لا تتركوا رائد فهمي خارج الوزارة القادمة

بغداد- العراق اليوم:

من يريد الإصلاح الحقيقي عليه أن يسلك سبيل ذلك، ومن يريده برنامجًا ناجحًا وحقيقيًا، عليه أن يوفر له أسبابه الموضوعية والعملية حتى يكون الاصلاح واقعاً وليس اطارًا تنظيريًا فارغًا، أو دعاية، او ربما بروبغندا فارغة، قد تؤدي الى نتائج عكسية، اذ أن الشارع العراقي وصل وكما يبدو الى أخر المحطات مع قطار هذه العملية، وبات مقتنعًا اكثر من أي وقت مضى أن القطار في مرحلته الأخيرة في السكة التي يمكن أن تجد تقاطعًا صعبًا لاعادة وجهته، والا فأنه سيتجه بعد ذلك في تيه عظيم، ولا يلوي على شيء، بل سيهيم في صحارى الفساد والفوضى والتصارع البعيد عن هموم الناس ومشاكلهم.

لذا تنتظر طبقات واسعة من ابناء الشعب ان يصار الى طرح خطوط مشروع الاصلاح وآلياته، وأن يبدأ الذين يطرحونه كمنهاج عمل الآن بترجمة ذلك على أرض الواقع، عبر تفكيك أصل المشكلة، ومن ثم الشروع ببناء معالجاتها الحقيقية، فلا يمكن أن نتصور اصلاح سياسي في البلاد، دون ان يرافقه اصلاح اقتصادي جذري، ودون ان يرافقه ايضًا اصلاح ثقافي واجتماعي وتعليمي وهكذا دواليك في كل القطاعات العراقية.

فالإصلاح السياسي ينبغي ان يكون الرافعة لكل مشاريع الاصلاح المجاورة، ولعل أهم جزء في رأينا من مشاريع الاصلاح في العراق، يكمن في إصلاح المؤسسات التعليمية ولاسيما قطاعي التربية والتعليم العالي، اللذين ينبغي أن يكونا منطلقًا اصلاحيًا، ومدخلاً في بناء عملية تنمية مستدامة في العراق.

هذا التصور يحتاج الى عقلية ناضجة، واعية ذات قدرات قيادية، فضلاً عن مهارات اضافية ومقبولية حقيقية في الاوساط العلمية والتربوية، وأن تكون الشخصية ذات ثقل حقيقي وواقعي، وقد خبرت الممارسة الحكومية الناضجة، وعملت في فترات حرجة واثبتت نجاحاً حقيقيًا في ميادين العمل.

حتى يتمكن هذا الشخص من الأخذ بمشروع الاصلاح الذي يتبناه الى مواقع التطبيق العملي، ويكون في موقع التنفيذ المباشر لهذا المشروع الذي لن يكون سهلاً بالتأكيد في ظل تنامي المحسوبيات والمنسوبيات واستشراء الفساد، وتخريب بنية التعليم والتربية بسبب التجاوزات القانونية وكثرة الاستثناءات وما يحيط ذلك من تراجع حقيقي لدور المؤسسة التربوية والتعليمية في البلاد، والتي نعتقد جازمين أن مخرجاتها باتت تشكل ضغطًا اضافيًا على الواقع المتردي في البلاد.

لذا فأن اسناد مهمة هذين القطاعين في الحكومة المقبلة نعتقدها مهمة توازي ان لم تتفوق على منصب رئاسة الحكومة دون مبالغة، فهذه المواقع باعتقادنا أس الاصلاح وجذره، أن نجحنا فيها نجحنا فيما سواها، وأن فشلنا بها فشلنا بما دونها بالتأكيد.

ومن هذا المنطلق، ومن هذه الرؤية والادراك لمتطلبات الواقع، ينبغي القول أن ثمة شخصية علمية وطنية مقبولة وذات انجاز وطني، وسيرة فاضلة وهدوء مصحوب بقدرة عملية على الادارة وبناء تصورات ستراتيجية لهذين القطاعين، ينبغي ان تأخذ دورها في هذه المرحلة المفصلية، وأن ننقذ قطاعات التربية والتعليم العالي من الارتجال والفوضوية او الوزراء التحاصصيين الذين يؤتى بهم كسد حاجة لا أكثر.

نعتقد ويشاركنا قطاع واسع من ابناء شعبنا العراقي، أن اسناد مهمة قطاع التربية والتعليم للدكتور رائد فهمي، هو واحدة من  البدايات المشجعة والمنتجة لمشروع الاصلاح السياسي الشامل في البلاد. ونرى ونحن نؤكد بعدنا عن أي دوافع مصلحية او ذاتية مع السيد فهمي، انما نقولها بصدق ان الرجل قد لا يقرأ هذا الحديث حتى بعد نشره. الا أننا كصحافة وطنية مسؤولة وكجزء من وضع الحلول والاشارة الى مواطن القوة والاصلاح، كما كنا نشير على طول الفترة الماضية الى مواطن الضعف والترهل، فأننا نضع امام من سيكلف برئاسة الحكومة المقبلة، ان لا تحجبه النظرات الايدلوجية أو الاستحقاقات المحاصصية المقيتة، عن النظر برؤية رجل دولة ومسؤول الى هذه الكفاءة المشهود لها بالقدرة والنزاهة والتاريخ والوطنية، ونظافة اليد المشهور فيها. فالرجل الذي دخل الوزارة الاولى وخرج لم تسجل له الا شهادات اعتراف من العدو قبل الصديق أنه ترك بصمات مهمة في سيرة عمله الوزاري.

نأمل أن لا تترك الحكومة المقبلة كل كفاءة عراقية قادرة على ترجمة مشروع الاصلاح خلف ظهرها، لاننا نعتقد جازمين أن مشروع الاصلاح عملية بحاجة الى رجال مؤمنين بها، لا رجال يشترى ايمانهم وتألف قلوبهم قبل تأليف الحكومة!!

علق هنا