ماذا كتب صدام حسين في رسالته للشهيد محمد باقر الصدر ، وبماذا أجابه " السيد " ؟

بغداد- العراق اليوم:

نشرت صحيفة (السياسة) الكويتيّة في عددها رقم (12598) الصادر في 2003/12/17 م، مقالاً تحت عنوان: (الصدر رافضاً إغراءات وتهديدات صدّام: لن تلبثوا بعدي إلّا أذلّةً وستتجرّعون الهوان)،

حيث جاء فيه: أنّه تمّ العثور مؤخّراً علی رسالتين إحداهما قد وجّهها صدّام إلی السيّد الصدر ، قبل خمسة أيّام من استشهاده في التاسع من نيسان ١٩٨٠، والثانية عبارة عن جواب الشهيد الصدر عن رسالة صدّام.

نص رسالة  صدام:

لعلك تعلم ان مبادئ حزبنا منبثقة عن روح الإسلام وان شعاراتنا التي نطرحها هي شعارات ذلك الدين السمح لكن بلغة العصر . وان الذي نريد تطبيقه على واقع الحياة في وقتنا هذا هو أحكام الشريعة الغراء ولكن بلون متطور رائد يلائم هذه الحياة الصاعدة . واننا نحب علماء الإسلام وندعمهم ما داموا لا يتدخلون في ما لا يعنيهم من شؤون السياسة والدولة ولا ندري بعد ذلك لماذا حرّمتم حزبنا على الناس؟ ولماذا دعوتم الى القيام ضدنا؟ ولماذا أيدتم أعداءنا في إيران؟ وقد أنذرناكم ونصحنا لكم واعذرنا إليكم في هذه الأمور جميعاً غير إنكم أبيتم وأصررتم ورفضتم الا طريق العناد مما يجعل قيادة هذه الثورة تشعر بأنكم خصمها العنيد وعدوها اللدود وأنتم تعرفون ما موقفها ممن يناصبها العداء وحكمه في قانونها. وقد اقترحت رأفة بكم ان نعرض عليكم أمورا ان أنتم نزلتم على رأينا فيها أمنتم حكم القانون وكان لكم ما تحبون من المكانة العظيمة والجاه الكبير والمنزلة الرفيعة لدى الدولة ومسؤوليها تُقضى بها كل حاجاتكم وتُلبى كل رغباتكم، وان أبيتم كان ما قد تعلمون من حكمها نافذاً فيكم سارياً عليكم مهما كانت الأحوال وأمورنا التي نختار منها ثلاثة لا يكلفكم تنفيذها اكثر من سطور قليلة يخطها قلمكم لتنشر في الصحف الرسمية وحديث تلفزيوني جواباً على تلك الاقتراحات لتعودوا بعد ذلك مكرمين معززين من حيث أنتم أتيتم لتروا من بعدها من فنون التعظيم والتكريم ما لم تره عيونكم وما لم يخطر على بالكم.

- أول تلك الأمور هو : ان تعلنوا عن تأييدكم ورضاكم عن الحزب القائد وثورته المظفرة.

- ثانيهما ان تعلنوا تنازلكم عن التدخل في الشؤون السياسية وتعترفوا بأن الإسلام لا ربط له بشؤون الدولة.

- ثالثهما ان تعلنوا تنازلكم عن تأييد الحكومة القائمة في ايران وتظهروا تأييدكم لموقف العراق منها.

وهذه الأمور كما ترون يسيرة التنفيذ، كثيرة الأثر ، جمة النفع لكم من قبلنا، فلا تضيعوا هذه الفرصة التي بذلتها رحمة الثورة لكم.

رئيس مجلس قيادة الثورة / صدام حسين



نص جواب السيد محمد باقر الصدر :

 ... أظننتم أنكم بالموت تخيفونني  ، وليس الموت الا سنة الله في خلقه  ... أوليس القتل على أيدي الظالمين الا كرامة الله لعباده المخلصين، ... وأعجب ما في أمركم مجيئكم لي بحيلة الناصحين ... تعدونني خير العاجلة برضاكم وثواب الدنايا بهواكم. تريدون مني ان أبيع الحق بالباطل وان اشتري طاعة الله بطاعتكم وان أسخطه وأرضيكم وان اخسر الحياة الباقية لأربح الحطام الزائل، ضللت اذاً وما انا من المهتدين، تباً لكم ولما تريدون، أظننتم ان الإسلام عندي شيء من المتاع يشترى ويباع؟ او فيه شيء من عرض الدنيا يؤخذ ويعطى ، وتمنونني عليه زخارف خادعة من الطين، فوالله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا اقر لكم اقرار العبيد، ...  

فوالله لن تلبثوا بعد قتلي الا اذلة خائفين تهول اهوالكم وتتقلب احوالكم ويسلط الله عليكم من يجرعكم مرارة الذل والهوان يسيقكم مصاب الهزيمة والخسران ويذيقكم ما لم تحتسبوه من طعم العناء ...

فاذا قد أمسيتم لعنة تجدد على أفواه الناس وصفحة سوداء في أحشاء التأريخ.

محمد باقر الصدر



حقيقة الرسالتين

 

ولكن الواقع أنّ هذين النصّين لم يكونا لصدّام و لا للصدر ؛ بل هما من تأليف  السيّد فاضل النوري أحد تلامذة الصدر ؛ وقد أوردهما في كتابه (الشهيد الصدر فضائله وشمائله) الذي صدر عام ١٩٨٤ في طهران ، وقامت صحيفة (بدر)،  بنشرهما في عددها  المرقم ١٣٤ الصادر  بتاريخ ١٠  ذي القعدة  ١٤١٥هـ. ولم يتم  العثور عليهما على الإطلاق   بعد زوال حكم صدّام، ولكن الرسالتين تعبران عن منطق الرجلين (صدام والصدر)، وتحكيان مضمون المفاوضات التي جرت بينهما عبر وسائط ورسل عرضوا على الصدر أن يدعم نظام صدام ، ويتراجع عن دعم الثورة الاسلامية الايرانية والامام الخميني، في مقابل دعم صدام له لكي يصبح المرجع الأعلى..

وقد روى الشيخ محمد رضا النعماني قسما من تلك المفاوضات، ورواها آخرون

 

 وما يهمنا هي نتيجة تلك المفاوضات التي رفض فيها الشهيد السيد محمد باقر الصدر التنازل عن أي موقف من مواقفه، واستعد للتضحية بنفسه في سبيل مبادئه. فكان أن ختم حياته بالشهادة.

لقد اثبتت تلك المفاوضات بأن المرجعية الدينية محل اهتمام النظام العراقي، ولا يمكن أن يتركها تسير على راحتها، خوفا من أن تكون قاعدة شعبية عريضة وتثور عليه، كما ثار الامام الخميني على الشاه، وكان صدام حسين يهتم كثيرا بأن يحتوي المرجعية الدينية إما بتحييدها كما فعل مع مرجعية الامام الخوئي، أو بالتفاوض معها، كما حاول مع مرجعية الصدر، واما بقمعها والقضاء عليها، كما فعل أخيرا باعدام الصدر.



صدام والاتفاق مع السيد محمد الصدر

رغم حملة القمع التي قام بها صدام حسين ضد كوادر الدعوة والعمل الاسلامي، خلال الثمانينات ، فقد وجد نفسه بأنه يجلس على بركان خامد انفجر فجأة في أعقاب حرب الكويت، وانتفاضة آذار ١٩٩١، وأدرك بأن الشعب العراقي (الشيعي) يكن حبا عميقا للجمهورية الاسلامية الايرانية، ويرتبط بعلاقات وثيقة مع قيادة المعارضة الاسلامية العراقية المتواجدة في ايران (المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق) بقيادة السيد محمد باقر الحكيم، وتوصل صدام الى ضرورة  التنسيق مع مرجعية دينية شيعية عراقية تحقق له السيطرة على الشارع الشيعي العراقي، وتفصله عن ايران والمجلس الأعلى والسيد باقر الحكيم، فأخرج السيد محمد محمد صادق الصدر من السجن، واتفق معه على دعم مرجعيته سياسيا واداريا وماليا، في مقابل عدم التعرض للسياسة او للنظام العراقي.

وقد وجد الشهيد السيد محمد الصدر الفرصة جيدة لبناء حركة اسلامية جديدة على انقاض  الحركة الاسلامية المضروبة والمعتقلة والهاربة خارج العراق،  فوافق على القيام بهذا الدور، وأعلن مرجعيته وانه (ولي أمر المسلمين) في مقابل (ولي الفقيه الايراني) وقام بادارة الحوزة، وباقامة صلاة الجمعة في مختلف المدن العراقية الشيعية من بغداد الى البصرة، وانطلق يشيد علاقات متينة مع العشائر العراقية،  ويفتي لها فتاوى خاصة بمشاكلها وأحوالها، وهكذا برز بشكل مفاجئ كمرجع أول في العراق،  وهو ما أثر انزعاج المرجعية التقليدية المنعزلة والمحايدة في النجف (السيستاني والفياض والنجفي ومحمد سعيد الحكيم) الذين كانوا يشككون بعلمه وتقواه، وكذلك أثار انزعاج المجلس الأعلى في ايران، ولا سيما السيد محمد باقر الحكيم، الذي شعر بأن محمد الصدر يسحب البساط من تحت اقدام المجلس ويفصل الجماهير العراقية عن العلاقة مع ايران.

وفي الحقيقة لم يكن ينتظر من السيد الشهيد أن ينتهج خطا ثوريا معاديا بصراحة لصدام، وهو يعيش في ظله وسجنه، كما لم يكن من الصالح أن يرفض عرض صدام في تلك الظروف بتوفير الحرية له  للعمل الاسلامي واقامة الجمعة وبناء قاعدة شعبية، ويخطئ من يعتقد بأن الصدر كان عميلا  لصدام، ولكنه استغل الفرصة المتاحة له للقيام بواجبه، وقد كشف عن حقيقة موقفه من صدام، عندما تحداه بعد أن طلب منه ايقاف صلاة الجمعة التي استقطبت الملايين من أبناء الشعب العراقي، وعلم الصدر بأن  تحدي صدام يعني الشهادة فلبس كفنه وذهب الى صلاة الجمعة، وتلقى وهو عائد من الصلاة مع نجليه رصاصات الغدر، فانتقل الى الرفيق الأعلى شهيدا، وترك وراءه حركة اسلامية عريضة وحبا في نفوس العراقيين لا يوصف

علق هنا