من أين جاءت ثقة الصدر بقاسم الأعرجي، ولماذا أوكل له دون غيره مهمة نزع سلاح تياره، وسلاح المنظمات الأخرى؟

بغداد- العراق اليوم:

موقف لافت وتطور نوعي ذلك الذي جاء في بيان السيد مقتدى الصدر الأخير عقب الانفجار المأساوي والكارثي الذي ضرب مدينة الصبر (مدينة الصدر) القطاع العاشر، نتيجةً لتصرف غير مسؤول من بعض الجماعات أو الشخصيات بتخزينها اكداس من الأعتدة في منطقة شعبية فقيرة، فقد جاء البيان ليؤكد ما كنا أشرناه سابقاً عن تحول نوعي في سلوك التيار الصدري بقياداته نحو ترسيخ دولة المؤسسات، ودولة المواطنة، والتخلص التدريجي من اعباء الماضي، ومحاولة جادة لتفكيك ذلك الأرث، كي لا يترك اثاراً في مشهد الحاضر وصورة المستقبل.

نعم البيان جاء ليضع النقاط على الحروف، والأهم من ذلك أن الصدر أوكل المهمة الى الجهات المهنية المختصة، في اشارة الى أنه يثمن ويقدر دور وزارة الداخلية، خصوصاً وزيرها (العراقي الغيور) قاسم الأعرجي، مؤكدا أن الداخلية محل ثقة العراقيين جميعًا، وأن دورها الوطني لا يمكن أن يكون محل شك ابداً، لاسيما وأن الأعوام الماضية من الاداء اثبتت أن الوزارة عراقية صرفة، ومهنية بكل ما تعني الكلمة من معنى، وأنها تقف من الجميع بذات المسافة، وتتعامل مع أخطر الملفات واعقدها من باب واحد وهو القانون لا غير.

إذاً فالبيان الذي اصدره الصدر، احال مهمة نزع السلاح من مدينة الصدر الى وزارة الداخلية، وايس غيرها، وأكد احترامه وكل التابعين له لأي دور ستقوم به هذه الوزارة، كما أن البيان لم يحدد الجهة التي ستقوم قوات الداخلية الباسلة بنزع سلاحها، بل أن البيان اهاب بجميع الجهات والجماعات، سواء اكانت ضمن فصائل الحشد الشعبي، أو الجماعات المقاومة الأخرى، الى التعاون مع قوات الداخلية من اجل تنفيذ هذه المهمة الوطنية النبيلة.

وفي قراءة بسيطة وسريعة لفحوى هذا البيان، نجد أن القوى المؤثرة والهامة في البلاد وذات الامتدادات الشعبية والقواعد الجماهيرية، باتت تعترف أن ثمة وزارة أمنية مهنية غير مسيسة، وأنها قادرة على الفصل بين ما هو قانوني وما هو حزبي كتلوي، وأن الوزارة استطاعت محو ملف التسييس الذي كان يطاردها للأسف بسبب نقص الخبرة لدى البعض، أو تعمد لاثارة الفرقة بين ابناء الوطن الواحد.

أن جهود وزير الداخلية الحالي قاسم الأعرجي في إيصال الوزارة الى هذا المفصل، رغم خطورة المهمة التي وضعها السيد الصدر على اكتاف الاعرجي، ورغم حساسية الظرف السياسي والأمني التاريخي الذي يمر به العراق الان، الا إن جهوداً كبيرة وذات نتائج مهمة تتحقق على الأرض يوماً بعد أخر، وإن فعلاً وطنياً حقيقياً قام به الفتى الأعرجي طيلة وجوده على قمة هرم هذه الوزارة دفع الصدر الى ان يطلب بلسانه من الأعرجي، ومن وزارته القيام بمهمة نزع السلاح من الجميع بما في ذلك تياره الصدري المسلح دائماً، رغم توجس البعض، وظنون البعض الآخر وشكه بنوايا هذا التكليف، وبدوافع هذه الدعوة الملغومة، لكن الحقيقة التي لامناص منها ان الاعرجي ومعه وزارة الداخلية يحظيان بثقة الصدر، والا ما كان السيد يطلق مثل هذه الدعىة علناً وأمام الجميع، وهو المعروف بعدم منحه الثقة لأي وزير حكومي من قبل، حتى لو كان هذا الوزير من مرشحي تياره!

   فأية ثقة مهمة واستثنائية هذه التي كسبها هذا الوزير المنتج ؟

 ولعل من اهم نتائج هذا التكليف الإعتباري، إننا سنشهد تغييراً يتمنى كل عراقي ان يراه على الأرض من قبل. ونعني بذلك أننا نتجه بقوة الى دولة المؤسسات، ودولة القانون، والدولة التي تحتكر القوة لوحدها، ولا تسمح لأي جهة أن تجاورها في هذه المهمة، واذا ما كانت ظروف الحرب على الأرهاب وداعش الاجرامي، قد جعلت من الدولة تغض النظر عن هذا الأمر بشكل مؤقت، فأن الوقت يبدو قد حان لأن يخضع الجميع لمنطق الدولة التي تمتلك القوات الأمنية، وتدير ملفها الأمني بعيداً عن أي تداخلات او تعقيدات.

أن للأعرجي دوراً محورياً في نجاح هذه العملية، وسنرى خطوات مهمة بكل تأكيد، كما أنها دعوة للوزير الأعرجي لاستثمار اجواء الثقة هذه للبدء بعملية واسعة لنزع السلاح من أيدي الجماعات الأخرى، لاسيما العشائر التي باتت تؤرق الوضع الأمني، بخاصة في جنوب العراق، الذي يحتاج الى جهد اضافي نتمنى أن نراه عما قريب.

علق هنا