نحو التغيير المنشود !

 

اذا كان الرازحون تحت وطأة الظروف المرهقة المحيطة بهم تواقيّن الى التغيير انعتاقاً من عوالمهم الكئيبة الداكنة، فانّ عامة المجتمعات البشرية – حتى تلك التي توصف بأرقى الأوصاف – تواّقة للتغيير أيضا.

الشعب البريطاني صوّت للخروج من الاتحاد الاوربي بداعي التغيير!!

الشعب الاميركي صوّت لـ (ترامب) الذي أكثر الحديث عن التغيير ... وهكذا الآخرون. 

ولولا النقمة من فساد الاجهزة وما تجترح من مفارقات، لما كان لنغمة (التغيير) هذا التأثير الواسع، والدويّ الهائل.

انّ الجماهير تطرب لهذه (النغمة) لتعرب عن انّها ضاقت ذرعاً بما لاقته من مرارة في ظل ما تعيشه من اوضاع، وبالتالي فهي تبحث عن الجديد الذي يحقق لها الآمال!!.

والمحترفون السياسيون يبرعون في طرح الشعارات البرّاقة التي تجتذب الناس، وليسوا جادين حقيقةً في إحداث النقلة النوعية المطلوبة!.

ومن هنا: جاء طرح شعار التغيير، حتى أصبح الراية التي يحملها الحالمون بالوصول الى المواقع الرئاسية والمناصب الكبرى.

والتغيير عملية لا يقوى على انجازها شخص واحد مهما عظمت قوة شخصيته، ومهما ارتفعت مكانته، مالم تسانده بصدق واخلاص أجهزة الدولة ومؤسساتها .

لقد دلّت التجربة على أنْ التقاطع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الدولة يشكل عائقاً كبيراً يحول دون إحداث الكثير من التغييرات، والأمثلة على ذلك عراقيا معروفة واضحة .

ومن الصعوبة بمكان ان تكون المواقف متجانسة في كل المواقع، في ظلّ معادلات المحاصصة الطائفية والحزبية والقومية.

ان جميع المعادلات لا بُدَّ ان تبدأ من (المواطنة) واستحقاقاتها، وليس من المكاسب والامتيازات التي يحققها هذا الفريق السياسي أو ذاك على حساب الكتل الأخرى وباقي المواطنين.

انّ الأحزاب والكتل السياسية في الدول المتمرسة تتعارض وتختلف وتتوزع بينها المهام.

ففريق يمسك السلطة وفريق يمثّل المعارضة، ولكن ذلك لن يؤثر على الاطلاق في توجهها جميعا نحو خدمة المواطن والوطن ...

فالوطن والمواطن هم الأساس.

وفي العراق الجديد: اشتدت حمى الصراع على المناصب والحقائب،

وكلُّ الكتل السياسية تريد السلطة، ولا يرغب أحدٌ في ان يمثّل المعارضة في مجلس النواب!.

والأنكى من ذلك :

اصطفاف بعض المسؤولين في خندق المعارضة في مفارقة رهيبة، وكأنّهم يريدون ان يجمعوا بين مكاسب السلطة، ومزايا المعارضة وهذا مالا يكون!!

ويوم ترك المقبور (حسين كامل) العراق واتجه الى (عمّان) وكان ذلك تحديداً عام 1995 – حاول ان يطرح نفسه زعيماً للمعارضة، وان يجتذب اليه من يستطيع، من قوى المعارضة العراقية المناهضة للدكتاتورية الصداميّة البائدة .

وفي اجتماع لفريق من المعارضين العراقيين في لندن يومذاك أبدى بعضهم الاستعداد للعمل ضمن هذا السياق ، وبرّر ذلك بالقول :

ألسنا مع التغيير؟، فلنعمل اذن على التغيير،

 وتصدى كاتب هذه السطور الى ذلك الصوت النشاز بالقول :

نحن مع التغيير المطلق ولسنا مع مطلق التغيير.

ومعنى ذلك :

أننا لا نستبدل طاغية بآخر ، وانما نسعى الى انقاذ البلد من براثن الطغيان والاستبداد والدكتاتورية، وعندها ينتخب الشخصُ بارادته الحرة ومن دون ضغوط واكراه من يراه أهلاً للنهوض بالمسؤولية ...

وكان لكلمتنا وقعها المؤثر فانطفأت الشرارة وشاعت العبارة!!

انّ التغيير الحقيقي هو تغيير النفوس ، وما لم تنطو صفحات النرجسية والأنانية والذاتية، لتحل محلها الموضوعية والصدق ونكران الذات، فلن نشهد التغيير المنشود .

وحسبنا ان نذّكر بقوله تعالى : «انّ الله لايُغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم». الرعد/ 11.

علق هنا