محمد شياع السوداني جعجعة بلا طحين ..هذه أرقام محمد صاحب الدراجي في وزارة الصناعة، فما هي ارقام الوزير السوداني ؟

بغداد- العراق اليوم:

وجيزة هي الفترة التي حمل فيها الوزير محمد صاحب الدراجي حقيبة وزارة الصناعة العراقية، ولكن همم الرجال لا تقاس بالزمن وحده، وثمة أنجازات كبرى يمكن أن تحقق لو توافرت الارادة الحقيقية، وفي مسيرة الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم أسوةً حسنة، فهذا الرجل الذي حكم البلاد لمدة لم تزد على أربعة اعوام، ترك منجزاً سيظل ماثلاً لأربعة قرون أن لم نبالغ، فما من مدينة عراقية ولا قصبة من قصبات هذه البلاد الواسعة، الا وللزعيم ولحكمه الرشيد بصمة شاخصة لليوم، فخذ مثلا مدن الاسكان التي شخصت في كل مدن البلاد، وغيرها مئات الجسور والبنايات والمشاريع، ولسنا في معرض التذكير بمنجز الزعيم، لكننا في موضع الاستشهاد به، كي لا يشكل البعض، ويقول أن ما سيطرح عن منجزات الدراجي خلال فترة وجيزة، مبالغات، ولا يمكن أن نحول الوزير السابق الى " الرجل الخارق" الذي استطاع لوحده أن ينجز، ولكننا ندعي وبكل ثقة أنه الرجل القادر على الادارة، وهذا سر الانجاز.

ففي أقل من عام استطاع هذا الرجل أن يحل مشكلة عصية، كسرت ظهر الصناعة العراقية واستنزفت موارد البلاد المالية، حين كانت 73 شركة عامة عملاقة تضم حوالي ربع مليون موظف وعامل خاسرة، وتعتمد على القروض لسداد رواتب موظفيها الشحيحة، أتى الرجل، ليقول لا لهذا الاستنزاف، وعبر محاولات جذرية، وخطوات جريئة استطاع أن يحول هذه الشركات الخاسرة الى رابحة، تسد نفقاتها التشغيلية، وأن يدير عجلة المشاريع والمعامل المتوقفة، حتى أن مدراء هذه الشركات الذين كانوا يشكون من ثقل الديون التي بذمة شركاتهم، صرحوا مراراً وتكرارًا أن مسألة الديون واشكالياتها ولت للأبد، والخطوة ببساطة تمثلت في رفع شعار" صنع في العراق" وطبقه على ارض الواقع، ولنكن أكثر موضوعية فقد سعى لذلك الرجل ما استطاع اليه جهدًا، ودفع ثمنه لاحقًا من قبل مافيات يعرفها القاصي والداني. وانهى الدراجي ملف الديون التي كانت عائقاً حقيقيًا امام نمو الشركات واطلاق صناعاتها، فضلاً عن انصاف مئات الاف من العوائل التي كانت بلا أمل، ولا تستطيع أن تؤمن لقمة عيشها.

الدراجي يؤمن بمقولة الدولة ليست مؤسسة رعاية اجتماعية فقط، بل هي جهاز عظيم لتنظيم الجهد، وادارة الموارد، وتطوير القدرات، لذا لم يتوقف عن تطبيق ذلك الشعار بكل عزم، حتى أستبشر العراقيون بدورة عجلات المصانع العراقية، وشهدت السوق المحلية للمرة الأولى بعد 2003 تدفقًا لمنتجات ( كهرباء ديالى- قابلوات شركة أور- الحديد العراقي- الاسمنت العراقي- الاغذية كالالبان العراقية الطازجة والشهية- الالبسة والمفروشات- وصولاً الى السيارات العراقية التي كانت اللحظة الأهم في نمو الصناعة الوطنية" لكن وبرأيي الشخصي كصحفي مختص ومتابع، ارى أن ما أصاب الجميع بالهلع- واعني بهم الفاسدين واتباعهم واعوانهم- حين أقدم الدراجي على خطوة انشاء المعدات العسكرية، وتأميم القطاع الحربي العراقي من الاستيراد، على الأقل في اللوجستك، فهنا قامت القيامة، ولم تنتهِ الا باستقالة الدراجي الذي يفهم الجميع أن ثمن اقالته هو، دفعها ستة وزراء أخرين أطيح بهم، حتى يصلوا للدراجي ويزيحوه عن منصبه، وأنتهى الأمر الى هنا.

لكني وللأمانة يمكني بالاستعانة بالأرشيف الصحفي البسيط أن اعدد مئات المنجزات المتحققة في تلك الفترة الوجيزة، واشير بقوة ما دمنا في ملف الارقام، الى أن محمد الدراجي استطاع أن يؤمن للعراق مثلاً ملياري دولار سنوياً كانت تذهب لاستيراد الاسمنت الاجنبي، حتى أن باكستان الدولة القاصية والبعيدة كانت تصل مبالغ صادراتها من الاسمنت الى العراق الى حوالي 200 مليون دولار سنوياً، فيما كانت المعامل العراقية تعاني من الافلاس والتوقف، وتلك معركة لا يعرف خفاياها الا قلة من المطلعين، وكيف أنتهت معركة " الاسمنت" لصالح الدولة العراقية.

يمكنني الاشارة هنا ايضاً الى ملف الكهرباء - من تصنيع المحولات، مروراً بقابلوات الضغط العالي والواطئ وصولاً الى اسلاك اللف- وكيف استطاع الدراجي أن يجبر مجلس الوزراء على ايقاف الاستيراد من تركيا والصين وكوريا، ومناشىء أخرى، ويوفر لخزينة الدولة العراقية مليار دولار كانت تذهب سنوياً الى تلك الدول، وبعضها " قوميسونات" الى جيوب الذين لا يراعون ذمة ولا ضمير ولا يهتمون لمصير البلاد.

اشير كذلك الى تشغيل معمل بابل لصناعة السيارات وكيف أستطاعت الوزارة تأمين مركبات حديثة مناسبة وحافظت على العملة الصعبة التي يصل الانفاق فيها الى اربعة مليارات دولار، ولمن يشكك فأنا احيله الى القرار الذي استصدرته الصناعة باجبار القطاع العام على الاقل بشراء السيارات والمعدات والمكائن من وزارة الصناعة، ولكم ان تتصوروا حجم الاستيراد الحكومي للسيارات والمعدات الذي كان يمثل فرصة ذهبية للبعض ليثروا ايما ثراء.

كما احيل القارئ الى ملف مصانع ابو غريب والبانها الشهيرة، وكيف تدفق المنتج الغذائي العراقي الى الاسواق، وكيف انعش توجه الصناعة الفلاحين ومربي الحيوانات حين أصدرت الوزارة قرارًا بشراء الحليب الخام من المربين، وكيف دارت عجلة هذه الصناعة، وللأمانة فأن الالبان العراقية ضاهت ونافست الصناعات الاجنبية التي كان ولا يزال العراق بنفق للأسف قرابة الـ 750 مليون دولار سنوياً على استيرادها!!

الأرقام تعجز، ولكننا سنواصل هنا الاستعراض الموجز كي تعرفوا لماذا حورب هذا الرجل، ولماذا تعرض الى اشرس حملة تشويه وتسقيط سياسي، مدفوعة الثمن من قبل  الفاسدين الذين ضربت مصالحهم، فنحن هنا لاندافع عن شخص بعينه، إنما ندافع عن حق وعن منجز وطني ليس اكثر، وللمثال على اسباب منع الوزير الدراجي من اداء مهمته الوطنية، ان معمل بتروكيمياويات البصرة، كان يستعد للإنتاج، بل وفي اللحظات الأخيرة من ذلك، انهت جهات معينة مسيرة الدراجي، ليتوقف العمل في هذا المعمل المهم والحيوي.. إنه واحد من الملفات التي ازعم أنها عجلت بالرجل واقصته، فملف معمل البتروكيمياويات ملف دولي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وبصراحة فإن ارادة دولية قاهرة منعت تشغيل مصنع كان سيغطي العراق والخليج ولربما الشرق الأوسط ايضاً، وينعش الاقتصاد البصري والعراقي، ويوفر بحسبة بسيطة 40 مليار دولار للعراق في غضون عقد، فأنهي هذا  الملف، وانهي مثله معمل حديد وصلب البصرة الذي كان هو الأخر على وشك الانطلاق، كما انهيت عشرات بل مئات المعامل التي كانت تدور عجلات مكائنها ليل نهار.

للأسف بعد ذلك كله، وحين أنهي دور الرجل في ملف الصناعة، أوكلت المهمة لرجل مغمور وغامض وبسيط، كل سيرته المهنية أنه كان محافظاً لفترة وجيزة، استبدل فيما بعد ليتولى ملف حقوق الانسان في الحكومة العراقية !، وبعد ذلك أعيد وزيراً للعمل العراقي، تصوروا ( العمل في العراق!!)، ثم أوكلت له مهمة الصناعة، أو تصفية الصناعة، حيث أتى الرجل بسرعة البرق على ما تقدم، وعادت الصناعة العراقية الى سباتها العميق، واوقفت اغلب المعامل مجددًا، ولا أحد يعرف لمَ كل هذا؟

 أهو انتقام من مسيرة الوزير السابق، أم رغبة حكومية ترجمت بعد أن اطيح بالدراجي من منصبه، أم أن الامر فيه ما فيه، وأن ثمة من تجرأ فداس على " الخطوط الحمراء"، وأن الوزير الحالي " وكالةً" يتجنب ان يقع في ذات المطب!!

اسئلة كبيرة، لكن السؤال الأكبر، هو جعجعة الوزير الحالي الذي لم يعد يقوى على ان يذكر منجزاته هو في ملف الصناعة الذي تولاه منذ اكثر من عامين، ليعرض بسيرة غيره، وكأن المقولة القائلة " كلما أتت أمة لعنت أختها" هي المنهاج الوزاري الذي يسير عليه هولاء.

لسنا في خصومة مع السوداني، ولا نحابي الدراجي، ولكننا  للامانة والحقيقة والانصاف، نود أن نركز دوماً على أن مبدأ تكامل الادوار، وأن يراكم اللاحق ما بدأه السابق، بدلاً من محاولة جعله شماعة لتعليق فشله، وأن لم تستطع أن تبلغ العلى، فلا تحاول ان ترمي بالحجر للأعلى فسيقط عليك كما يقول المثل!!.

علق هنا