لماذا نجح وجيه عباس، وخسر الإعلاميون الآخرون في الوصول الى قبة البرلمان؟

بغداد- العراق اليوم:

ما الحد الفاصل بين كونك اعلاميًا أو سياسيًا، هل من حدود تفصل هاتين المنطقتين، وكيف يحدد المواطن والمتلقي هذه الحدود، هل بالضرورة أن كل اعلامي سياسي؟، وهل كل سياسي يجب ان يقترب من حقل الاعلام ليوصل رسالته الى جمهوره.

ثم هل يسمح مزاج الشارع بتحويل الإعلاميين إلى سياسيين، وهل يمكن أن ينجح هولاء في حال وصلوا إلى مستوىً سياسي رفيع؟. هذا هو السؤال، في الواقع التداخل بين وظيفتي السياسي والإعلامي والصحافي متداخلة إلى حد ما، ولكن ليس كل إعلامي يمكنه أن يقترب من الحقل السياسي، وليس كل كاتب في الشأن العام، قادر على التصدي للشؤون العامة بشكل تنفيذي او تشريع، وإقناع الجمهور بإمكاناته وقدراته السياسي، لذا فأن مهمة الإعلامي الذي يقترب من الحقل السياسي مهمة  ليست سهلة، بل أنها مهمة محفوفة بالمخاطر، لاسيما في بلد مثل العراق، الذي يؤدي به سوء الفهم الى المهالك، فكيف أن كان الإعلامي متخصصاً في فضح سوء المقاصد، وكشف الكواليس، وإفشاء إسرار الصفقات واللعب الذي يجري في الظلام!

كيف تتوقع أن ينتهي مثل هذا الصراع، والى أي نتائج يمكن أن يصل الإعلامي الذي يقف بصدر مكشوف امام السياسي المدجج بالسلطة والايدولوجيا والطائفة والنفوذ والمال وكل أساليب الترهيب والإلغاء والإقصاء والعزل النهائي.!

وهل تكفي الحقيقة وحدها ان تكون حصناً يقي الاعلامي سهام اعدائه من السياسيين، وكيف أن ترك الاعلامي وحيدًا في فلوات لا ترتادها سوى الوحوش الكاسرة. لكن ثمة اعلاميين وصحافيين، اختاروا أن يمشوا في هذه الفلاوات بلا رماح، غير رماح الحقيقة، وسهام الحقيقة يطلقونها، ويحملون بعدها أوراقهم ويعودون الى مخادعهم الفقيرة، لا يلوون على شيء سوى أنهم يراهنون على الحقيقة المجردة التي ستنتصر لاحقًا، ولا يعولون سوى على وعي الناس التي يجب أن تدرك الحقيقة، بكل ابعادها، وحين يتحقق الوعي تبدأ مراحل الانقلاب المطلوب.

وجيه عباس من هذا النوع الاعلامي الصعب، النوع الذي نكاد أن نسميه نادرًا بين كم هائل من إعلاميين، وفضائيات تعج، وجيه عباس القادم الى السياسية من أوسع ابوابها، وجيه الذي لم يعد اعلاميًا فقط، بل هو صوت المعارضة الشعبية، التي تتخذ من منصة الإعلام وسيلة للتعبير عن غضب الشعب، بعد أن غيبت المصالح المعارضة من موقعها الأساس في مجلس النواب.

وجيه عباس ليس إعلاميا تقليديًا يطرح آراء هنا وهناك، أو يكتب مقالة ويتركها أسيرة على بياض الصفحات، ولا معلقاً على أحداث، أو مجرد محرر أخبار، بل اكبر من ذلك، ودوره أعمق من هذا، وجيه عباس معارض سياسي عراقي، اتخذ من الإعلام وسيلة لإيصال وجعه الدائم، وإعلان معارضته ضد نهج السلطة وانحرافها الدائم.

وجيه عباس صوت عراقي خالص، لذا فأن الشارع العراقي لم يتعامل معه على أنه مجرد مقدم برنامج، بل تعامل معه على أنه جزء أصيل من المؤسسة السياسية، الجزء الذي يجب أن يعود لها، كي يمارس دوره من داخلها، لذا فأن الشعب رحله الى هناك، الى حيث الموقع الذي يجب أن يكون فيه، أكثر تأثيرًا وأكثر فاعليةً، بعد أن ضاقت بصوته العراقي فضائيات كثيرة، وحاولت تغييب صوته وزارات وجهات. لكنه انتصر للحقيقة وحدها وفاز بثقة شعبه، بعد ان تعرض الى ما تعرض من محاولات اغتيال وتهديدات بالقتل وملاحقة قضائية وتهم كيدية.

الشعب العراقي شعب واعي جدًا، ويكره أن يخلط الأمور، فهو يقدس الإعلامي ودوره، ويعشق الفنان وفنه، ويحترم الرياضي ومنجزه، ولذا لا يريد أن يزجهم في حقل السياسة، كي لايفسد هذا الوهج الذي يحظون به، لذلك لم ينتخب في هذه الدورة البرلمانية، ولا في سابقاتها، رياضياً واحداً ولا فناناً واحداً ولا اديباً واحداً لكنه مع وجيه عباس تعامل بشكل مختلف، فوجيه سياسي يمارس دوره من الاعلام، ولذا فأن نجاحه هو تكليف اضافي من الشعب لانتقال المعارضة السياسية من الاستوديو الى أروقة مجلس النواب الذي ينتظر دورًا غير معهود لنائب غير تقليدي، وسياسي يحترف مهنته، ويجيد اسرارها بكل جدارة.

علق هنا