مستقبل تواجد القوات الاجنبية في العراق

حمزة حداد

صوّت البرلمان العراقي مع بداية الشهر الحالي على قرار غير ملزم يدعو رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من العراق، في إشارة الى قوات التحالف، لانتهاء الحرب ضد كيان داعش. وعلى الرغم من كون القرار غير ملزم التنفيذ، فقد استجاب السيد رئيس الوزراء للدعوة التي يتضمنها القرار خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي حين قال بان اعداد القوات الأجنبية المتواجدة في العراق اخذٌ بالتناقص مع هزيمة داعش عسكرياً، وان الغرض من استمرار تواجد هذه القوات  على الأراضي العراقية يقتصر على توفير الدعم للمؤسسات العسكرية العراقية من خلال تقديم التدريب وإعادة بناء القدرات القتالية للقوات العراقية.    

لقد تصدر قرار البرلمان عناوين الاخبار للعديد من القنوات الاعلامية، ولكن ينبغي عدم اغفال الأجواء المشحنونة سياسيا التي تخيم على العراقيين طيلة الستين يوماً القادمة حتى موعد ذهابهم الى صناديق الاقتراع. وعلى الرغم من عدم بدء الحملات الانتخابية بشكل رسمي قبل 11 نيسان المقبل، فقد بدأت العديد من الأحزاب السياسية باتخاذ مواقفها السياسية مبكراً.

 من الطبيعي ان يشكل تواجد القوات الأجنبية مصدر قلق ومحور للنقاش على الصعيد الوطني، وبالتالي من المتوقع ان يتبنى ممثلو الشعب العراقي مخاوف استمرار تواجد تلك القوات على الأراضي العراقي. ولكن التوقيت والظروف المحيطة بهذا التساؤل اليوم مختلفة جداً عما كانت عليه عام 2010 حين تصاعدت مطالب انسحاب القوات الامريكية انذاك. فالامر لا يقتصر على التيار الصدري هذه المرة، بل يتعداه الى العديد من الأحزاب القريبة من ايران والتي لها صوت مسموع في البرلمان، مثل تحالف الفتح الذي يضم العديد من الأحزاب السياسية لقوات الحشد الشعبي. حيث ان هذه الأحزاب مصممة على تحدي النفوذ الأمريكي في العراق من خلال معارضة تواجد القوات الامريكية على الأراضي العراقية. ومن اكبر الأحزاب المنضوية تحت مظلة هذا التحالف منظمة بدر المسيطرة حاليا على اكثر من 20 مقعداً البرلمان والتي وصفت في احدى التصريحات استمرار تواجد القوات الامريكية بالمسبب لذي سيؤدي الى "زعزعة الاستقرار".

بالإضافة الى ذلك، فان تحالف دولة القانون الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهو حليف سابق للولايات المتحدة، يطالب ايضاً بانسحاب القوات الأجنبية من العراق. حيث بدا المالكي تدريجيا بالتقرب من ايران بعد خسارة منصب رئيس الوزراء عام 2014. وهو ما يفسر معارضته للتواجد الأمريكي اليوم. مما يزيد من تعقيد المشهد اكثر، هو ان المالكي ما زال يملك مساحة واسعة على الساحة السياسية، وقد يتمكن بالتعاون مع تحالف الفتح من تشكيل قوة كبيرة في حال كانت نتائج الانتخابات في مصلحته.

القوات الامريكية وباقي القوات الأجنبية متواجدة حالياً في العراق بطلب من الحكومة العراقية لتوفير التدريب والدعم في مهمة القضاء على داعش. وهو احد اهم الفوارق التي تتجلى بوضوح عند مناقشة ما يفصل بين تواجد القوات الأجنبية سابقا عن تواجدها حالياً. 

الفارق المهم الاخر اليوم هو غياب القوات الأجنبية شبه الكامل عن شوارع العراق بعكس الحال الذي كانت القوات الامريكية عليه منذ عام 2003 لحين انسحابها الى قواعدها العسكرية عام 2009 والانسحاب بشكل كامل عام 2011. فالقوات الأجنبية اليوم متواجدة حصراً في القواعد العسكرية التابعة للقوات الأمنية العراقية، وبالتالي فانها غائبة عن الأنظار والأماكن العامّة. حسب تصريحات السيد الوزراء، لا يمكن لاي طائرة تابعة لقوات التحالف ان تقلع من أي قاعدة عسكرية دون اخذ الموافقة من الحكومة العراقية. من هنا فان علو الأصوات المطالبة بانسحاب القوات الأجنبية اليوم اقل كثيراً عما كانت عليه عام 2011. فالوضع الحالي مختلف تماماً وبالتالي فان الأسباب التي كانت وراء تمرير قرار تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية في البرلمان ما هي الّا مناورة سياسية لشحذ المشاعر الوطنية بهدف كسب المزيد من الأصوات والفوز بالانتخابات المقرره في 12 آيار المقبل.  

لقد صاحب قرار البرلمان هذا تغطية إعلامية سلبية في الدول الغربية، وبالرغم من المبالغة في تصوير تاثير القرار، ينبغي عدم اغفال حقيقة ان ذلك شان عراقي وللساسة العراقيين كامل الحرية لمناقشة القرار والتصويت عليه. ولكن، من المهم ان يدرك العراقيون حقيقة الدوافع السياسية التي دفعت الى تمرير هذا القرار وعدم فقدان التركيز على أهمية الدور الذي تلعبه القوات الأجنبية في بناء القدرات العسكرية للمؤسسات الأمنية العراقية واهمية ان يكتمل بناء تلك القدرات قبل تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من العراق بحيث يكون تحقيق مصلحة العراق دون مصالح الغير هو الدافع الوحيد لاصدار مثل هذا القرار. كما ينبغي على المراقبين في الغرب وفي العراق عدم نسيان ان رئيس الوزراء العراقي هو القائد العام للقوات المسلحة وله وحده حق تقرير ما تحتاجه القوات المسلحة العراقية من تدريب ودعم واسناد.   

الظروف هذه الأيام تختلف عما كانت عليه قبل سبعة أعوام، وقد علمنا التاريخ ان الاندفاع في اتخاذ القرارات المبنية على أسس سياسية غير عملية ستكلف العراقيين المزيد من الدماء التي يمكن حقنها. لقد دفعنا الغرور سابقا لابعاد خبرات الدول الحليفة لنا في مكافحة الإرهاب. واذا كانت الضغوط الإيرانية تدفع باتجاه طرد الحلفاء الأجانب من العراق، يجب ان نتذكر جيدأ ان الأرواح التي اُزهقت والتضحيات التي قُدمت دفاعاً عن العراق لم تكن إيرانية. على الطبقة السياسية ان تقرر وتنفذ مع يخدم مصلحة العراق والعراقيين فقط، وليس أي جهة أخرى.

علق هنا