الجنرال طالب شغاتي: مؤهلات عالية ترشحه لقيادة (حلف الناتو)

بغداد- العراق اليوم:

للصحافة أعراف، وقوانين راسخة في أساسات المهنة.. يعرفها، ويدركها جميع العاملين في الحقل الصحفي، ومن بين هذه القوانين: الحيادية، والتعامل بدون تحيز مع القضايا الهامة، لاسيما القضايا الخصوصية، المتعلقة بعرض سيرة، أو موقف، أو إنطباع، أو إبداء رأي في شخصية معينة، وهي أمور قابلة للتأويل في العراق الجديد . وستكون الحاجة أشد لإستحضار قيم المهنية عندما تكتب عن شخصية فاعلة، وسيادية في الدولة، خصوصاً في هذا الزمن الملتبس والمرتبك، وفي بلد مفتوحة أبوابه على جميع الإتهامات، والتسقيطات، والتشكيك المنوَّع، وأول التهم، وأسهلها تهمة (القبض) من الشخصية السيادية إن إمتدحتها، أو تهمة القبض من الشخصية المنافسة والمناوئة، إن ذممتها .

هذا عن المهنية، ولكن ماذا عن الوطنية، حين تجد أمامك شخصية قيادية، فاعلة وسيادية، لكنها في نفس الوقت تقود جيشاً يحمي أطفالك، ويحرر مدنك المحتلة من قبل عصابات إرهابية مجرمة، ويعيد أهلك الى بيوتهم المنكوبة والمنهوبة، بكل إحترام وأمانة وإنسانية؟

كيف ستنجح في رسم صورة (طبق الأصل) لهذه الشخصية، فتذكر إيجابياتها، وسلبياتها على حد سواء، وكيف ستخرج من هذا المأزق العسير، وأنت تجلس بين موقعين متناقضين؟

هل ستكون دقيقاً ومهنياً بقياسات المسطرة مع هذه الشخصية، فترضي ضميرك المهني، أم ستغمض عينيك عن سلبياتها، وتفتح عينيك على آخر مديات إتساعهما لرؤية أصغر النقاط الإيجابية بهذه الشخصية، فتربح ضميرك الوطني؟

نعم هكذا كنت أشعر عندما أقدمت على الكتابة عن القائد العسكري العراقي طالب شغاتي.

ولا أخفي عليكم فقد كنت أجلس فوق لهيبين: لهيب القيم المهنية، ولهيب الإنتماء الوطني.. ولا أعرف هل نجحت في رسم صورة (طبق الأصل) للجنرال طالب شغاتي دون أن أسقط في نار أحد اللهيبين.. أم لا؟

 

من قلعة (صالح) الى قمة (الهرم) العسكري

 

صحيح أن الفريق الأول الركن طالب شغاتي، ولد في بيت يقع في أقاصي الجنوب، وتحديداً في قضاء (قلعة صالح) بمحافظة ميسان عام 1949، لكنه نشأ، ونما، وكبر، وتشبعت مساماته بأريج العلم والنبوغ المبكر في العاصمة بغداد، بعد أن درس، وتخرج بتفوق عال من ثانوية قتيبة للبنين في مدينة الثورة / مقابل جامع سيد حسين/ سنة 1968. وليس غريباً أن يخرج طالب شغاتي من بين صفوف هذه الثانوية التي كانت منجماً للمواهب المتنوعة في الشعر، والرياضة، والمسرح، والرسم، والقصة، والعلوم، والنضال الوطني.. ويكفي أنها إحتضنت في تلك الحقية الثرية اللاعب الكبير فلاح حسن وغيره من نجوم الكرة الكبار، وأطلقت الشعراء خزعل الماجدي وشاكر لعيبي، وكريم العراقي، وفالح حسون الدراجي وحميد قاسم، والروائي عبد الله صخي، وغيرهم من الأسماء الأدبية البارزة.

 

 

وإذا ما أردنا الحديث عن سيرة هذا القائد العراقي العسكري، (القادم من بيوت مدينة الثورة الفقيرة)، فلا يمكن لنا تجاوز إمكاناته وقدراته العقلية والعلمية المتقدمة.. تلك القدرات التي دعت كبار العسكريين في الغرب للإعتراف بعبقريته، والتوقف عند أعلميته العسكرية، والإستفادة من هذه الأعلمية، وهو أمر ليس سهلاً قطعاً. فقادة (حلف الناتو) مثلاً لم يأتوا لطالب شغاتي، وإستشارته في الكثير من القضايا العسكرية والأمنية المعقدة، بسبب جهلهم أو فقرهم العلمي، ولم يأتوا أيضاً (لمجاملة) الرجل، فهم قادة وخبراء كبار، لديهم من العلوم العسكرية الشيء الكبير والكثير، لكنهم جاءوا اليه، ليحتكموا لرأيه، ويستفيدوا من مشورته في كيفية التصدي للإرهاب، وفي قضايا التحليل الرصين للأحداث التي تقع في المناطق العراقية. فمنظومة المعارف الديناميكية المتطورة التي يحتويها عقل شغاتي، تجذب هؤلاء القادة اليه، لا سيما وأن في رؤوسهم اسئلة صعبة ومعقدة، تحتاج لأجوبة ناضجة، لن يجدوها إلاَّ عند قائد بحجم، وعلم، ودراية هذا الضابط العراقي.

وشغاتي الأنيق، الرشيق رغم (وزنه العسكري والعلمي الثقيل)، والخجول الهادئ الذي لا يتحدث الا (بالمثاقيل)، رغم أنه يجيد التحدث بست لغات أجنبية، يمتلك الكثير من الأشياء التي يبحث عنها هؤلاء القادة، خاصة في جغرافية التاريخ الميداني للمنطقة.

 

سجل معرفي وعسكري فريد

 

لطالب شغاتي سجل معرفي وعسكري فريد، ربما لا يمتلكه أحد غير طالب شغاتي نفسه.. فهو مثلاً:

 الأول على دورته الـ 49 في الكلية العسكرية عام 1970، والأول على الدورة السابعة في كلية القيادة، والأول على دورته في كلية الأركان – الدورة 50.

وبعد تخرجه من الكلية العسكرية، عمل في صنف مدفعية الميدان، واشترك بدورة الصواريخ الأساسية عام 1971 في الاتحاد السوفيتي، ليتحول الى صنف الدفاع الجوي/ صواريخ.

ثم عمل في وحدات الدفاع الجوي، وحسب تسلسل المناصب، وصل الى آمر لواء دفاع جوي (القائم)، ومن ثم الى عميد معهد الدفاع الجوي، وعميد كلية الدفاع الجوي، برتبة لواء ركن دفاع جوي عام 2001 .

والرجل حاصل على بكالوريوس علوم عسكرية، وماجستير علوم عسكرية أيضاً..

 وحاصل على الماجستير والدكتوراة في القانون الدولي، وله شهادة عالية في العلوم الأمنية، كان قد حصل عليها من جامعة الدفاع الأمريكي، وشهادة أخرى في العلوم الأمنية نالها من (مارشل سنتر) في المانيا.. وأخرى مماثلة حصل عليها من سويسرا – جنيف.. وشهادة العلوم الأمنية الاستراتيجية من –  بريطانيا - لندن

وهو خريج دورة التخطيط الاستراتيجي الناتو –روما 

وخريج دورة التخطيط الاستراتيجي نيسا – واشنطن

ونال أعلى الشهادات من مشاركته في دورة لأسلحة الدمار الشامل في –  بريطانيا –  وشهادة في دورة السيطرة على الاستيراد والتصدير للمواد المزدوجة الاستخدام من لندن.

وهو واحد من أبرز المتخرجين في دورة الاسلحة الكيميائية والسيطرة على استخدامها وتداولها في هولندا.

ومشارك فاعل في اجتماعات جامعة الدول العربية فيما يخص بناء منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل..

وثمة دورات وشهادات عليا أخرى حصل عليها من جامعات وكليات حرب عالمية متقدمة لا يسع المجال لذكرها هنا.. فكسب بذلك أحترام المؤسسات العسكرية العلمية في العالم.. ما جعل إسمه يقترن بالتفوق في كل المحافل العسكرية العالمية.. ويصبح حديث القادة في حلف الناتو على سبيل التحديد.

 وهنا أظن بأن من يمتلك مثل هذا السجل المعرفي، والوطني الواسع، لا يستحق أن نضعه في تلك الصفحة التي يحاول البعض وضعه فيها قسراً، هو ومعه عدد غير قليل من الضباط الكبار الذين دخلوا الكلية العسكرية، أو كلية الأركان بعد مجيء حزب البعث للسلطة في العراق، حيث الإنتماء لهذا الحزب شرطاً أولياً من شروط القبول في الكلية العسكرية، وفي كليات الأركان، والقانون وغير ذلك، فالعزف على هذا الوتر، وكأنه جريمة الجرائم أمرٌ لا يليق بقادة وطنيين شرفاء، لم تتلطخ يوماً أياديهم بدماء العراقيين، كما لم تتسخ سجلاتهم بعار الخيانة للوطن، فطالب شغاتي، ومن كان مثله من القادة الوطنيين الكبار يستحقون منا الإعتزاز، والتقدير، والذكر الحسن.

 

شغاتي وجهاز مكافحة الإرهاب

 

كان الجنرال شغاتي أول من فكر بتأسيس وبناء جهاز مكافحة الإرهاب عام 2007 بالطرق العلمية الوطنية الصحيحة، بعيداً عن المحاصصة التي حاول البعض من السياسيين إدراج هذا الجهاز فيها لكنه رفض ذلك بإصرار وشجاعة، وصبر، متحملاً مشاق التأسيس والبناء، وما تلا هذا التأسيس من إشكالات ربما يعرفها أغلب العراقيين.

 وما الإنتصارات العسكرية التي تتحقق اليوم على يد هذا الجهاز الباسل، في معارك التحرير ضد عصابات داعش، وبقيادة طالب شغاتي نفسه، إضافة لعدد من قادة الجهاز الأبطال، إلاَّ الدليل المؤكد على وطنية، وكفاءة الرجل، الذي قرأ بمهارة تضاريس الخارطة السياسية والإجتماعية والأمنية في العراق، والمنطقة، فكان قرار تأسيس جهاز مكافحة الإرهاب إستنتاجاً صحيحاً لهذه القراءة الصحيحة.

ناهيك عن تولي شغاتي مسؤولية قيادة العمليات المشتركة، التي تدير معارك التحرير في جميع قواطع العمليات.

 

شهادة مكتوبة بضمير ضابط عراقي

أدرج هنا شهادة لضابط عراقي معارض لنظام صدام الديكاتوري، وهي واحدة من الشهادات التي في حوزتي عن شغاتي.. وقد دوَّن فيها المقدم حميد الواسطي ما أملاه عليه ضميره الوطني، وشرفه العسكري، فقال قبل سبع سنوات، وكأنه يعلم أن ثمة صحفياً سيأتي في يوم ما م، وينشرها عنه لاحقاً.

يقول هذا الضابط:

 "في السادس من كانون الثاني عام 1980 ترقيّت إلى رتبة ملازم أول -أنا مِن دورة 55 كُلِّيَّة عسكريَّة- وَقد ُكنتُ أشغل منصب آمِر رعيل قاذفات صواريخ. وكانَ آمِر بطريتي النقيب شاكر الأسدي، الذي شارك على ما أذكر في دورةٍ عسكريَّة بمعسكر التاجي - دورة صنف أو ترقية- وَقد إشتركَ مَعَه في تلك الدورة ما يُقارب الثلاثين ضابطاً، مِن مختلف بطريات الدفاع الجوي.

وأثناء الدورة كانَ آمِر بطريتنا النقيب شاكر الأسدي يزورني مرتين في الأسبوع، ليَطلِّع عَلَى أحوال البطرية.

 وفي اِحدى زياراته سألتهُ عن الدورة، متمنياً له الحصول على المركز الأول فيها، لكن النقيب شاكر فاجأني ضاحكاً وَهو يهزَّ يَده وَرأسه، وَيقول: "لا حبيبي المركز الأوَّل محجوز للنقيب طالب شغاتي"!

فقلت له: وَهل أن طالب شغاتي مَعكُم في الدورة؟

فقال: نعم!

 لم أستغرب قول النقيب شاكر بخصوص فوز شغاتي، فقد كنا نسمع الكثير عن قدراته وإمكاناته العقلية المتقدمة، على الرغم من أنَّ النقيب شاكر هو الآخر ضابط كفوء، وَذكي، وَذو شخصيَّة مُحترمَة.. لكن الفوز على شغاتي عسكرياً كان أمرٌاً صعباً للغاية.

وفعلاً أنتهت الدورة بفوز النقيب طالب شغاتي بالمركز الأول دون منافس، وقبل ذلك كنت قد أقمت وليمة غذاء كبيرة على نفقتي الخاصة، بحيث جهزت الطعام لثلاثين ضابطاً في بيتي، وبإشراف المرحوم والدي، وقد تم جلبه بعجلة (إيفا) الى مقر بطريتنا، فكان الطعام وافراً ومنوعاً وطيباً، بحيث لم أنس شيئاً قط، حتى الحلويات، والسجائر، والمشروبات الغازية المنوعة، كنت قد أتيت بها أيضاً.. فكانت وليمة تستحق الذكر والثناء من جميع الضباط. علماً بأن آمر بطريتي يعرف جيداً بأني أقمت هذه الوليمة، إكراماً لعيون النقيب طالب شغاتي، وتقديراً مني لكفاءته العلمية، وقدراته العسكرية، وإعتزازاً بأخلاقه الرفيعة، على الرغم من أني لم ألتق به من قبل.

لقد كان شغاتي عبقرياً، وكان جميع ضباط الجيش العِرَاقي الَّذِينَ إشتركوا معه في دورات عسكريَّة، عَلَى قناعةٍ تامّة، بأنه الأول في أي دورة يشارك فيها، وما عليهم إلاَّ أن يتنافسوا عَلَى المرتبة الثانية، فما دون."

المقدم حميد الواسطي

استراليا – العراق

 ديسمبر 2009

 

إنتهت شهادة المقدم حميد الواسطي المكتوبة قبل سبع سنوات.. وبقي لي أن اسأل وأقول:

-هل كنت متحيزاً لشغاتي في هذه السطور؟

ربما أكون قد تحيزت له بعض الشيء، وربما لا ...

 لكني واثق من أني رسمت له صورة طبق الأصل..  ستساعد المؤرخين والباحثين عن الحقيقة في يوم ما، لمعرفة ضابط عراقي كان مؤهلاً لقيادة الناتو.

 

 

علق هنا