الدراجي وحشد من الكفاءات، يفتتحون (حلول)، بوابة اقتصادية لحل مشاكل السياسة العالقة !

بغداد- العراق اليوم:

كل من حاول وجرب ان يفكك لغز التعثر العميق في الواقع السياسي العراقي، عبر بوابات ومقاربات سياسية او قومية او مذهبية، فشل، ودفعت البلاد ثمنًا باهضًا لذلك الفشل، كل "الحلول" جربت، وكل المبادرات طرقت، لكن الاستعصاء ظل على حاله، فكل الطرق السياسية، والتجاذبات القومية والمذهبية لم تؤدِ الا الى مزيد من تعميق الفجوة، وتوسيع الهوة بين النخب والقواعد، ولم يجرِ التوصل لترياق الحلول.

حتى في حكومة التغيير الخامسة التي ترأسها حيدر العبادي، كانت تبحث شأن غيرها عن بوابة لتنقذ ما تبقى من هذه اللعنة، لكنها لم تفلح حتى مع توجه العبادي وهو يحاول الإستعانة بحكومة مهنية تكنوقراطية مستقلة، الإ ان الرجل واجه ايضاً صعوبات عدة، إذ لم تمنحه العملية المركبة على السكة الخطأ، مجالًا ليقود الى التصحيح، فأكتفى بتغيير وجوه، فيما بقيت ستراتيجية المعالجات الخاطئة سيدة الموقف.

اذاً فنحن نتفق، كلنا على ان العبادي يمكن ان يحسب له انه وجه الانظار الى وجهة المشكلة الاساسية، وكشف اسها وجذرها المترسب، فدلنا، من غير ان ينجح في العثور على الحل، الى شكل المشكلة. نعم، فالمشكلة كانت ولا تزال وستظل في العمق، اذا لم ينجح اصحاب الرؤية المغايرة في تحقيق اختراق حقيقي ونافذ نحو جوهر القضية، بإعتبار أنها مشكلة عقلية حداثوية، بينما طرقنا في الوصول الى تغييرها لم تزل طرقاً كلاسيكية عتيقة، وسطحية، في حين ان مسيرتنا تمضي بكل بطئها وجمودها في ظل نظام عالمي يغير ذاته كل يوم ان لم يك اقل من ذلك.

لذا فإن ازمة العراق، وكل ازماته المتتالية، تنبع من تغييب المهنيين والكفاءات، وابعاد مسيرة البلاد عن وجهتها الصحيحة التي يجب ان تتجه صوبها، فالمهنية والكفاءة، هي ما ينقص الخلطة العراقية لتنجح.

ثمة من اشاروا الى ضرورة الالتفات الى هذه المشكلة، ولم يلتفت أحد اليهم، لكنهم يواصلون، ومنهم المهندس والوزير والنائب محمد صاحب الدراجي، الذي يحسب له ان لم يكتف بالتنظير في محاولة التصحيح، بل كان المبادر  مع عدد من زملائه الى محاولة دفع العجلة نحو سكتها الصحيحة لضمان الوصول، فالرجل ومن معه  كانوا، وما زالوا يرفعون الصوت عاليًا، بأن ثمة آليات وقوى تعيق تجاوز التعثر، وان بوابة الحلول عبر  الاقتصاد لم تطرق لغاية الان، مع انها هي مفتاح الحلول السحرية، واكسير التفوق المنشود.

ولذا استمر هذا " الحشد" الشبابي المتسلح بالعلم والمعرفة والإنجاز، والمدجج بالرغبة العارمة في ضرورة وحتمية التغيير الجوهري الإيجابي لبناءات الدولة البالية، بواسطة البحث والحوار والتجريب، والتلاقح الثقافي، والتواصل المعرفي بين الأجيال والمكونات والبنى المختلفة من اجل التقارب، والإقتراب نحو جوهر المشكلة، ورفع الأنقاض الجاثمة فوقها بقوة. وللحق فإن هذا الحشد المعرفي لم يزل يسعى بقوة الى ترسيخ هذه الوعي، وتثبيت هذا  الإيمان عمليًا، وليس امنياتياً، أو خطابياً، فنرى الدراجي مثلاً حين يكون في مواقع المسؤولية يطبق ما يقوله، ويحاول بما أوتي ان يغير، وحين يخرج من المسؤولية يواصل السير حثيثاً نحو هذا الهدف ولا يكل ولا يمل، فنراه يكتب هنا، ويؤلف هناك، ويحاضر في منتديات ثقافية مرة ثالثة، وصولاً الى تأسيسه حزبًا "للمهنيين للأعمار" الذي ينطلق من فهمه للواقع العراقي، على ان اغلب ازماته التي نظن انها لا تحل، يمكن حلها عبر بوابة الاقتصاد والاعمار وتحقيق التنمية الشاملة.

وقد نجح الدراجي واصحابه في هذه الخطوة حيث التف حوله عدد غير قليل من الكوادر والكفاءات الوطنية في العراق وخارجه، في تجمع قل نظيره، ولم يكتف الدراجي بهذا، بل انه عمد الى تأسيس مركز "حلول" للدراسات، وهو خطوة متقدمة في بلورة الرؤى الاقتصادية التي يحملها مع زملائه على شكل دراسات تفصيلية تقرأ المشهد، وتغوص في اعماقه تحليلًا ودراسةً ومعالجات مستفيضة.

ان خطوة تأسيس مركز "حلول" خطوة جبارة كما وصفتها شخصيات اكاديمية وسياسية، وقد عدوها بوابةً واعدة لتحقيق انتقالة ملحوظة في الاداء السياسي، الذي سيتخلص بوجود هذه النخبة المضيئة بالعلم والتجربة والإخلاص من انشائيته، وفوضويته وارتباكه المريض المزمن.

ان وجود عقليات مثل عقلية الوزير الدراجي وزملائه، ذات ابعاد منفتحة وواعية هو برأينا جزء مهم وفاعل من البدائل والحلول المتاحة امام العراقيين الذين يأسوا من نخب سياسية لا تريد ان تضع يدها على الجرح، فيما يمسك هذا البديل المثقف بمشرط لتشريح الواقع واستئصال امراضه واورامه للنهوض بالبلاد مجددًا من كبوتها، نتمنى ان يتيح العراقيون الفرصة لهولاء الشباب، لتخلصينا من مكابدات الواقع واوجاعه المستمرة.

دعونا نصفق ل " حلول " فكرة، وامنية، وفعلاً عملياً، ونصفق اكثر لمن نقل " الحلول" من الرأس، الى الورق، الى التدارس، لكي نصل بحلولنا الى حيث يرتقي العراق.

ومن " العراق اليوم" تحية تقدير لكل من حضر حفل افتتاح هذا المركز الذي سيكون مهماً، وهو يعلم ان حفل افتتاحه لن يكون حفلاً ترفيهياً، ولا منصة للدعاية السياسية يمكن ان ينفذ منها، انما هو ذاهب الى حيث يكون الوعي، والبناء، والفكرة.

علق هنا