انهاء حالة الذعر في العراق من أن ينفردَ قويٌ خارج صنع القرار، فلايمكن لقوي ان ينفرد باشعال الحرائق أو باطفائها ،طالما هناك قويٌ آخر ينافسه ، اذا اتفقا وعملا سويا فذلك رحمة للعالمين وسيكون عملهما بمثابة اطفاء للحرائق السياسية وتبعات العداء المفتوح الى مالا يعرف عقباه.

الآن مالذي سيفعله الذين وضعوا بيوضهم في سلال الاقوياء ، او الذين اقتنوا بطاقات اليانصيب وفيشات المقامرة على نتائج اللعبة في الميدان ؟ خياران لاثالث لهما ، اما الصمت او الصمت  وعدم الحديث عن الاحباط والخسارة ، منهم من يصمت تسليما كاملا واحتراما لسلامة القرار وقوة التحالف الطبيعي ، ومنهم من يصمت طالبا العِتْقَ من السياسة والانصراف من الميدان  بعد ان وضع قراره وتاريخه التراجيدي الطويل بيد منظّرين مثقفين خِلّب لايجيدون سوى تبرير التناقضات جميعها في آن واحد.

علق هنا