التسوية واختلاف (سياسي السنة) وراء رفض قانون الحشد الشعبي

بغداد- العراق اليوم:عادل الجبوري

لم تهدأ بعد-ومن المستبعد ان تهدأ خلال وقت قصير-الزوبعة التي اثيرت حول قانون الحشد الشعبي من قبل اوساط ومحافل سياسية واعلامية في داخل العراق ومن خارجه.

   قد لا تختلف هذه الزوبعة عن زوابع كثيرة اثيرت خلال الاعوام الثلاثة عشر الماضية، انطلاقا من حسابات واجندات معينة، وسعيا وراء مكاسب وامتيازات خاصة، بدءا من زوبعة الدستور في عام 2005، مرورا بزوبعة قانون الاقاليم، وزوبعة قانون مجالس المحافظات، وزوبعة ساحات الاعتصام، واغلب الظن لن تكون زوبعة قانون الحشد الشعبي الاخيرة، ما دامت حيثيات ومعطيات المشهد السياسي العام هي هي، ولم تطرأ عليها متغيرات حقيقية يعتد بها.

   المثير في الامر، وما يستحق التوقف عنده، هو ان مايقال في العلن عن قانون الحشد الشعبي من قبل الرافضين له والمتحفظين عليه، يختلف بمقدار كبير جدا عما يطرح في الكواليس وخلف الابواب المغلقة، وعبر المباحثات الهاتفية الخاصة.

   لا نحتاج الى الدخول في تفاصيل وابعاد ما قيل ويقال في العلن،  لانه واضح الى حد كبير، ولكن البحث فيما قيل ويقال في الخفاء امر ضروري ومهم لانه يمكن ان يميط اللثام عن جزء من النوايا والمواقف والتوجهات.

   في الاطار العام لا يبدو ان الاطراف الرافضة والمتحفظة لديها مشكلة مع قانون الحشد من حيث المبدأ، بيد ان لديها هواجس ومخاوف وقلق حول النسب والمواقع والامتيازات في هيكلية ومنظومة الحشد الشعبي المرتقبة.

الحشد الشعبي

حسابات ضيقة وراء رفض قانون الحشد

   وهم يبررون عدم تصويتهم على مشروع قانون الحشد الشعبي تحت قبة البرلمان، والحملات السياسية والاعلامية ضد القانون، لا سيما بعد اقراره، بجملة امور، من بينها:

-عدم التوصل الى توافق وتفاهم بين ممثلي المكون السني يفضي الى موقف منسجم ومتجانس.

   وبالفعل فإن هذا الامر، لم يكن من الصعب تشخيصه، فتبادل الاتهامات بين الفرقاء السنة شغل حيزا غير قليل في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، كما ان الجدل والسجال حول وثيقة التسوية الوطنية، افرز فريقين، الاول هو المشارك في العملية السياسية، والذي يرى انه الاولى بأن يتصدى ويكون الطرف الممثل للمكون السني، والفريق الثاني، هو المعارض للعملية السياسية وغير المشارك فيها، ويجادل في ان اية تسوية ينبغي ان تفضي الى تلبية شروطه ومطاليبه، او بأدنى تقدير تلبية جزء منها.

-الضغوطات والاملاءات الخارجية على قوى وشخصيات المكون السني، حيث يعترف ويقر عدد غير قليل منهم بتلك الضغوط والاملاءات، وحينما يسألون من قبل قوى التحالف الوطني في الاجتماعات واللقاءات الخاصة "اذا كنتم متفهمين لقانون الحشد الشعبي، فلماذا لا تصوتون عليه بالموافقة؟"، فإن ردهم هو "لا نستطيع التصويت عليه لاننا محكومون بظروف معينة"، وعند الالحاح عليهم عن طبيعة تلك الظروف المعينة، يقولون "تحالفاتنا وعلاقاتنا الاقليمية والدولية تفرض علينا بعض المواقف"!.

   واذا كان قادة المكون السني مقتنعين، فإنهم لا يستطيعون بالضرورة اقناع اعضاء البرلمان التابعين لكتلهم وكياناتهم بتبني قناعاتهم وتوجهاتهم، لان بعض –او معظم - هؤلاء الاعضاء لديهم ارتباطاتهم وقنواتهم الخاصة مع هذا الطرف الخارجي او ذاك، وغالبا ما تشغلهم وتهمهم كثيرا مغريات واغراءات الخارج.

-قادة وزعماء وممثلو المكون السني، لم يقترعوا على قانون الحشد الشعبي، لانهم ارادوا ان يحصلوا على  ضمانات وتعهدات مسبقة من التحالف الوطني المتبني لمشروع القانون، بعبارة اخرى، هم يقولون "لا نصوت على القانون قبل ان نعرف ما لنا فيه". وهم يقصدون كم سيكون عدد منتسبي الحشد من المكون السني، وكم ستكون نسبة كل محافظة فيه، وكم وما هي المواقع القيادية للمكون السني في منظومة الحشد على ضوء القانون الجديد؟.

   وبما ان الشعور السائد في عموم فضاء المكون السني هو ان قانون الحشد الشعبي يمثل مكسبا كبيرا للمكون الشيعي، فهذا يعني تلقائيا -بحسب فهمهم-تحجيما وتهميشا للمكون السني، وعليه فإن هناك خيارين للتعاطي معه، اما افشاله واحباطه، واذا لم يكن ذلك ممكنا، فالخيار الثاني سيتمثل بالعرقلة والتعويق والتسويف من اجل الحصول على اقصى قدر من المكاسب والامتيازات من خلاله.

   وهؤلاء الذين يرفضون ويتحفظون على القانون، لا تعنيهم كثيرا حقيقة انه لولا الحشد الشعبي لما تحررت الكثير من مناطقهم ومدنهم من عصابات داعش، ولا يتوقفون عند حقيقة ان الذين قدموا ارواحهم ودماءهم من اجل طرد داعش من الانبار وتكريت والموصل هم من ابناء الجنوب والفرات الاوسط، وليس في نيتهم ولا طموحهم ان يبقوا في المناطق والمدن التي حرروها، بقدر ما يتطلعون الى انتهاء المهام الموكلة اليهم حتى يعودوا الى عوائلهم في اسرع وقت ممكن.

   وكذلك فإنهم لا يعيرون الاهتمام الكافي لحقيقة ان وجود قانون للحشد، يعني جعله مؤسسة تخضع لسياقات وضوابط مهنية، وتكون لها مرجعية رسمية عليا على صعيد رسم السياسات، وتحديد المهام، واتخاذ القرارات، ومثلما قال رئيس الوزراء حيدر العبادي من "ان وضع اطار قانوني لقوات الحشد الشعبي يمنع تحولها لقوى خارج اطار الدولة".

   وبما ان المواقف مبنية على اساس هواجس ومخاوف، وضغوطات واملاءات، وطموحات ومزايدات، فإنها من الطبيعي جدا ان تغيب القراءات والتقييمات الموضوعية، التي لو وجدت لاختلف المشهد العام عن ما هو عليه الان.

علق هنا