في عام واحد، الأعرجي والحيالي يحققان ما لم يحققه وزراء الدفاع والداخلية في ١٤ عاماً

بغداد- العراق اليوم:

مرةً وصف نائب، وزارتي الداخلية والدفاع في الحكومات السابقة بأنها الثقب الأسود الذي لا يعرف أحد من اين يبدأ، واين ينتهي؟

 بمعنى ان ثمة ماكنة تلتهم كل شيء، ولا تعرف كيف، واين ولماذا، وقد بدا ذلك النائب حينها يائسًا من الحل، حين أكد ان هاتين الوزارتين تحتاجان الى انبياء ليصلحوا شأنهما

لذلك فإن من يعرف حجم، وثقل الانحرافات والمشاكل في هاتين الوزارتين، سيؤيد ذلك النائب فيما ذهب اليه حينها، وسيتأكد له من استعراض تجارب مريرة لوزراء ووكلاء ومدراء مروا في هذه الوزارة، فخرج البعض منهم هاربًا، وخرج الاخر بالوجه الاسود بعد ان تورط بصفقات فاسدة ورشى وعمولات، او ورط البعض لحسن نيته وسلامة سريرته، وهكذا انتهى الامر الى ان يقال لمن يستلم ملف الداخلية والدفاع، العزاء لله، بدلًا من التهنئة! وفوق هذا كله فقد كان الملف الأمني المتدهور العقدة الاكبر في انشوطة الازمة العراقية.

 نعم، فالفساد على حجمه، يهون امام ارواح الناس التي تزهق في الشوارع والمدارس والمساجد والكنائس، فيما يكتفي أغلب الوزراء آنذاك، بالتحصن خلف اسوار الوزارة وتحميل قوى الارهاب والجريمة مسؤولية ما يجري، وانتهى الامر.

لسنا في وارد التذكير بما كان، لكننا سنمر سريعًا، لنعصف بذاكرة البعض التي استرخت الان، وباتت تطلق التهم جزافًا، وهي مطمئنة، فقد كانت هاتان الوزارتان الهم والعبء الاكبر الذي يتحمله اي رئيس جديد للحكومة العراقية.

 ففضلًا عن عدم استقرار امرهما، فأن الفساد والمحسوبية والتسييس بلغ فيهما حدًا لا يطاق، بحيث باتت الامور اشبه بالمسلمات، فالوزارتان لا يعول عليهما كثيراً رغم التضحيات التي كانت تقدم من المخلصين، والاكفاء من قادة الجيش والشرطة، الا ان الفشل والاخفاق كان السمة الدائمة لهما. والسبب، دس القوى السياسية انفها في تلك الملفات. لتضيف الى الإخفاق الأمني فسادًا يزكم الانوف في مختلف الاتجاهات.

مليارات الدولارات للأمن.. والموت في الشوارع!

منذ ٢٠٠٥ على الاقل، كانت تخصيصات الداخلية والدفاع الأعلى رقمًا بين وزارات العراق، فالدولة تنفق بسخاء موازنتها، لصناعة خلطة النجاح الامني، وتجاوز عقدة الموت الذي بدأ ينتشر كورق الخريف في عواصف شديدة، لكن تلك المليارات كانت تسقط في ذلك الثقب الاسود، فيما تنشط عصابات الارهاب والجريمة بقوة، وتزداد يومًا بعد، بينما الداخلية والدفاع تنزفان رجالًا اشاوس في مواجهات مستمرة، لكنها تئن من غياب القادة الميدانيين الذين يتسنمون أعلى الهرم ليفكوا تلك العقدة، ولم ينجح منهم احد في التشخيص، وان نجح  فأنه سيخفق في المعالجة، وتلك حكاية موجعة، ثمنها أمن الناس وارواحهم واموالهم وهيبة الدولة وقوتها وقدراتها، وذلك ثمن لو تعلمون كم هو كبير.

مضت السنون والوزارتان، تلتهمان الرجال والمال، والنتيجة نشاط غير عادي للعصابات الارهابية والاجرامية، واستفحال لظاهرة التسييس في الملف الامني، وتسليط قيادات غير كفؤة، مشتراة مناصبها، فكان انهيار ٢٠١٤ المصيبة التي كشفت كارثية هذا الملف بوضوح، وما عاد الامر مجرد حديث سياسي، او قصص صحافية تحذر من هجوم غيوم الشر السود على البلاد.

التجربة المريرة وحلول الواقع

يقال ان الواقع لا يستسلم، او على الاقل يقاوم رغبات الماضي، فالواقع ينبغ من الحاجة، والحاجة دافع لتصحيح الواقع باتجاهها، من هنا بدأ مع حكومة العبادي يتضح ان الملف الامني يجب ان يدار بعقليات مختلفة تمامًا، عقليات وزارية تحمل الهم الوطني مقدمًا على مختلف الانتماءات والاتجاهات، عقليات لا تؤمن الا بالوطن، ولا تقدس سوى ارواح الناس وامنهم، وهذه العقليات كانت نادرة في الدائرة السياسية، لان الحلقة ضاقت حتى باتت الرؤيا شبه معدومة. لكن المشهد الضبابي المحبط كان يبحث عن ضوء نهاية الافق المظلم، الذي وجدت البلاد نفسها محشورة فيه، بلاد محتلة، وعصابات ظلامية تقتل وتسبي وتنهب، والجميع لا يحرك ساكنًا ازاء تلك الكوارث.

الداخلية والدفاع تستعيدان عافيتيهما

بعد مخاضات طويلة ومؤلمة وفي ظروف حرجة، لم يكن امام العبادي سوى ان يختار بعناية، وان يضع من يستطيعان ان يوقفا الحرائق، وان يعيدا العجلة على سكتها الصحيحة، بعد انحراف طويل، فكان مرشح الداخلية المجاهد قاسم الاعرجي، ومرشح الدفاع المناضل عرفان الحيالي، وللرجلين تاريخ وطني مشرف في مقارعة الدكتاتورية الصدامية، فالأول واجه سلطة البعث الجائرة بالسلاح، والثاني شارك في الإنقلاب العسكري على نظام صدام في مطلع تسعينات القرن الماضي، فنال حكماً بالإعدام من محكمة عواد البندر سيئة الصيت، فكان قرار التكليف الوزاري خلطة النجاح وسره الذي اختاره العبادي بعد ان يأس من الجميع، واهتدى الى مثالين سيظل يحفظ لهما تاريخ العراق الكثير من العرفان والشكر.

رجل الاتفاق في مجلس الاختلاف

ابان اعلان ترشيح الاعرجي للداخلية، سُألت النائبة الشجاعة والقيادية في الاتحاد الوطني الكردستاني آلاء طالباني عن رأيها بهذا الترشيح، فأجابت بكل ثقة: سأصوت للأعرجي وسأمنحه صوتي، لأنه رجل كفوء وقادر، ومناضل واثبت وجودًا في مجلس النواب، واخذت تطري عليه، فكنا امام وزير اخر، لا يجد الجميع فيه عيبًا، الا من في أنفسهم مرض، فأولئك كفانا القرآن الكريم مؤنة وصفهم!

كذلك الحال، كان بالنسبة للحيالي الذي اجمع مجلس النواب على التصويت له بسبب تاريخه الوطني الناصع، فكنا امام تجربة اداء مختلفة تمامًا لهذين الرجلين اللذين غيرا مجرى الامور، وصنعا معجزة النصر العراقي الذي احتفى به العالم كله.

اداء قياسي في ظرف غير قياسي

نعم، حين تريد ان تضع الامور في نصابها، وان تقرأ الاداء في هاتين المؤسستين الامنيتين، ستجد انه اداء متصاعد وناجح بكل المعايير، فملفات الفساد هبطت الى ادنى مستوياتها بشهادة الرقابة المالية والنزاهة، وملف الفضائيين في كلتا الوزارتين، يكاد ان يكون في مستواه الادنى منذ سنوات، وملف القيادات الميدانية الكفؤة يكاد يكون في وضعه المثالي، فضلًا عن تواجد ميداني لكلا الرجلين في مختلف الميادين والجبهات، ولم يكونا كمن سبقهما يعتمدان على التقارير التي توضع على مكاتبهما، ويكتفيان بالتوقيع على رزم الورق الكبيرة، والاكتفاء بكلمة : اطلعت!

المصدر: الامم المتحدة | الرابط

 

لقد غير الحيالي والاعرجي من المعايير، واعتمدا اسلوبًا هو الاولى في الاتباع، حيث أسقطا بقسوة معايير الولاء الحزبي او العشائري او المناطقي من الاعتبارات العسكرية والامنية، وعادا بالأمور الى نصابها القانوني، فكنا امام مشهد اخر تمامًا، وصورةً بدأت تزيح صور المآسي السابقة، وترفع عنا ملفات الاحباط والفشل الذريع الذي كانت دلائله واضحة.

كما أنهى الاعرجي والحيالي الملفات الداخلية جنبًا الى جنب مع ملف الحرب على داعش ولم يسمحا للأصوات التي كانت تنطلق من دوافع مختلفة، بأن يتركا الشأن الداخلي ويتفرغا لتلك الحرب، فقد كان الرجلان يدركان ان هشاشة الوضع الداخلي هي من ادت الى هذه الانهيارات والانكسارات، وان النجاح في الحرب يتطلب ترصين الجبهتين الداخلية والخارجية، فنجحا ايما نجاح في غصون عام واحد في تحقيق ما عجزت ١٤ عاما بوزرائها وملياراتها عن تحقيقه، بعد ان صدقت النوايا، وارتفعت الهمم لتعانق سماء العراق.

بعد عام واحد فقط حققنا النصر الاكبر على داعش، وخرجنا بمؤسستين وطنيتين ناجحتين، والاهم من ذلك كله، بتنا ننام وعيوننا مطمئنة بأن " الناطور “هو الناطور الحقيقي ولم يعد ذلك الذي يتظاهر بحمايتنا نهارًا، ويقتلنا في المساء، أو الذي يؤمننا على اموالنا في الظاهر، ويسرقنا في الباطن، وبهذه القيادات الوطنية الشريفة، والقلوب العامرة بالإيمان وصدق النوايا لتطمئن عيون الوطن، ولنرفع شارات النصر الباهر، فقد ولى زمن الانكسارات والهزائم.

علق هنا