إذا لم يكن العبادي رئيساً للوزراء، ليكن قاسم الأعرجي، فكلاهما يؤمن بالدولة مشروعاً ونهجاً وتطبيقاً

بغداد- العراق اليوم:

ثمة عرف سياسي عراقي جرت عليه الأمور منذ انطلاق قطار العملية الديمقراطية في البلاد، يتمثل في كون التوافق سمة أساسية في تسمية الرئاسات ومسؤولي الهيئات والمؤسسات الحكومية العليا، وهذا المبدأ الذي يلعنه الجميع علنًا، في الواقع يلجأ اليه الجميع، لسبب بسيط، أنه الحل المنطقي لضمان تمثيل عراقي واسع، ومن ثم ضمانة أساسية لكل مكونات شعبنا العراقي في اختيار من يمثلهم في منظومة السلطة بعيدًا عن سياسات الفرض والرفض التي كانت تسود طوال عقود، فالعراقيون عامةً يرفضون أن يفرض عليهم حاكم لا يختارونه أو على الأقل لا يساهمون في اختياره بشكل وبأخر، ويفرضون بذات الوقت أن يحظى الحاكم بمقبولية عامة لدى فئات الشعب العراقي.

والتجربة الماضية انتجت نوعين من الساسة، جزء منهم تصدى، وكان فاعلاً للأسف، ومازال وسيظل يعتقد أن التنوع العراقي آفة ومشكلة، ولا يستقيم معها شكل حكم في البلاد، ولذا كان هولاء بمثابة عامل توتير وشد على طول الطريق، ولم تجنِ البلاد منهم سوى الويلات والحروب والاحترابات والانقسامات التي أدت الى كوارث فيما بعد.

وجزء أخر كان ولا يزال مؤمناً بعقلية رجل الدولة الذي يريد أن يخدم مشروعه بكل العناصر المتوفرة،  ولا يرى في التنوع الا جزء من العناصر الهامة في سبيل دفع العجلة للأمام. فهذا النوع من الساسة موجود، لكن وجوده نادر، رغم أنه قريب من المشهد، لكن عناصره كانوا مبعدين لأسباب سنعرض عن ذكرها.

وحين أحرق الصقور العش، كان هولاء حمائم سلام، اطفأت نيران، ظن البعض أن بسوسًا عراقية لن تنطفيء، لكن حكمة هولاء وفهمهم العميق للواقع السياسي، كان اكثر وسيلة فاعلة في اطفاء الحرائق.

من هولاء قاسم الأعرجي وزير داخلية العراق، الذي كان في الحقيقة رجل مرحلة مهمة من مراحل صناعة التاريخ العراقي، رجل أثبت قوةً واقتدراً غير مسبوقين لاشخاص تولوا المهمة، وعمل بجهد عراقي خالص، لم يسبقه اليه أحد، فيما كانت نجاحاته الوطنية شاهداً على قوة الحضور، ودقة التفاعل، ومن ثم ايمان مطلق بأن العراق بلد يجب أن يدار بشراكة جميع ابنائه، دون النظر الى الخلفيات الطائفية أو القومية او الحزبية.

كانت عقلية الأعرجي في ادارته لمؤسسة الداخلية، عقلية مثيرة للأعجاب، حد أن الكثير وصف ما شاهده من أداء، وقوة شخصية، وصدق في الموقع، بأنه الآن رأى رجل الدولة الذي يقدم العام على الخاص، ويدفع بالمصلحة الوطنية فوق المصالح الأخرى ايًا كان نوعها.

فالأعرجي الذي كان جديرًا بالموقع، غير الكثير من مفاهيم خاطئة رسخت بسبب سياسات خاطئة هي الأخرى سادت في الفترات السابقة، واستطاع بقوة الحضور الذي يملكه، أن يثبت أمكانية التقارب الوطني، وامكانية العمل المشترك في الفضاء العراقي، بعيدًا عن نظرات التخوين والتجريم الشائعة.

امتلك الرجل قدرة الحوار، بحيث استطاع تحويل مئات الاف العوائل من معارضة للواقع العراقي الجديد الى محايدة على الأقل، بعد أن اعاد لهم حق المواطنة التي حاول البعض عمدًا او جهلاً سلبها منهم.

والأعرجي الذي دشن حملة علاقات عربية واسلامية واسعة، حظي تقاربه هذا بحفاوة لم يسبق أن حظي بها وزير غيره، ومن ثم شكل تحركه على عراقيي الخارج لاسيما من المعارضين للنهج الجديد، تحولاً جذرياً في شكل العلاقة، اضف لذلك قربه من المواطن العراقي الذي كسر الحاجز مع الجميع.

علق هنا